
خمس حضارات قديمة اعتقدت أن الكسوف الشمسي كان نذير شؤم
كان الكسوف الشمسي في ثقافات الحضارات القديمة والعصور الغابرة بمثابة حدث استثنائي، قلب موازين المعارك، وأوقف نزيف الحروب والصراعات، وأتاح الفرصة لظهور ملوك مؤقتين في مجتمعات شتى.
لم يكن الكسوف مجرد ظاهرة فلكية في ثقافات الحضارات القديمة، بل كان ينظر إليه على أنه نبوءة كارثية أو رسالة من الآلهة تحمل إشارات تدل على غضبهم، أو مجرد مصادفات سماوية تحدث بشكل دوري وتعكس أسرار وخفايا الكون العميقة أو مزيج منهم كلهم. تلك الظواهر لم تكتف بإيقاف الحروب بل أوجدت ملوكاً مؤقتين، وربما كانت حجر الأساس لبناء مدن خالدة تروي أساطيرها حتى يومنا هذا.
قد يثير كسوف الشمس رهبة عميقة أو حتى خوفًا في نفوس الناس خاصة لدى أولئك الذين يجهلون أسرار الفلك والأقل معرفة به. كيف لا! وهو مشهد عظيم ومهيب قادر على تحويل نهار مشرق يغمره النور إلى ظلام نسبي، حيث يحجب القمر شعاع الشمس تدريجياً. في العصور القديمة رأى البعض في هذا المشهد نذيراً وإشارة على نهاية العالم فكان فكرهم يجنح إلى تخيل نهايات مروعة والفناء الحتمي، غير أن نظرة الحضارات القديمة لهذه الظاهرة لم تكن موحدة وبالطريقة نفسها. إليكم نظرة عن كيفية تعامل بعض المجتمعات مع هذه الأحداث الفلكية في الماضي.
1. الصين القديمة:
سجّلت الوثائق الصينية أكثر من تسعمائة كسوف شمسي على امتداد التاريخ، وقد وردت أقدم هذه الروايات في كتاب “شو جينغ”، أو “كتاب الوثائق التاريخية”، وهو عمل خالد يعود إلى أكثر من ألفي عام.
في إحدى الروايات، يصوّر النص الشمس والقمر في مشهد غير متناغم، كأنّهما دخلا في خصام كوني، بينما اجتاح الهلع قلوب الناس وعمت الفوضى ومشاهد الاضطرابات أرجاء الأرض. وفي موضع آخر، يصف الكتاب كسوفاً آخر بأنه.
“شر عظيم للغاية” حل بالزمان والمكان دون تفسير محدد يعبر عن طبيعة هذا الشر والسوء.
بل إن “شو جينغ” يروي حادثة قديمة تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام حين أمر ملك من أسرة شيا بإعدام علماء الفلك لأنهم أخفقوا في التنبؤ بكسوف شمسي مباغت داهم مملكته. ومع ذلك، لم يستسلم علماء الفلك الصينيون،
إذ شهد علم الفلك تطوراً ملحوظاً، وبحلول القرن السابع الميلادي أصبح العلماء قادرين على التنبؤ بالكسوف الشمسي بدقة فائقة.
2. أمريكا الوسطى:
في لغة الناهوا التي تحدث بها الأزتيك وغيرهم، كان الكسوف الشمسي يُوصف بأنه “ابتلاع الشمس”، وفقاً لما ذكره إسماعيل أرتورو مونتيرو غارسيا، الباحث في المعهد الوطني للأنثروبولوجيا والآثار في المكسيك، في بيان صحفي.
أما حضارة المايا القديمة، فقد تمكنت من التنبؤ بالكسوفات الشمسية بدقة ملحوظة، حيث أنهم كانوا يقيمون الطقوس الخاصة بها إيماناً بأن الأجرام السماوية ما هي إلا تجسيد للآلهة، لذا كانوا ينظمون طقوساً لتكريمها. وأكد غارسيا أن العديد من حضارات أمريكا الوسطى ربطت بين ظاهرة الكسوف والموت، بينما يعتقد بعض العلماء أن كسوفًا حدث في أبريل من عام 1325 قد يكون له الدور الرئيسي في تحديد موعد تأسيس مدينة تينوتشتيتلان، التي كانت عاصمة الإمبراطورية الأزتيكية ومركز القوة للأزتيك.
3. اليونان القديمة:
على خلاف ما تم تصويره في فيلم “إنديانا جونز” الأخير، كانت آلية أنتيكيثيرا التي اكتُشفت في حطام سفينة، قد صُممت جزئياً للتنبؤ بالكسوفات الشمسية والقمرية وتحديد التواريخ الفلكية قبل أكثر من ألفي عام.
في فترة معينة، كان اليونانيون يعتقدون أن الكسوفات ما هي إلا إشارات من السماء تحمل رسائل غامضة أو علامات تنذر بحدوث أحداث هامة. فقد ذكر المؤرخ هيرودوت أن أحد هذه الكسوفات الشمسية كان سبباً في إيقاف حرب بين الميديين والليديين حوالي القرن السادس قبل الميلاد.
3.بلاد ما بين النهرين:
تعددت الطقوس التي ارتبطت بتنبؤات الكسوف الشمسي عبر ثقافات عدة، وكان سكان بلاد ما بين النهرين معروفين بمهارتهم ومتميزين في القدرة على التنبؤ بهذه الظواهر السماوية. وكان معظم الناس يعتقدون أن الكسوفات الشمسية ما هي إلا نذر شؤم، وإشارات لحدوث أمور سيئة في المستقبل. أما حكام آشور فكانوا متأثرين بالخرافات ويعانون من نوع من الخوف والشك المرضي.
وحينما كان الفلكيون يتنبؤون بالكسوفات الشمسية ويحددون مكان حدوثها كي يراها الناس، كان الحكام أحياناً يختارون ملكاً مؤقتاً على العرش، وفقاً لما تذكره سارة غراف، أمينة متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك. كان هذا “الملك المؤقت” يُعتبر فخّاً أو بمثابة طُعم بينما يختبئ الملك الحقيقي في عزلة بعيداً عن الخطر ونذير الشر التي تحمله هذه الظواهر.
وللأسف، كان الطالع السيئ يتحقق، حيث كان الملك المزيف يُقتل عادة بعد أن ينقضي الكسوف.
5. مصر القديمة والتوراة:
في العهد القديم من التوراة، تم ذكر حادثة وقفت فيها الشمس والقمر مكانهما استجابة لدعاء يشوع في أرض كنعان، حتى يستطيع جيشه أن ينتقم وينال ثأره من اعدائه.
كما يعتقد بعض العلماء المعاصرين، الذين قاموا بالتنقيب في الترجمات العبرية القديمة لهذه الأسطورة، أن الكلمات قد تعني ببساطة أن الشمس والقمر توقفا عن الإشراق بذات الدرجة من الوهج الذي اعتاد عليه الناس.
وقد توصل الباحثون إلى حسابات تشير إلى أن كسوفاً حلقياً قد وقع في عام 1207 قبل الميلاد، وهو العام نفسه الذي تسرد فيه بعض الأدلة المصرية القديمة معركة مع بني إسرائيل في كنعان. وإن كان هذا النص التوراتي يشير حقاً إلى كسوف قديم، فقد يكون ذلك بمثابة نقطة الانطلاق والمفتاح لحل بعض الألغاز التي تحيط التسلسل الزمني لحكام مصر العظماء، مثل رمسيس الكبير.
- ترجمة: مايا قصي عبد اللطيف
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1