هل يمكن للمال أن يشتري السعادة حقًا؟
هل يصح القول أن المال الوفير يجلب المشاكل فعلًا؟ يبدو أن العلم يقول عكس ذلك.
لقد قال الكوميدي الشهير سبايك مليجان متهكمًا: «لا يمكن للمال أن يشتري لك السعادة، ولكنه يمنحك بؤسًا أكثر راحةً».
بالطبع، يعتبر النصف الأول من هذا القول خاطئٌ تمامًا. إذ إن امتلاك المال يمكن أن يجعلك في الواقع أكثر سعادةً من عدم امتلاكه. ولكن ماذا عن النصف الآخر من هذا القول؟ هل الأثرياء فعلًا عرضةً للبؤس مثلنا تمامًا؟ أم أن الفرق بيننا أنهم في بيئة أكثر راحة؟ وهل معادلة «كلما ازداد المال، ازدادت السعادة» صحيحة حتى بالنسبة لأصحاب الدخل المرتفع جدًا؟
ربما يكون لدى تقرير جديد صادر عن جامعتي بنسلفانيا وبرينستون الإجابة عن هذه التساؤلات. وبصراحة تامة فإن المتشائمين على حق. فقد أكّد ماثيو كيلنغزورث، الباحث البارز في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا والمؤلف الرئيسي لهذا البحث العلمي، في بيان له: «بالنسبة لمعظم الناس، يرتبط الدخل الأكبر بسعادة أكبر».
ولكن يأتي مع هذا الاستنتاج تحذير مهم وهو أن الأمر يعتمد نوعًا ما على ما إذا كنت سعيدًا في المقام الأول.
إذ أوضح كيلنغزورث: «إن الاستثناء هم الأفراد الذين يتمتعون بالوضع المادي الجيد ولكنهم غير سعداء. فعلى سبيل المثال، إذا كنت ثريًا ولكنك تعس، فإن المزيد من المال لن يفيد. أما بالنسبة لأي فرد آخر، فإن ارتباط المزيد من المال بسعادة أكبر له درجات متفاوتة إلى حد ما».
تربط هذه النتيجة بين نتائج سابقة بدت متضاربة ومتعارضة إلى حد ما. إذ خَلُصَت الأبحاث التي نُشرت عام 2010 إلى أن المال يمكن أن يشتري لك السعادة بالفعل، ولكن فقط حتى نحو 75 ألف دولار، أما بعد هذا المبلغ، لم يكن الثراء مرتبطًا حقًا بالسعادة. وقد توصل الباحثون إلى نتيجة مشابهة تقريبًا في دراسة لاحقة، هذه المرة من عام 2018. إذ تقول الدراسة أنه بمجرد حصولك على ما يقارب 75 ألف دولار في السنة، تتوقف سعادتك عن الارتباط بثروتك.
ومع ذلك يبدو أن دراسات أخرى تتناقض مع هذه النتائج، فقد خَلُص عمل كيلنغزورث نفسه المنشور عام 2021 إلى العكس من ذلك تمامًا. إذ إنه يقول أن السعادة ترتفع بشكل مطّرد مع دخل يتجاوز 75 ألف دولار، دون أي دليل على استقرارها. فما الذي علينا تصديقه إذن؟
لقد اتضح أن الجواب يكمن في الأدبيات القائمة بالفعل. فبإعادة النظر في تلك الدراسات التي أجريت عامي 2021 و2010، بنى المؤلفون فرضية تقسم الناس إلى فئتين: الأولى فئة كبيرة تضم السعداء، والثانية فئة صغيرة تضم التعساء. فقد افترضوا أن سعادة الفئة الأولى تواصل ارتفاعها مع زيادة الدخل، بينما تتحسن سعادة الفئة الثانية مع الدخل حتى نقطة معينة ثم تستقر.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك يضع تلك الأرقام البالغة 75 ألف دولار في ضوء مختلف. يشرح كيلنغزورث قائلًا: «إن البيانات التي جُمِعَت عام 2010، والتي أظهرت استقرار السعادة، كانت تحتوي في الغالب على درجات سعادة مثالية. لذا، فهي تخبرنا عن اتجاه السعادة في نهاية الطرف التعيس، وليس عن اتجاه السعادة بشكل عام».
ويضيف كيلنغزورث: «وبمجرد إدراك ذلك، فإن النتيجتين المتناقضتين ظاهريًا لا تتنافيان بالضرورة. فعندما نظرنا إلى اتجاه سعادة التعساء في بيانات عام 2021، وجدنا النمط نفسه تمامًا الموجود في بيانات عام 2010، إذ ترتفع السعادة بشكل حاد نسبيًا مع الدخل ثم تستقر».
إذن، ما هي النتائج النهائية؟ حسنًا، كما هو متوقع: فإن الرفاه العاطفي مرتبط بالدخل، وليس بعلاقة واحدة بل بثلاث.
تقول باربرا ميلرز، الأستاذة بجامعة بنسلفانيا والكاتبة المشاركة في البحث العلمي الجديد: «تختلف الوظيفة بين الأفراد ذوي المستويات المختلفة من الرفاه العاطفي». وتوضح أنه بالنسبة للأقل سعادةً بيننا، ترتفع السعادة مع الدخل حتى تصل إلى حد 100 ألف دولار ثم تستقر، بينما بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بمستوى أعلى من الرفاه العاطفي، فإن الارتباط ثابت حتى بعد هذا الحد. أما بالنسبة للأكثر سعادةً بيننا، فإن العلاقة بين الدخل والسعادة تتسارع بالفعل بعد 100 ألف دولار.
إذن، هل يمكن للمال أن يشتري لك السعادة؟ يبدو أن الجواب هو نعم. ولكن لديك ميزة كبيرة إذا كنت تتمتع بالفعل بصحة عاطفية جيدة منذ البداية. وعلى الرغم من ذلك، يشير كيلنغزورث إلى أنه لا يزال بالإمكان أن تكون ثريًا وتعيسًا.
يختتم كيلنغزورث قائلًا: «يعدّ المال مجرد أحد العوامل العديدة التي تحدد السعادة. فالمال ليس سر السعادة، لكنه يمكن أن يساعد قليلًا».
نُشر هذا البحث في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
- ترجمة: مايا قصي عبد اللطيف
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1