لماذا لا تشعر بعض النّساء بالذّنب عند الخيانة؟

يُفترَض غالبًا أنّ الرّجال يجب أن يستفيدوا أكثر من الخيانة الزّوجيّة، لكن للبحث العلميّ رأي مُختلف.

النّقاط الرّئيسيّة

تتوقَّع الخيانة الزّوجيّة بقوّة عند وجود تدهور تدريجيّ في جودة العلاقة.

تؤثّر الخيانة الزّوجيّة بشكل سلبيّ على مستوى الرّفاهية لمرتكبيها أكثر من ضحاياها.

النّساء أكثر عرضة من الرّجال للاستفادة من المبادرة في العلاقات الغراميّة.

تُدان الخيانة الزوجيّة على نطاق واسع عالميًّا، وتُعتبر واحدة من أكثر الانتهاكات استنكارًا في العلاقات الإنسانيّة. يذكرها الأزواج غالبًا كسبب رئيسيّ للانفصال، وهي السّبب الأكثر شيوعًا للطّلاق. ومع ذلك، تُعدّ الخيانة الزّوجيّة سلوكًا شائعًا نسبيًا أيضًا، إذ يعترف بها واحد من كلّ خمسة رجال وواحدة من كلّ ثماني نساء.

مَن الأكثر عرضة للخيانة؟

وجدت الدّراسات عدّة عوامل تزيد من احتماليّة الخيانة الزّوجيّة، على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أنّ الرّجال أكثر عرضة للخيانة من النّساء، وأنّ الفجوة بين الجنسين تزداد مع التّقدّم في العمر. كما وجدت دراسة أجراها جيمس مك نولتي وزملاؤه في جامعة ولاية فلوريدا عام 2018 أنّ الخيانة تكون أكثر شيوعًا بين الأشخاص غير الرّاضين عن علاقاتهم الحاليّة.

تلعب الجاذبيّة الجسديّة دورًا مُهمًّا أيضًا؛ فالنّساء الجذّابات أقلّ عرضة للخيانة، بينما لا ينطبق ذلك على الرّجال. كما أنّ جاذبيّة الشّريك تؤثّر كذلك؛ فالرّجال (وليست النّساء) أكثر عرضة لعدم الإخلاص إن كانت شريكاتهم أقلّ جاذبيّة.

يُمكن أن يكون التّاريخ الجنسيّ للشّخص أيضًا مؤشّرًا على احتماليّة الخيانة، فالرّجال الّذين كانوا أكثر نشاطًا جنسيًّا قبل الزّواج لديهم قابليّة أكبر للقيام بالخيانة، في حين أنّ العكس صحيح بالنّسبة للنّساء!

وتؤثّر أيضًا الخلفيّة الشّخصيّة والعادات والاتّجاهات السّياسيّة على السّلوك الزّوجيّ؛ فالأشخاص الّذين نشأوا في أسر مُستقرّة، أو يواظبون على حضور الصّلوات الدينيّة بانتظام، أو مَن يُعرّفون أنفسهم كجمهوريّين، يميلون إلى الخيانة بنسبة أقلّ.

قد يلعب التعلُّق العاطفيّ في الطّفولة دورًا في زيادة احتماليّة الخيانة. لقد أظهرت دراسة أجرتها ميشيل راسل وزملاؤها في جامعة ولاية.

فلوريدا عام 2013 أنّ الأزواج الّذين يعانون من قلق التّعلُّق العاطفيّ يكونون أكثر عرضًة لارتكاب الخيانة الزّوجيّة. علاوًة على ذلك، ارتبط تجنُّب التّعلُّق بالشّريك سلبًا بالخيانة الزّوجيّة، ممّا يشير إلى أنّ الأزواج كانوا أقلّ عرضة لارتكاب الخيانة الزوجيّة عندما كان لدى شريكهم تجنُّبٌ عالٍ للتّعلُّق.

إنّ القوّة الاجتماعيّة العالية كذلك هي عامل فعّال في معادلة الخيانة الزّوجيّة؛ إذ وجد عالم النّفس الهولنديّ يوريس لاميرز وزملاؤه أنّ “القوّة المرتفعة ترتبط بشكل إيجابيّ بالخيانة الزّوجيّة، لأنّ القوّة تزيد الثّقة في القدرة على جذب الشّركاء”.

الرّابط بين الخيانة ومشاكل العلاقة

وثّقت الأبحاث وجود ارتباط قويّ بين الخيانة ومجموعة من مشاكل العلاقات. ومع ذلك، فإنّ الارتباط لا يعني وجود علاقة سببيّة، والسّؤال المركزيّ الّذي يطرحه الباحثون في مجال الخيانة الزّوجيّة هنا يدور حول “سهم السّببيّة”: تتزامن الخيانة والمشاكل الزّوجيّة، أيّهما السّبب وأيّهما النّتيجة؟

سعت دراسة ألمانيّة حديثة، جرَت عام 2022، إلى تقديم إجابات. استخدم الباحثون عينة تمثيليّة على المستوى الوطنيّ تضمّ أكثر من 12,000 بالغ ألمانيّ، تمّت متابعتهم لمدّة تصل إلى 12 عامًا (بين عامي 2008 و2020) من أجل فحص ديناميكيّات العلاقة حول الخيانة الزّوجيّة، وقد وثّق الباحثون أكثر من 1000 حالة خيانة في عيّنتهم!

لقد راقبوا انخفاض السّعادة لدى كلا الشّريكين، وما إذا كان قد سبق أم أعقب الخيانة الزّوجيّة، وقارنوا هذه البيانات مع مجموعة ضابطة من الأزواج الّذين لم يتعرّضوا للخيانة الزّوجيّة.

جمع الباحثون بيانات حول مستوى الرّضا عن العلاقة والسّعادة الشّخصيّة، من أجل استكشاف التّأثير المحتمل للخيانة الزّوجيّة على الأفراد المشاركين.

وظهرت عدّة نتائج:

أوّلًا: كما هو متوقّع، من المرجّح أن تحدث الخيانة الزّوجيّة في العلاقات منخفضة الجودة؛ فوفقًا للباحثين: “كلا طرفي الزّواج الّذي شهد خيانة خلال فترة الدّراسة كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن مستويات منخفضة من السّعادة الشّخصيّة والزّوجيّة، ومستويات أعلى من الصّراع في العلاقات ​​​​على مرّ السّنين. وبالمقارنة مع الأفراد في العينة الضابطة، سجّل الأفراد الّذين ارتكبوا الخيانة وشركاؤهم درجات أقلّ في الرّضا عن الحياة، وأفادوا بانخفاض الرّضا عن العلاقة، وزيادة في الصّراع ضمنها في المتوسِّط على مرّ السّنوات”. وتتماشى هذه النّتائج مع المنطق السّليم ومع نتائج مماثلة من الدّراسات الحديثة.

ثانيًا: يسبق الخيانة عادًة تدهور تدريجيّ في جودة العلاقة: “بالنّسبة لكلا الطّرفين، مُرتكبي الخيانة وضحاياها، لاحظنا تدهورًا تدريجيًّا في معظم مؤشّرات رفاهية العلاقة بدأ قبل حدوث الخيانة… عانى كلّ من مرتكبي الخيانة وضحاياها من انخفاض في الرّضا عن العلاقة، وتدنّي الإعجاب، وزيادة في الصّراع ضمن العلاقة قبل حدوث الخيانة”. بمعنىً آخر، هناك احتمال أكبر لحدوث الخيانة عندما تتدهور العلاقات ذات الجودة المنخفضة أكثر.

ثالثًا: (وربّما بشكل مفاجئ)، تؤثّر الخيانة على الخائن أكثر من الشّريك المغدور: إذ وجدت الدّراسة أنّ رفاهية المُبادرين بالخيانة تدهورت أكثر من شركائهم المغدورين، “لقد عانى مرتكبو الخيانة من تحوّل أساسيّ في مستوى رفاهيّتهم، خلال الفترة بعد (مقارنة بما قبل) الحدَث، أبلغ مرتكبو الخيانة عن انخفاض في تقدير الذّات، وانخفاض في الرّضا عن العلاقة والحميميّة، وزيادة في الصّراعات ضمن العلاقة. في المقابل، كانت الأدلّة على وجود تحوّل أساسيّ في مستوى الرّفاهيّة أقلّ إقناعًا بالنّسبة لضحايا الخيانة، لقد أبلغوا عن انخفاض في تقدير الذّات وزيادة في الصّراع بعد (مقارنة بما قبل) خيانتهم، ولكنّهم لم يعانوا من تغيير في مؤشّرات الرّفاهية الأخرى.”.

رابعًا: باستثناءات قليلة، يصعب تعافي العلاقات بعد الخيانة الزّوجيّة: “لم يبدُ أنّ الضّحايا أو مرتكبي الخيانة قد استعادوا مستوياتهم الأساسيّة من رفاهية العلاقة بعد الخيانة الزّوجيّة. ومع ذلك، ظهر نمط تواصل اجتماعيّ أكثر استقرارًا في ما يتعلّق بالرّفاهية الشّخصيّة، فكلا الطّرفين عانى من زيادة تدريجيّة في الرّضا عن الحياة وتقدير الذّات خلال السّنوات الّتي تلت الحدث.” بعبارةٍ أخرى، قد يتعافى الأفراد (على المستوى الشّخصيّ) من الخيانة بسهولة أكبر من تعافي العلاقات نفسها. أحيانًا، ليست الضّحيّة الحقيقيّة للخيانة الزّوجيّة أيًا من الأفراد المعنيّين، بل الاتّحاد بينهم.

خامسًا: استخدم الباحثون بياناتهم لاختبار النّظريات المتنافسة حول سلوك ما بعد الخيانة الزّوجيّة. يتوقّع “نموذج الاستثمار” من جهته، أنّ الشّركاء ذوي الالتزام العالي سيكونون أكثر عرضة لمسامحة شركائهم، لأنّهم أكثر استعدادًا للاستثمار في صيانة العلاقة. بينما تجادل “نظرية انتهاك التّوقّعات” من جهة أخرى، بأنّ الأفراد ذوي الالتزام العالي سيكونون أقلّ عرضة للنّسيان والمغفرة، لأنّ خيبة أملهم من انتهاك شريكهم ستكون أقوى من تلك الّتي يواجهها الأفراد الأقلّ التزامًا.

تدعم بيانات المؤلّفين النّظرية الأخيرة؛ إذ أشاروا إلى أنّه “وفقًا لنظرية انتهاك التّوقّعات، كان الالتزام العالي (مقابل المنخفض) مرتبطًا بتكيّف أسوأ (لكلا الشّريكين)… بعد الخيانة.”.

أخيرًا، تشير البيانات إلى أنّ الجنس يلعب دورًا في حيثيّات الخيانة الزّوجيّة. فنظرًا إلى الاعتقاد الشّائع بأنّ الرّجال أكثر ميلًا لارتكاب الخيانة، قد يفترض المرء أنّهم يستفيدون منها أكثر، لكن وبشكل مفاجئ، كان الخونة الذّكور “أكثر تأثُّرًا سلبيًّا بالحدث” من الخائنات الإناث، “تميل النّساء الخائنات إلى الشّعور بزيادة تدريجيّة (غالبًا على شكل تعافٍ بعد تدهور ما قبل الحدث) في الرّفاهية الشّخصيّة بعد الحدث.”.

في الواقع، تشير النّتائج إلى أنّ مجموعتين تميلان إلى الاستفادة من الخيانة الزّوجيّة: الأشخاص ذوي الالتزام المنخفض بالعلاقة، والنّساء!

قد تكون الخيانة للفئة الأولى مفيدة؛ إذ أنّ المستويات المنخفضة من الالتزام تولِّد مستويات منخفضة من الأذى وخيبة الأمل، وهي غير كافية لتطغى على الجانب الإيجابيّ للخيانة (الإثارة، التّجديد، الحميميّة، المتعة، وما إلى ذلك…)، كما أنّ الخيانة في تلك العلاقات قد توفّر طريقًا نحو العثور على علاقات ذات التزام عالي.

أمّا بالنّسبة للتّأثيرات الإيجابيّة على النّساء، فيفترِض الباحثون أنّ ارتكاب النّساء للخيانة الزّوجيّة غالبًا ما يكون مدفوعًا بعدم الرّضا عن العلاقة، ويستشهدون بأبحاث سابقة تشير إلى أنّ الخيانة المرتكبة لهذا السّبب من المرجّح أن تؤدّي إلى نتائج إيجابيّة. كما يضيفون أيضًا أنّ قيام النّساء بالخيانة “قد يكون بمثابة جرس إنذار لشركائهنّ، ممّا يؤدّي إلى تغيير سلوكيّ إيجابيّ”.

ومن الممكن أيضًا أن تكون النّساء المعاصرات مدفوعات بالرّغبة في تحسين ظروفهنّ الشّخصيّة أكثر من الرّجال، فيُمكن أن تكون المرأة المعاصرة ذات حافز قويّ – وتتمتّع بحرّيّة وقدرة متزايدة – لتلبية احتياجاتها النّفسيّة والعاطفيّة، وتشعر بأنّها أقلّ تقييدًا في هذا المسعى بسبب الخوف (على سلامتها الاقتصاديّة والجسديّة) والأعراف الاجتماعيّة القمعيّة.

يقول أحد أصدقائي: “لا أحد يجد الله، لأنّهم سعداء”. وينطبق نفس القول على الخيانة الزّوجيّة؛ فهي عادة ما تبدأ من قِبَل أشخاص غير سعداء في علاقاتهم، لكن مع الأسف، من المرجّح أن تؤدّي الخيانة الزّوجيّة إلى تفاقم هذا التّعاسة بدلاً من تخفيفها.

  • ترجمة: نِهال عامر حلبي
  • المصادر: 1