قد تكشف لنا هذه العظام الصغيرة والمهمَلة سر آلام الرُكَب

تُعدّ آهات الألم عند النهوض من على الأريكة أو صوت سحق الغضاريف عند صعود الدرج أمرًا مألوفًا جدًا. وبينما ننظر إلى ركبنا التي تؤلمنا، ومن ثم نلعنها، نقف متسائلين: لماذا تبدو وكأنها تطورت لتؤلمنا كثيرًا.

لكن لركبة الإنسان تاريخ تطوري معقد، ويُظهر بحث جديد مدى سوء فهمنا لها.

لقد طرأ على الركبة تغيرات كبيرة في حجمها وشكلها ليس فقط لتسمح للبشر الأوائل بالمشي منتصبين بل لتميّز بيننا (الإنسان العاقل) وبين أنسابنا المنقرضين وراثيًا مثل الإنسان المنتصب والإنسان البدائي (إنسان نياندرتال).

من المحتمل أن الانتخاب الطبيعي الذي يعمل مع قوى تطورية أخرى مثل الطفرات العشوائية أو الإرث الجيني قد شكّل الركبة لكي تساعدنا على المشي على رجلين بكفاءة أكبر ولمدة أطول من أسلافنا.

إن العديد من مشاكل الركبة التي نواجهها اليوم هي مشاكل جديدة لم يواجهها أسلافنا. على سبيل المثال: في عام 2017 أشار بحث إلى أن نمط الحياة المستقر الذي يغلب عليه الجلوس في عالم ما بعد الثورة الصناعية ربما أدى إلى زيادة معدل الإصابة بالتهاب المفصل التنكسي في الركبة، وهو الشكل الأكثر شيوعًا لالتهاب المفاصل في الركبة، بمقدار 2.1 ضعف.

عندما درس الباحثون بقايا صياد عاش قبل 6,000 سنة، اكتشفوا أن مشكلة التهاب المفصل التنكسي في الركبة لم تكن موجودة بتاتًا في ذلك الوقت. أما اليوم في المملكة المتحدة، يسعى أكثر من ثلث الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا إلى علاج التهاب المفصل التنكسي وخاصةً في الركبة.

ربما يكون ضعف العضلات لتثبيت وحماية المفاصل، وضعف الغضاريف نسبيًا لتخفيف كشط العظام هي نتيجةً لتحرك البشر أقل بكثير مما اعتادوا عليه. فالجلوس في مكتب أو الجري على آلة المشي يبني عضلات أقل من عملية صيد الغزلان لمعظم اليوم في التضاريس الصعبة.

ولتطوير ركبتين خاليتين من التهاب المفصل التنكسي، سيحتاج الأفراد المستقرين الذين لديهم ركب (جيدة) إلى إنجاب أطفال أكثر من أولئك الذين لديهم ركب (سيئة) لأجيال عديدة.

ولكن الأمر يزداد تعقيدًا، إذ تعتبر الركبة قطعة معقدة من آلة حيوية لم يفهمها العلماء بشكل كلي.

وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على العظام السمسمانية، وهي عظام صغيرة مدمجة في الأوتار أو الأربطة مثل عظمة رأس الركبة. ويمكن أن تتواجد هذه العظام في جميع أنحاء الهيكل العظمي للثدييات.

هذا يعني أن بعض الثدييات قد تمتلك عظام سمسمانية في حين أن بعضها الآخر من النوع نفسه قد لا تمتلكها. وإحدى الأمثلة على ذلك هي عظمة الفابيلا الجانبية التي توجد خلف الركبة، والتي يمكن العثور عليها في متوسط 36.8% من رُكَب الإنسان اليوم.

على الرغم من مئات السنين من البحث، لا يزال هناك الكثير من الغموض حول العظام السمسمانية، نموها، وتطورها، وأسباب وجودها في بعض الأنواع دون غيرها. إذ غالبًا ما تكون هذه العظام مفقودة في الهياكل العظمية المفصلية المعروضة في المتاحف، وذلك نتيجة التخلص منها مع العضلات المرتبطة بها.

وقد أظهر العمل الجديد الذي أجريته مع زملائي أن إثنين من هذه العظام التي غالبًا ما يساء فهمها، وهما العظمتان الإنسي والجانبي اللتان تقعان خلف الركبة، يمكن أن تكونا قد تطورتا بطرق مختلفة في الرئيسيات وساعدتا الإنسان الأول على المشي منتصبًا.

كان البحث مراجعة منهجية لثلاثة عظام سمسمانية في 93 نوع مختلف من الرئيسيات تتضمن أشباه البشر الآخرين والأسلاف المشتركة للإنسان.

وقد أظهر عملنا أن البشر لديهم شكل مميز من التطور لهذه العظام التي ربما بدأت في أصل أشباه البشر، وهي مجموعة من الرئيسيات التي تشمل القردة والبشر.

يعتقد العلماء أن استخدام عظمة الفابيلا الحالية هو لغرض جديد يدعى التكيف، الذي ربما ساعد الإنسان الأول للانتقال من المشي على أربعة أطراف إلى المشي على طرفين. ومن المثير للاهتمام أن هذه العظمة مرتبطة بارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفصل التنكسي، فالأفراد الذين يمتلكونها يكونون عرضةً للإصابة بهذه الحالة بمعدل الضعف عمن لا يمتلكونها. فالتطور ليس طريقًا بسيطًا للكفاءة الميكانيكية الحيوية.

وتزداد هذه الصورة تعقيدًا عندما ندرك أن الركبة (بلاستيكية) على عكس الأسنان، مما يعني أنها تتبدل وتتغير تبعًا لعوامل مثل التغذية والاستخدام. أما الأسنان، من ناحية أخرى، فإنها لا تتكيف بمجرد نموها وتتعرض ببساطة للتلف. ولهذا السبب من المهم جدًا أن نمارس الرياضة مع التقدم في العمر لنحافظ على قوة العظام.

تتغير الرُكَب وتتكيف تبعًا لاستخدامها أو عدمه، إذ إن الزيادة العالمية في التغذية التي تؤدي إلى زيادة طول البشر ووزنهم هي الفرضية الرئيسية التي تفسر سبب زيادة انتشار الفابيلا. فعلى سبيل المثال، تضاعفت الفابيلا ثلاث مرات خلال المائة عام الماضية أو نحو ذلك مع بعض الاختلافات في جميع أنحاء العالم.

نحن نعلم أن تطور الركبة في الإنسان لم يكن مباشرًا بل كان له مسارات متفرعة. كما نعلم أننا نعيش بطريقة تكاد أجسامنا تكيفت معها، ومن المحتمل أن تغيرات نمط الحياة هي السبب في مشاكل الركبة التي أصبحت أكثر حدةً مع مرور الوقت.

فالركبة لم تتطور لتناسب العصر الذي نجد أنفسنا فيه، وقد تكون العظام الذي ربما ساعدتنا على المشي في المقام الأول جزءًا لا يتجزأ من تلك المشاكل.

لذا عندما تنثني ركبتاك على آلة المشي أو تشعر بالألم عندما تجلس، فكّر في أمر ركبتيك لأن التطور ليس سهلًا كم يبدو.

  • ترجمة: عبد الرحمن موسى
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1