خرافة القراءة السريعة من منظورِ علم الأعصاب

على الرغمِ من الأقوال المُنتشرة حول القراءة السريعة، فقد اتضح أَن القراءة بحد ذاتها مهمة للتعلم وليس سرعة القراءة.

في حين أَن معظم الناس يمكنهم قراءة ما بين 200 و400 كلمة في الدقيقة الواحدة، القُرّاء السريعون يُمكن أن يصلوا الى ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا الكم.

تَدَّعي برامج القراءة السريعة أَنها تُعَلّم الناس كيفية القراءة بسرعة أَكبر دون التأثير السلبي على الفهم. ولكن تُظهر الأبحاث أَن هذه الطريقة غير فعالة.

يستطيع القُرّاء السريعون معالجة المزيد من الكلمات في الدقيقة، لكنهم يتذكرون أقل مما قرَأوه مُقارنة بالقُرّاء العاديين.

الطريقة الوحيدة للقراءةِ بسرعة أَكبر، هي قراءة المَزيد.

بالتزامن مع توسيع مخزون مفردات المرء، يجب شَحذ القُدرة على القراءة من خلالِ بذل الجهد وليس التحايل على عدد الكلمات المقروءة.

قبل أَربعين عام، مَرَّ أُستاذ في أكاديمية القراءة السريعة الأمريكية دونالد هوما -أُستاذ علم النفس بجامعة ولاية أريزونا المتخصص في الذاكرة والإدراك البصري للمنبهات اللغوية- بقصةٍ غير عادية: حَققَ اثنان من التلاميذ معدل قراءة يزيد عن 100000 كلمة في الدقيقة، أَي أَكثر من عشرةِ أضعاف سرعة الطلاب العاديين وأكثر من 300 ضعف ما يمكن للبالغين المتعلمين في الكلية بلوغه (بين 200 و400 كلمة في الدقيقة).

ولكن ماذا ستكون نتيجة تقييم مهارتهم المُذهلة تلك بشكلٍ عملي؟

في المختبر، كُلّفَ التلميذين بقراءةِ كتاب مدرسي كامل بسرعة، ثُمَّ إجراء اختبار (اختيار من متعدد) لقياس مدى فهمهم لما قرأوه.

بعد الانتهاء من الكتاب في دقائق معدودة، قاموا بالاختبار وهنا كانت المفاجئة; لا يبدو أَنهم تعلموا الكثير من أَي شيءٍ قرَأوه!

واختتم القائم بالتجربةِ حديثهِ قائلًا: “كانت المهارة الوحيدة الجديرة بالملاحظة التي أظهرها القارئون السريعون هي البراعة الرائعة في تقليب الصفحات”.

في حين أَنَ هذا وحده غير جازم، إِلّا أَنهُ يوضح ما توصل إليه العلماء حول القراءة السريعة: إنها غير فعّالة.

سببان رئيسيان يجعلان من القراءة السريعة غير فعالّة:

لأَكثر من نُصفِ قرن، تُعَد جميع دورات القراءة السريعة مهتمة فقط بسرعة القراءة بشكلٍ كبير دون إحداث تأثير سلبي على الفهم.

يَدَّعي مؤيدون هذه الطريقة أَن الناس يمكن أَن يصبحوا قُرّاء سريعين من خلال تعلم كيفية إلتقاط المزيد من الكلمات بحركةٍ أقل للعين وإسكات صوت القراءة الداخلي أثناء عملية القراءة الفعلية.

و كتلخيص لعقود من البحث في مقال نُشِرَ في عام 2016 قام فريق من البارزين من العلماء واللغويين الإدراكيين المتخصصين في القدرة على القراءة والإدراك البصري، بكشفِ كُل من مبادئ القراءة السريعة هذه:

أولًا: كيفية عمل الرؤية البشرية بما في ذلك بُنية العين ذاتها.

ببساطة، لا تسمح لنا العين برؤية الكلمات على محيط مجالنا البَصري بوضوحٍ كافِ لأخذ معناها بالكامل. وبالتالي فإِن فكرة أَن مجموعة كاملة من الكلمات يمكن فهمها في لمحةٍ، هي فكرة غير مُجدية فعليًا!

كما أظهرت التجارب المستمرة أَن الرؤية المحيطية للقُرّاء السريعون ليست أَفضل من القُراء العاديين. أَي أَن هذا الأَمر شيء لا يمكن تدريبه.

ثانيًا: يُمكن أَن يسمح إِسكات صوت القراءة الداخلي للشخص، بمعالجةِ النَصّ المَقروء بسُرعةٍ أَكبر، ولكن يبدو أَنهُ يأتي على حساب الفهم.

الأصوات عمومًا هي مفتاح اللغة، لذا فإِنَ ترجمة المعلومات المرئية إلى شكل صوتي -حتى ولو في رأس المرء فقط- ضرورية للفهم الكامل للكلمات المكتوبة.

ومع ذلك، فإِن أولئك الذين يدعمون برامج القراءة السريعة، يُشيرون إلى بيانات تُظهر أَنَ سرعة قراءة طلابهم تتحسن بالتزامن مع الحفاظ على الفهم.

يتم إعطاء التلاميذ اختبار، ويُلاحظ بشكلٍ عام تحسنًا كبيرًا.

وَرَدَّ مؤلفوا البحث المنشور عام 2016 على ذلك، بأَن تلك النتائج غير حاسمة أو أكيدة.

في بعض الأحيان يكون الاختبار السابق أصعب من الاختبار اللاحق، وفي أحيان أُخرى يتم اختبار المتدربين بشكلٍ مُتكرر على نفس المادة. وعلى أيّ حال، من المُحتمل أَن يكون أداؤهم أفضل في مرحلة ما بعد الاختبار; لمجرد الصعوبة النسبية للاختبارات أو بسبب التكرار في المحتوى المقروء.

عندما قام العلماء بفحصٍ دقيق لدورات القراءة السريعة، وجدوا أَنَ الطلاب يعززون بالفعل معدل القراءة لديهم. ويُقاس ذلك بالكلمات في الدقيقة. لكن هذا التسارع يأتي على حساب الفهم.

كلما قرأ الناس أسرع، قل تذكرهم لما قرأوه.

في الوقت الحاضر، هناك تطبيقات تزعم أنها تجعل القراءة السريعة سهلة.

تُقَدم معظمها نصًا واحدًا تلو الآخر، مما يُعطي للمستخدم الأريحية بتحديد السرعة زيادةً أو نقصانًا.

تَسمح هذه الطريقة التي يُطلق عليها (العرض المرئي التسلسلي السريع) بأَن تَظل نظرة القارئ ثابتة، مما يُلغي الحاجة لتنقل كرة العين بين أجزاء النَصّ.

للأسف، هذه التطبيقات غير فعالة أَيضًا، عندما يقوم المستخدمون بضبط سرعة عرض النَصّ ينخفض فهمهم بزيادة السرعة.

ولكن إِذا كانت القراءة السريعة غير مُجدية، هل هناك أَي طريقة فعّالة للقراءة بسرعة أكبر بشكلٍ فعّال؟

و الجواب نعم، يقول مؤلفوا الورقة البحثية المنشورة عام 2016 الجواب هو قراءة المزيد بالتزامن مع توسيع مخزون مفردات المرء.

وبالطبع فإِنَ هذه الطريقة تستغرق وقتًا طويلًا، ولكن مثل العديد من المهارات الأخرى التي تتطلب ساعات وساعات من التكرار لإتقانها، يجب شَحذ القدرة على القراءة من خلال بذل الجهد، مثل عازف البيانو الذي يعزف كل يوم لسنوات، أو لاعب كرة سلة بقيامهِ لعدد رميات لا نهاية لها، أو طيار يقضي آلاف الساعات في الهواء، تستغرق الخبرة وقتًا ولا يمكن تدريسها من خلال برنامج تدريبي مدته 12 أسبوعًا.

  • ترجمة: وداد عنتر
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1