ما الذي يجعل غرينلاند محط اهتمام ترامب؟
قد يكون وراء اهتمام الرئيس المنتخب دونالد ترامب بغرينلاندGreenland – أكبر جزيرة في العالم – عوامل تتعلق بخطوط الملاحة البحرية القطبية وفرص التعدين المتزايدة. لكن هذه الفرص تأتي بتحديات عديدة.
ولقد صرّح الرئيس المنتخب ترامب طامعًا بجزيرة غرين لاند، في 6 يناير عبر منصة التواصل الاجتماعي التي أسسها، «تروث سوشيال» Truth Social، قائلًا: «غرينلاند مكان مذهل، وسيستفيد الشعب كثيرًا إذا أصبحت جزءًا من أمتنا.».
وجاءت تصريحاته مفاجأة لكثير من الأمريكيين والغرينلانديين، وفقاً ل كوبيك كليست Kuupik Kleist، رئيس الوزراء السابق لغرينلاند. وقال كليست: « نحن لا نعرف حقيقة الدوافع وراء ذلك.».
ومع ذلك، تشير بعض الدراسات العلمية إلى أن تغير المناخ قد يكون أحد أسباب اهتمام ترامب، خاصة فيما يتعلق بذوبان الجليد وآثاره، على الرغم من إنكاره لحدوث تغير مناخي مرتبط بالأنشطة البشرية.
نظرة عامة على غرينلاند
غرينلاند تضم أقل من 58,000 نسمة، أي قرابة عُشر سكان ولاية وايومنغ Wyoming – الولاية الأقل سكانًا في الولايات المتحدة – أو ما يعادل بضعة آلاف أكثر من سكان جزر ماريانا الشماليةNorthern Mariana Islands. كانت غرينلاند مستعمرة دنماركية سابقًا، لكنها الآن تتمتع بحكم ذاتي داخلي، مع استمرار السيطرة الدنماركية على قضايا مثل السياسات المالية والشؤون الخارجية والأمن.
ومع تسارع تغير المناخ، أصبحت المنطقة القطبية محور اهتمام عالمي. وفقاً لميلودي براون بيركنز Melody Brown Burkins، الباحثة في السياسات العلمية والدبلوماسية في كلية دارتموثDartmouth College، فإن «غرينلاند تتمتع بموقع استراتيجي جدًا في القطب الشمالي يخدم العديد من المصالح المختلفة.».
خطوط الملاحة القطبية: فرصة أم مبالغة؟
أحد أبرز الأسباب الاستراتيجية لهذا الموقع هو خطوط الملاحة الدولية. مع ذوبان الجليد القطبي، يُعتقد أن المنطقة ستصبح أكثر ملاءمة لعبور السفن، مما يوفر طرقاً أقصر لنقل البضائع بين المراكز السكانية. وبالفعل، زاد عدد السفن التي تدخل المنطقة القطبية بنسبة 37% بين عامي 2013 و2023، وفقاً لمجلس القطب الشمالي Arctic Council.
لكن ميلودي بيركنز ترى أن الوعود المتعلقة بالملاحة القطبية قد تكون مبالغاً فيها، قائلة: «الفكرة بأن جميع السفن ستتجه إلى هذه الطرق لتوفير المال تبدو غريبة بعض الشيء.» وأضافت: «رغم قلة الجليد، فإن كمية الجليد المتحرك الذي قد يضر بالسفن ستزداد.».
في سبتمبر 2023، عندما وصل الجليد القطبي إلى الحد الأدنى السنوي، دخلت المنطقة أقل من 1,800 سفينة فقط، وهو ما يمثل أقل من 2% من الأسطول البحري العالمي. وتشير البيانات إلى أن معظم السفن كانت سفن صيد، مما يبرز محدودية الفرص في هذه المياه القاسية.
فرص التعدين: إمكانيات غير مستغلة؟
السرد الثاني الذي يُستخدم لتبرير الاهتمام بغرينلاند هو ثرواتها المعدنية. وفقاً لآن ميريلد Anne Merrild، أستاذة إدارة الموارد بجامعة آلبورغ Aalborg University في الدنمارك، فإن غرينلاند غنية بالمعادن النادرة والمواد المهمة لتكنولوجيا الطاقة المتجددة، مثل البطاريات وأجزاء توربينات الرياح.
لكن ميريلد توضح أن هذه المعادن ليست كما يظن البعض مدفونة تحت الجليد القطبي. معظمها موجود على السواحل الخالية من الجليد، لكنها تحتاج إلى بنية تحتية للتصدير وإرادة سياسية تخضع لإدارة غرينلاند وشراكات تجارية أجنبية. ورغم تصريحات ترامب، فإن أبحاث ميريلد لم تظهر اهتمامًا تجاريًا كبيرًا من قبل الولايات المتحدة في هذه الموارد. ومع ذلك، تعتقد أن الغرينلانديين قد يقبلون التعدين لتوسيع اقتصادهم الذي يعتمد غالبًا على الصيد.
هكذا تقول بوركينز عند حديثها عن خطوط الملاحة البحرية واستخراج المعادن النادرة «كل واحدة من هذه القضايا تنطوي على تعقيدات كبيرة»، إضافة إلى تفسيرات أخرى لاهتمام ترامب بضم أراضٍ تابعة لحكومة أخرى. وإذا كان الأمن القومي هو السبب، فمنذ منتصف القرن العشرين، تتمتع الولايات المتحدة بحقوق إقامة مواقع عسكرية في غرينلاند. ومن بين هذه المواقع، كان هناك مشروع سيئ السمعة لإنشاء موقع للصواريخ الباليستية، تم التخلي عنه عام 1966 بعد أن خلّف أكثر من 47 ألف غالون من النفايات المشعة، التي لا تزال مدفونة تحت الغطاء الجليدي. أما اليوم، فيوجد قاعدة واحدة تتبع قوة الفضاء الأمريكية.
ورغم أن غرينلاند قد لا تُعتبر قوة سياسية بارزة، إلا أنها تتمتع بعلاقات سياسية حقيقية مع الدنمارك وأوروبا، إلى جانب ارتباطات تاريخية طويلة مع كندا. وقد يكون اهتمام ترامب الظاهر بالجزيرة سببًا في تعزيز موقف الغرينلانديين في هذه النقاشات الدولية، كما تفترض ميريلد.
وعلى الرغم من استمرار المباحثات بين غرينلاند والدنمارك بشأن إمكانية استقلال الجزيرة، يبدو من الصعب تصور أن يسعى الغرينلانديون إلى فك ارتباطهم بإحدى القوى الاستعمارية ليخضعوا طواعيةً لأخرى. وهنا تكمن خطورة تهديدات ترامب باستخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية، كما يوضح كليست. ويضيف قائلاً: «هذا يتجاوز حدود المقبولية بكثير. لا يمكن ببساطة التصرف بهذا الشكل في عام 2025.».
- ترجمة: احمد العاني
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1