الشمس أكثر نشاطًا مما توقعه العلماء، وهذا ما يعنيه ذلك للأرض

تبدو الشمس من بعيد هادئة ومسالمة في سماء النهار. ولكنها عن قرب في حالة فوضى عارمة من النشاط الشمسي الذي لم يتوقع علماء الفيزياء الفلكية حدوثه حتى العام 2023 أو نحو ذلك.

قال أندرو جيرارد، رئيس القسم ومدير مركز أبحاث الطاقة الشمسية-الأرضية في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا في تصريح ل Business Insider: «لم نكن نعتقد أن الشمس ستكون نشطة في هذه الدورة بالذات، لكن جاءت نتائج الرصد معاكسةً تمامًا».

تحدث الدورات الشمسية عادةً كل 11 سنة. وخلال تلك الفترة، تتأرجح الشمس بين الحد الأدنى والحد الأقصى لنشاطها الشمسي، إذ يبلغ النشاط الأقصى ذروته في منتصف الدورة عندما تنقلب الحقول المغناطيسية للشمس.

لقد امتدت الدورة الشمسية الأخيرة من عام 2008 وحتى عام 2019. أما الآن فنحن في منتصف الدورة الشمسية الحالية ونقترب من النشاط المغناطيسي الأقصى.

إن النشاط المغناطيسي الشمسي المتزايد والذي كان يكبر على مدى السنوات العديدة الماضية قوي جدًا لدرجة أنه يخنق الطاقة في أعماق الشمس، ويمنعها من الوصول إلى السطح، الأمر الذي يسبب تكوّن جيوبًا أكثر برودةً على سطح الشمس تظهر على شكل بقع داكنة تعرف بالبقع الشمسية.

ويمكن للعلماء مثل جيرارد أخذ فكرة عن مستويات النشاط الشمسي من خلال إحصاء البقع الشمسية التي وصلت إلى مستويات قياسية خلال العام 2023 أو نحو ذلك.

في وقت سابق من شهر آب/أغسطس 2024، ذكرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) أن عمليات الرصد الأولية وجدت 299 بقعة شمسية ظهرت جميعها في غضون 24 ساعة، وهو أعلى رقم قياسي يومي للبقع الشمسية منذ أكثر من 22 عامًا إذا تم تأكيد ذلك.

ويعد تتبع البقع الشمسية أمرًا مهمًا لأنه يُمثّل نقطة الصفر للتوهجات الشمسية القوية من الفئة X، والانفجارات الشمسية الهائلة التي تسمى المقذوفات الإكليلية، والتي يمكن أن تُشكّل تهديدات للأرض، مثل التسبب في حجب الاتصال اللاسلكي وانقطاع شبكة الكهرباء، وتعطيل الملاحة في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وحتى التسبب في سقوط الأقمار الاصطناعية من الفضاء.

قال أليكس جيمس، عالم الفيزياء الشمسية في جامعة كوليدج لندن، ل Business Insider عبر البريد الإلكتروني: «لن تنتج الانفجارات الشمسية عن جميع البقع الشمسية، ولكن عندما يحدث ذلك، قد لا تُشكّل تلك الانفجارات تهديدًا لأنها قد لا تصيب الأرض».

ويضيف جيمس إنه مع ذلك، فإن تعلم التنبؤ بالعواصف الشمسية في وقت مبكر هو مجال مهم في الأبحاث الجارية لأنه يمكن أن يتيح لنا المزيد من الوقت للاستعداد.

من الجميل مشاهدة التوهجات الشمسية من الفئة X والانبعاثات الكتلية الإكليلية. ولكن عندما تنفجر، فإنها تقذف جسيمات عالية الطاقة في الفضاء بسرعة تتجاوز 1,600 كيلومترًا في الساعة (ما يعادل 1,000 ميلًا في الساعة). فإذا كانت الأرض في الطريق، فهناك احتمال أن تتفاعل هذه الجسيمات مع المجال المغناطيسي والغلاف الجوي العلوي لكوكبنا، الأمر الذي يسبب حدوث عواصف مغناطيسية أرضية.

يمكن للعواصف المغناطيسية الأرضية أن تثير الشفق القطبي الشمالي والجنوبي الجميل. وتظهر هذه العروض الملونة في الجنوب أكثر من المعتاد، في ولايات مثل تكساس وكولورادو وذلك بسبب النشاط المتزايد للشمس.

لكن جيرارد قال إن هذه الجسيمات عالية الطاقة تشبه أيضًا كائنات مخيفة صغيرة يمكن أن تسبب كل أنواع الفوضى لانبعاثات الراديو عالية التردد والتي يعتمد عليها الجيش وشركات الطيران وأنظمة تحديد المواقع.

فقد تسببت العواصف المغناطيسية الأرضية منذ شهر كانون الثاني/يناير في انقطاع الاتصال اللاسلكي في أربع قارات: أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأفريقيا.

ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التعطيل المؤقت لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). كما يمكن أن يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي بالإضافة إلى توقيف الرحلات الجوية وتأخير رحلات أخرى، لأن إدارة الطيران الفيدرالية لا تسمح للطائرات بالتحليق بدون اتصالات لاسلكية واتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.

هناك مصدر آخر يدعو للقلق ألا وهو المركبات الفضائية. إذ قال جيرارد: «إذا حدث قذف كتلي إكليلي، وإذا وصلت هذه المادة إلى الأرض، فسوف تجعل الكثافة في الغلاف الجوي العلوي للأرض أعلى. الأمر الذي سيخلق المزيد من الجذب، وسيؤدي المزيد من الجذب إلى سقوط المركبات الفضائية».

في شباط/فبراير 2022، أدت عاصفة مغناطيسية أرضية إلى انحراف 38 قمرًا اصطناعيًا تابعًا ل Starlink عن مدارها. وقد كانت الأقمار الاصطناعية في مدار انتقالي منخفض ولم تكن قد وصلت بعد إلى وجهتها النهائية.

ويشتبه العلماء في أن انخفاض المدار مجتمعًا مع عاصفة مغناطيسية أرضية، قد يتسبب في سقوط تلك الأقمار الاصطناعية من الفضاء واحتراقها في الغلاف الجوي للأرض.

في شهر أيار/مايو 2024، أدت أكبر عاصفة مغناطيسية أرضية تصل إلى الأرض خلال عقدين من الزمن إلى تدهور الخدمة في Starlink. ولكن لم تخرج أي أقمار اصطناعية عن مدارها خلال تلك العاصفة.

من المتوقع أن يستمر النشاط الشمسي في الازدياد حتى يصل إلى مستويات الذروة، وهو ما يسميه العلماء بالحد الأقصى الشمسي.

قال جيمس: «تشير التوقعات الحالية إلى أن الحد الأقصى الشمسي سيحدث في النصف الثاني من عام 2025، لكننا لن نعرف حقًا متى سيحدث الحد الأقصى الحقيقي إلا بعد أن يبدأ النشاط في الانخفاض مرة أخرى».

قال ماثيو أوينز، أستاذ فيزياء الفضاء في جامعة ريدينغ، لمجلة BI عبر البريد الإلكتروني إنه وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يكون الحد الأقصى الشمسي لهذه الدورة أقوى مما توقعه العلماء في البداية، إلا أنه «يبدو متوسطًا إلى حد ما ضمن السياق التاريخي».

قال جيمس إنه ومع ذلك، من المحتمل أن نكون أكثر عرضةً لتأثيرات الحد الأقصى الشمسي الآن أكثر من أي وقت مضى بسبب اعتمادنا المتزايد على تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية.

  • ترجمة: زينب كندسلي
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1