لماذا يعد الألم مرهقًا جدًا؟
يعتبر الإرهاق من أكثر المشاعر الشائعة المرتبطة بالألم المستمر والذي يمكن أن يصبح شديدًا جدًا. إذ يمكن للأفراد الذين يعانون من الألم المزمن أن يُبلغوا عن استنزاف طاقتهم ودوافعهم للتفاعل مع الآخرين أو العالم من حولهم.
في الواقع، وجدت دراسة من المملكة المتحدة أجريت على الأفراد الذين يعانون من الحالات الصحية طويلة الأمد أن الألم والإرهاق هما أكبر حاجزين أمام حياة نشطة وهادفة.
ولكن لماذا يكون الألم طويل الأمد مرهقًا للغاية؟ قد يكون أحد الأسباب طبيعة الألم وتأثيره القوي على أفكارنا وسلوكياتنا.
يمكن للألم قصير المدى أن يحميك
تُركّز الطرق الحديثة للتفكير في الألم على تأثيره الوقائي والطريقة التي يجذب بها انتباهك ويدفعك لتغيير سلوكك للحفاظ على أمان جزء من جسمك.
جرب ذلك: اقرص بشرتك ببطء. مع زيادة الضغط، ستلاحظ أن الشعور يتغير حتى يصبح مؤلمًا في مرحلة ما. إنه الألم الذي يمنعك من الضغط بقوة أكبر، أليس كذلك؟ هذه هي الطريقة التي يحمينا بها الألم.
فعندما نتعرض للإصابة، يجعل تلف الأنسجة أو الالتهاب نظام الألم لدينا أكثر حساسية. وهذا الألم يمنعنا من الضغط على الأنسجة المتضررة وتحميلها فوق طاقتها أثناء فترة الشفاء. على سبيل المثال، الألم الناتج عن كسر في الساق أو جرح تحت القدم يعني أن نتجنب المشي عليها.
يعد مفهوم “الألم يحمينا ويعزز الشفاء” من أحد أهم الأشياء التي يخبرنا بها الأفراد الذين كانوا يعانون من الألم المزمن أنهم تعلموها، الأمر الذي ساعدهم على التعافي.
لكن قد يفرط الألم طويل الأمد في حمايتك
على المدى القصير، يحمينا الألم بشكل رائع، وكلما طالت مدة نشاط نظام الألم لدينا، أصبح أكثر حمايةً.
لكن يمكن للألم المستمر أن يفرط في حمايتنا ويمنع الشفاء. وقد أطلق الأفراد الذين يعانون من الألم على ذلك “فرط حساسية نظام الألم”. فكر في ذلك على أن نظام الألم الخاص بك في حالة تأهب قصوى. وهنا يأتي دور الإرهاق.
عندما يصبح الألم تجربة يومية، تُحفّز أو تُضخّم من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة والسياقات والإشارات، فإنه يصبح استنزافًا مستمرًا لموارد الفرد. لذا، يتطلب ممارسة الحياة مع الألم جهدًا كبيرًا ومستمرًا، وهذا ما يجعلنا متعبين.
إن قرابة 80% منا محظوظون بما يكفي لعدم معرفة كيف يكون الشعور بالألم يومًا بعد يوم، لشهور أو سنوات. ولكن خذ لحظة لتتخيل كيف سيكون ذلك.
تخيل أنه يتعين عليك التركيز بشدة، وتجميع الطاقة واستخدام تقنيات التشتيت، لمجرد القيام بمهامك اليومية، ناهيك عن إكمال العمل أو الرعاية أو الواجبات الأخرى.
فكلما كنت تعاني من الألم، تجد نفسك أمام خيار فيما إذا كنت ستتصرف حيال ذلك، وكيف ستفعل ذلك. ويتطلب اتخاذ هذا القرار باستمرار تفكيرًا ومجهودًا واستراتيجية.
إن ذكر الألم الخاص بك أو شرح تأثيره على كل لحظة أو مهمة أو نشاط هو أيضًا أمر مرهق ويصعب توصيله عندما لا يستطيع أي فرد آخر رؤية ألمك أو الشعور به. أما بالنسبة لأولئك الذين يستمعون، فيمكن أن يصبح ذلك الأمر مملًا أو مستنزفًا أو مثيرًا للقلق.
لا عجب أن الألم مرهق
في حالة الألم المزمن، لا يكون فقط نظام الألم في حالة تأهب قصوى. فالالتهاب المتزايد في جميع أنحاء الجسم (نظام المناعة في حالة تأهب قصوى)، والاضطراب في إفراز هرمون الكورتيزول (نظام الغدد الصماء في حالة تأهب قصوى)، والحركات الجامدة والحذرة (نظام الحركة في حالة تأهب قصوى) تسير أيضًا جنبًا إلى جنب مع الألم المزمن.
تزيد كل هذه الأنظمة من التعب والإرهاق. لذا فإن تعلم كيفية إدارة الألم المزمن وحله غالبًا ما يتضمن تعلم كيفية إدارة الإفراط في تنشيط هذه الأنظمة.
كما تعتبر قلة النوم عاملًا مهمًا في كل من الإرهاق والألم. إذ يسبب الألم اضطرابات في النوم، وتساهم قلة النوم في الألم.
بعبارة أخرى، نادرًا ما يكون الألم المزمن “مجرد” ألم. لذا، ليس من المستغرب أن يكون التعرض للألم على المدى الطويل مستنزفًا ومجهدًا للغاية.
ما الذي يفيد فعليًا؟
غالبًا ما يتعرض الأفراد الذين يعانون من الألم المزمن للوصم والرفض وسوء الفهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم حصولهم على الرعاية التي يحتاجونها. إذ قد يمنع الألم المستمر الناس من العمل، ويحد من تفاعلهم الاجتماعي ويؤثر على علاقاتهم. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى دوامة متصاعدة من الناحية الاجتماعية والشخصية والاقتصادية.
لذا، نحن بحاجة إلى تحسين فرص الحصول على الرعاية القائمة على الأدلة، مع توفير تعليم عالي الجودة للأفراد الذين يعانون من آلام مزمنة.
ولكن هناك أخبار طيبة هنا. فالرعاية الحديثة للألم المزمن، والتي ترتكز أولًا على اكتساب فهم حديث للبيولوجيا الأساسية للألم المزمن، تساعد في هذا الأمر.
ويبدو أن المفتاح يكمن في الاعتراف بأن نظام الألم شديد الحساسية يشكل عاملًا رئيسيًا في الألم المزمن، وقبوله. وهذا يجعل الحل السريع غير محتمل إلى حد كبير، ولكن يعد برنامج التغيير التدريجي، ربما على مدى أشهر أو حتى سنوات، واعدًا.
إن فهم كيف يعمل الألم، وكيف يصبح الألم المستمر مفرط الحماية، وكيف تتكيف أدمغتنا وأجسادنا مع التدريب، ثم تعلم مهارات واستراتيجيات جديدة لإعادة تدريب الدماغ والجسم تدريجيًا، يقدم أملًا قائمًا على العلم؛ إذ يوجد أدلة قوية داعمة من التجارب السريرية.
كل جزء من الدعم يحدث فرقًا
إن أفضل العلاجات التي نملكها للألم المزمن تتطلب بذل الجهد والصبر والمثابرة والشجاعة، فضلًا عن الاستعانة بمدرب جيد في كثير من الأحيان. وكل هذا يشكل مهمة شاقة للغاية بالنسبة لفرد منهك بالفعل.
لذا، إذا كنت من بين 80% من السكان الذين لا يعانون من الألم المزمن، فكر في ما هو مطلوب وادعم زميلك أو صديقك أو شريكك أو طفلك أو أحد والديك أثناء قيامهم بهذه الرحلة.
- ترجمة: زينه المراد
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1