قد يُسرّع الصِبْغِيّ X الموروث من الأمّ شيخوخة الدّماغ

تُولَد النّساء مع اثنين من «الصِّبْغِيّ (الكرُوموسُوم) إكس – X chromosome»؛ إذ يرثن أحدهما من الأمّ والآخر من الأب. ولكن تحتاج كلّ خليّة من خلايا أجسادهن لصِبْغِيّ X واحد فقط، فيما يُعطَّل الآخر عشوائيًّا. بعض الخلايا تستخدم الصِّبْغِيّ X الموروث من الأمّ فقط، بينما تعتمد خلايا أخرى على الصِبْغِيّ X الموروث من الأب.

اكتشف الآن باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أنّ خلايا الدّماغ لدى إناث الفئران الّتي تُعبّر فقط عن الصِّبْغِيّ X الموروث من الأمّ، تُظهِر تدهورًا أسرع في الذّاكرة والمهارات الإدراكيّة مقارنًة بإناث الفئران الّتي تُعبّر عن الصِّبْغِيّ X من كلا الوالدين.

هذا الاكتشاف الّذي نُشر في 22 كانون الثّاني/ يناير بمجلّة «الطّبيعة (نايتشر) – Nature»، قد يُفسّر الاختلاف في شيخوخة الدّماغ بين الجنسين، إذ يرث الذّكور الصِّبْغِيّ X فقط من الأمّ، وأيضًا الاختلافات بين النّساء أنفسهن كأفراد.

تقول الدّكتورة دينا دوبال، أستاذة علم الأعصاب ورئيسة كرسي ديفيد كولتِر للأبحاث حول الشّيخوخة والأمراض التّنكّسيّة العصبيّة في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، والباحثة الرّئيسية للدّراسة الجديدة: “تُشير هذه النّتائج إلى احتمال أنّ بعض النّساء، فقط بسبب تعبير خلاياهنّ الأكبر وبمحض الصّدفة عن الصِّبْغِيّ X الموروث من الأمّ، قد يكنّ أكثر عرضة للتّدهور الإدراكيّ مع التّقدّم في العمر أو لزيادة خطر الإصابة بأمراض مثل الزّهايمر”.

وتضيف: “في النّهاية، قد يساعدنا هذا البحث في العثور على استراتيجيّات فعّالة لإبطاء شيخوخة الدّماغ لدى كلا الجنسين”.

أثَر X في الدماغ

أشارت أبحاث سابقة إلى أنّ الصِّبْغِيّ X الّذي تمتلك النّساء نسختين منه، بينما لدى الرّجال نسخة واحدة، يلعب دورًا حيويًا في صحّة الدّماغ.

تؤدّي الطّفرات الّتي تحدث في الصِّبْغِيّ X غالبًا إلى إعاقات ذهنيّة. إضافة إلى ذلك، قد تعاني النّساء اللّواتي يولدن بنسخة واحدة فقط من الصِّبْغِيّ X (وهي حالة تُعرف باسم متلازمة تيرنر) من مشاكل إدراكيّة. يرى بعض الباحثين أنّ الصِّبْغِيّ X قد يُفسّر الفروق بين الجنسين في الإدراك، والذّاكرة اللّفظيّة، أو خطر الإصابة بالأمراض الدّماغيّة.

تقول الدّكتورة سميرة عبدُلاي-سايكو، زميلة ما بعد الدّكتوراه في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو والمؤلّفة الأولى للدّراسة الجديدة: “نظرًا لحقيقةِ أنّ الصِّبْغِيّ X غنيّ بالمورِّثات المرتبطة بالدّماغ، باتَ من المهمّ جدًّا بالنّسبة لنا معرفة الأدوار الّتي قد يلعبها في شيخوخة الدّماغ”.

كانت دوبال وعبدُلاي-سايكو مهتمّتين خصوصًا بمعرفة ما إذا كان مصدر الصِّبْغِيّ X –سواء كان من الأمّ أو الأب– مُهمًّا للخلايا. وقد عرفتا أنّ البويضات والحيوانات المنويّة تضيف علامات كيميائيّة إلى بعض المورِّثات على الصِّبغيّات، وتختلف هذه العلامات بناءً على ما إذا كان الصِّبْغِيّ قادِمًا من الأمّ (البويضة) أو الأب (الحيوان المنويّ). تؤثّر هذه العلامات على المورِّثات الّتي تُفعَّل عندما يُستخدَم الصِّبْغِيّ في الخلايا.

ربّى فريق البحث في الدّراسة الجديدة إناث فئرانٍ تُعبّر فقط عن الصِّبْغِيّ X الأموميّ أو عن مزيج من الصِّبْغِيّين X، الأموميّ والأبويّ.

توضّح دوبال: “إنّ الانحياز في التّعبير عن الصِّبْغِيّ X شائعٌ بين البشر، وهناك بالتّأكيد نساءٌ حولنا لديهنّ مستويات أعلى أو أقلّ بكثير من الصِّبْغِيّ X الأموميّ مقارنةً بغيرهنّ، وذلك بمحض الصّدفة فقط”، وتضيف: “لم تُجرَ سوى القليل من الأبحاث حول العواقب المحتملة لهذا الانحياز”.

تأثير الصِّبْغِيّات الأموميّة

اكتشفت دوبال وعبدُلاي-سايكو أنّ إناث الفئران الّتي تعبّر فقط عن الصِّبْغِيّ X الأموميّ أظهرت ذاكرة وقدرات تعلّم أسوأ مع التّقدّم في العمر. تسارعت شيخوخة الحُصين –وهي منطقة دماغيّة حيويّة للتّعلّم والذّاكرة– في أدمغة هذه الفئران بسبب الصِّبْغِيّ الأموميّ.

تشرح دوبال: “ما كشفناه هو أنّ أدمغة هذه الحيوانات كانت بالفعل تشيخ بشكل أسرع مقارنة بأدمغة شقيقاتها المتماثلات وراثيًا اللّواتي لديهنّ صِبْغِيّ X من كلا الوالدين”.

حدّد الفريق العلميّ، بعد إجراء تحليلات تفصيليّة لخلايا الدّماغ، بعض المورِّثات الّتي كانت صامتة تمامًا على الصِّبْغِيّ X الأموميّ، لكنّها لم تكن كذلك على الصِّبْغِيّ الأبويّ.

وحينما استخدم الباحثون تقنية تحرير المورِّثات «كريسبر – CRISPR» لتفعيل هذه المورِّثات الصّامتة على الصِّبْغِيّ X الأموميّ لدى إناث الفئران، أصبحت الفئران أكثر ذكاءً في شيخوختها.

تقول عبدُلاي-سايكو: “تشير كلّ هذه التّجارب مجتمعة إلى أنّ الأصل الوالديّ للصِّبْغِيّ X يمكن أن يكون له تأثير كبير على صحّة الدّماغ”.

جذور تطوريّة؟

لم يكن الهدف من الدّراسة الجديدة اختبار السّبب الدّقيق الّذي يجعل الصِّبْغِيّ X الأموميّ يُسرّع شيخوخة الدّماغ مقارنة بالصِّبْغِيّ X الأبويّ.

ومع ذلك، افترضت دوبال أنّ الجينات الصّامتة على الصِّبْغِيّ الأموميّ قد توفّر ميزة في مراحل الحياة المبكرة. تقول: “قد يكون هذا النّمط من التّعبير الجيني مفيدًا حقًّا لتطوّر الدّماغ في مراحل العمر المبكّرة، ولكنّه يأتي بتكلفة لاحقة في الحياة”.

وتأمل دوبال مواصلة دراسة دور الصِّبْغِيّ X في شيخوخة الدّماغ، وما إذا كان يمكن أن يفسّر خطر إصابة الأشخاص بالأمراض الدّماغيّة أو فقدان الذّاكرة.

تختتم دوبال قائلة: “إنّ الصِّبْغِيّ X الّذي ورثتَه من والدتك يعمل على تعطيل بعض المورِّثات، ممّا يسرّع الشّيخوخة ويؤثّر على الإدراك، تًرى هل يُمكننا عكس هذا التّأثير؟”.

  • ترجمة: نِهال عامر حلبي
  • المصادر: 1