وجهًا لوجه: جهاز متطور واقتصادي لتحديد الأورام السرطانية

غالبًا ما يستخدم بصناعة الأدوات الجراحية المتطورة تقنيات فنية يصعب الحصول عليها. وفي خضم الجهود المبذولة لتوسيع الخيارات الجراحية لاستئصال الأورام، طوّر فريق جهازًا جراحيًا موجّه بالضوء واقتصادي، ومكوناته متوفرة بالأسواق، ويكاد أن يكون الأقل تكلفة مقارنةً بالأجهزة الموجودة حاليًا. وقد أُجري تقويم فاعليته على فأر التجارب ونُشر مؤخرًا في التقارير العلمية.

سأل مؤلف الدراسة الخبير صموئيل أتشيلفو، دكتور وأستاذ ورئيس في قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة تكساس الجنوبية الغربية: “كيف يمكننا المساواة بين أجهزة المشافي المختلفة؟ إذ ليس بوسع العديد من العيادات السريرية المركزية الحصول على الأدوات الجراحية المتطورة، مما قد يؤثر تأثيرًا جليًا في نتائج المرضى.

لذا يسعى فريقنا اليوم، بتطوير جهاز فعّال وبتكلفة اقتصادية موجه بالضوء لتحديد الأورام بالطريقة نفسها ضمن جميع المستشفيات، بغض النظر عن ميزانياتها أو موقعها.

التركيز على الجراحة الموجهة بالضوء

ما آلية عمل الجهاز؟

في استئصال الأورام السرطانية، تكمن الخطوة الأولى بحقن مادة مضيئة (صبغة فلورية) لاستهداف الأورام حصرًا، ويطلق على هذه المادة فلوروفور، وتنشُط عند تعرضها لنوع معين من الضوء فتتوهّج. يستطيع الجراح حينها تمييز الأورام السرطانية عن الخلايا السليمة لاستئصالها كليًا، كما يمكنه استئصال الأجزاء الخبيثة التي قد يخلّفها العمل الجراحي.

وهناك عدة أنواع من الصبغات التي تنشُط عند التعرض للضوء المرئي، فتسمح للعين المجردة بالرؤية. أما الذبابة المضيئة فوميضها أفضل في الظلام إلّا أنّ إطفاء النور في غرفة العمليات يكاد يكون مستحيلًا.

وللتغلب على هذه المعضلة، درس الباحثون إمكانية توهّج هذه المادة عند تعرضها للأشعة تحت الحمراء، إذ يقع هذا الضوء خلف الضوء المرئي وينتقل إلى مسافات أطول داخل الأنسجة، مما يسهّل عمل الجرّاح في استئصال الأورام المتغلغلة في الجسم.

طبعًا، لايمكن للبشر رؤية الأشعة تحت الحمراء من دون استخدام الأدوات المناسبة.

وأوضح المؤلف الرئيس للدراسة الدكتور ليونيد شميلوفيتش، الأستاذ المساعد في الطب والأشعة في جامعة واشنطن في سانت لويس أنه: “لايمكن بالعين المجردة رؤية وميض الأشعة تحت الحمراء، لذا نحتاج لكاميرا مخصصة حساسة لهذه الأطوال الموجية الضوئية ولجهاز يرسل الإشارات التي تفسح للجرّاح مجالًا للرؤية الواضحة”، وشاشات تعرض هذه الإشارات كما تفعل الأجهزة الموجودة في الوقت الحاضر.

تستخدم الأجهزة الموجهة بالضوء الأشعة تحت الحمراء في مجالات متنوعة، ولكن هناك عائقان رئيسان لاستخدامها استخدامًا واسعًا هما: الحجم والتكلفة.

وأشار أتشيلفو إلى أن: “الأجهزة الحالية لها دور مهم في غرفة العمليات، ولكن منها ما يحتاج لمساعدة مستخدم آخر للتنقل عبر الجهاز، وذلك قد يعيق عمل الجرّاح، ناهيك عن التكلفة المرتفعة لهذه الأجهزة، التي قد تصل إلى 100 ألف دولار أو يزيد”.

تخفيض التكلفة، تقليص الحجم، تطوير التصميم

لازالت الأبحاث في مختبر أتشيلفو مستمرة في تطوير جهاز جراحي موجه بالضوء بتكلفة رخيصة ومرفق بنظارات واقية لتلقي الإشارات الضوئية.

فعوضًا من إسقاط الضوء المنعكس عن الورم على شاشة قريبة، يتيح هذا الجهاز المعزز للعين رؤية الأشعة تحت الحمراء مباشرة كاشفًا مكان الورم للجرّاح بوضوح.

وإستنادًا على دراسات سابقة، قدم الفريق نموذجهم الأخير من الجهاز؛ المصمم بالكامل من مكونات متاحة إضافة إلى قطع بسيطة مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد.

ويتألف النموذج من ثلاث مكونات رئيسة:

منابع الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء (على غرار أشعة الليزر البسيطة) ونظام كاميرا ومعالج بسيط ونظارات الواقع المعزز التجارية، إذ تُجمع هذه الأجزاء المختلفة باستخدام حوامل ثلاثية الأبعاد وتثبت على رأس الجرّاح، ويوضع على خصره إلى جانب المعالج حزمة تعمل بالبطارية لتشغيل الجهاز، فيسهُل عمله وتكون له حرية الحركة.

تصل تكلفة المكون الواحد من الجهاز إلى 1000 دولار تقريبًا، ويأمل الباحثون لأن يكون هذا النموذج التجاري جزءًا من التكلفة المتوفرة حاليًا.

وقال شميلوفيتش، الذي أكمل هذه الدراسة خلال منحة ما بعد الدكتوراه في مختبر أتشيلفو في جامعة واشنطن في سان لويس: “أردنا أن نرى قدرة الكاميرا على تلقي إشارة الأشعة تحت الحمراء، ولكننا تفاجئنا، بتفوق تصميمنا هذا عن سابقه، بسبب التعديلات التي أجريناها على الجهاز لتنقية الإشارات الخلفية وجعلها الوظيفة الأساسية لعمله”.

وأوضح شميلوفيتش أن مكان وضع الكاميرا يمثل تطورًا مهمًا. فالعديد من التقنيات التي تركّب صورة فوق الأخرى – عندئذٍ، تكون الإشارة الضوئية فوق مجال رؤية الجرّاح- مما يتسبب بحدوث تأثير متباين، يجعل الصورة المتراكبة لاتتماشى مع الواقع.

وللتغلب على هذا التأثير، استخدم الباحثون فاصل أشعة (وهو جهاز يفصل الضوء الوارد إلى مسارين)، ويوضع في مقدمة نظارات الواقع المعزز، أما الكاميرا فتثبت أعلى عين الجرّاح مباشرةً ليتوازى مع الشعاع المنعكس عن فاصل الأشعة.

قال شميلوفيتش موضحًا: “وبهذه الطريقة يمر الضوء إما من خلال فاصل الأشعة إلى عين الجرّاح أو ينعكس عن فاصل الأشعة إلى الكاميرا، كما يتحسّن التوافق البصري في الجهاز توافقًا كبيرًا، إنه حقًا لابتكار مذهل”.

تقويم الأداء

اختبر الفريق أداء الجهاز مع ما يزيد عن 10 أجهزة موجهة بالضوء موجودة حاليًا، وقيّمت المراجعة المنشورة ميزات الجهاز كحساسية الضوء والدقة والإشعاع (السطوع).

ووجد الباحثون أن نظاراتهم الاقتصادية التي أنتجوها تشبه منتجات أخرى موجودة في السوق، رغم تقليص حجم جهازهم وخفض كلفته.

كما اختبروا فائدته على أرض الواقع بإجرا ء عمليات جراحية على الفئران التي تعاني من أورام الثدي.

قال أتشيلفو: “يمكننا بجهازنا هذا الكشف عن الأورام السرطانية واستئصالها جذريًا واستئصال ما يتبقى منها بعد العمل الجراحي، وتوضيح رؤية الأورام”.

وأكد الباحثون أن هذا الجهاز ما هو إلا نموذج آني ولم يتوصلوا إلى المنتج النهائي بعد.

وقال شميلوفيتش: “إنه أداة؛ وإنها البداية، ونرغب في طرح المكونات بأقل سعر، كما أنّها مركبة بطريقة إبداعية، وتنافس في أدائها التقنيات باهظة الثمن الموجودة في السوق”.

واتفق معه الدكتور تشي داون، مدير البرنامج في قسم تكنولوجيا المعلومات الصحية في المعهد الوطني للمعلوماتية الصحية NIBIB: “أسس الفريق من خلال هذا النموذج المبتكر جهازًا جراحيًا موجّه بالضوء وسهل المنال، ويمكن تطويعه في التطبيقات المختلفة الموجهة بالضوء، وذلك بفضل تصميمه مفتوح المصدر وتكلفته الاقتصادية، ثمّ إنّه قد يساهم يومًا ما في تحسين العمليات الجراحية”.

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1