
هل النساء أكثر ثرثرة من الرجال؟ دراسة جديدة تفاجئ العلماء بالإجابة
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” أن الاعتقاد الشائع بأن النساء أكثر ثرثرة من الرجال هو اعتقاد خاطئ.
فمن خلال تحليل استخدام الكلمات اليومية لآلاف المشاركين في مختلف الظروف، اكتشف الباحثون أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال بمعدل بسيط جدًا، وأن هذا الاختلاف يختلف من شخص لآخر.
فكرة أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال هي فكرة شائعة ومدعومة بوسائل الإعلام والأدب وحتى الثقافة الشعبية. ولكن دراسة سابقة أُجريت عام 2007 على 396 شخصًا يرتدون أجهزة تسجيل صوت نفت هذا الأمر، وأظهرت أن الرجال والنساء يتحدثون نفس عدد الكلمات تقريبًا، حيث بلغ عدد الكلمات حوالي 16 ألف كلمة في اليوم.
ورغم أن دراسة 2007 لاقت اهتمامًا كبيرًا، فإنها تعرضت لانتقادات بسبب صغر حجم العينة وعدم تنوع المشاركين. بالإضافة إلى ذلك، تشير أبحاث جديدة إلى أن الثرثرة قد تتأثر بالعمر والوضع الاجتماعي. لذلك، قرر الباحثون إجراء دراسة موسعة لتأكيد النتائج وتوضيح الفروق بين الجنسين في استخدام الكلمات اليومية بدقة أكبر.
تستند هذه الدراسة إلى دراسة سابقة (Mehl وآخرون، 2007) أظهرت عدم وجود فرق كبير في الثرثرة بين الرجال والنساء على مستوى الكلمات المنطوقة يوميًا.
ومع ذلك، تعرضت تلك الدراسة لانتقادات بسبب تركيزها على عينة من طلاب الجامعات بشكلٍ أساسي. أوضح المؤلف المشارك كولين تيدويل، وهو مرشح دكتوراه في علم النفس الإكلينيكي في جامعة أريزونا، قائلاً :“تزامنت تلك الانتقادات مع نقاش حول التكرار في علم النفس. على إثر ذلك، أجرينا نقاشًا مهمًا في مختبرنا حول أهمية تكرار النتائج السابقة بالطريقة نفسها “.
أخيرًا، لا تزال الصورة النمطية بأن النساء يتحدثن أكثر من الرجال منتشرة في المجتمع، رغم أنها تفتقر إلى الأدلة العلمية. مكنتنا هذه الدراسة من التعمق في هذا الموضوع باستخدام بيانات أكثر بكثير (خمسة أضعاف البيانات الأصلية).
بهدف تطوير الدراسات السابقة، اعتمدت الدراسة الحديثة على بيانات من 22 عينة مختلفة جُمعت على مدار 14 عامًا (2005-2019) في أربع دول هي: الولايات المتحدة، وسويسرا، وصربيا، وأستراليا. وشملت قاعدة البيانات 2197 شخصًا. واستخدم الباحثون جهاز التسجيل الصوتي المُنشط إلكترونيًا (EAR)، وهو جهاز يقوم بتسجيل مقاطع صوتية قصيرة من المحيط بشكلٍ متقطع خلال ساعات استيقاظ المشاركين.
وقد مكنت هذه التقنية من تسجيل أنماط الكلام العفوية في ظروف واقعية، دون الحاجة إلى الاعتماد على التقييمات الذاتية التي قد تكون متحيزة بسبب المفاهيم الشخصية أو التوقعات الاجتماعية.
شارك في الدراسة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 10 و94 عامًا، وتم تقسيمهم إلى أربع فئات عمرية: المراهقون (10-17 عامًا)، والشباب (18-24 عامًا)، والبالغون (25-64 عامًا)، وكبار السن (65 عامًا فأكثر).
سعى الباحثون إلى تحديد ما إذا كان استخدام الكلمات يتغير باختلاف هذه المراحل العمرية. كما بحثوا تأثير مستويات التوتر على الكلام، بناءً على بعض النظريات التي تشير إلى أن النساء قد يستخدمن الكلام كآلية للتكيف مع التوتر.
بعد جمع 631,030 تسجيلاً صوتيًا، عد فريق من المختصين عدد الكلمات التي نطق بها كل مشارك. ثم خضعت البيانات لتحليل لغوي بواسطة برنامج متخصص لتقدير إجمالي الكلمات المستخدمة يوميًا. وراعى الباحثون عوامل مثل طول فترات التسجيل ومتوسط ساعات الاستيقاظ لضمان إجراء مقارنة عادلة بين المشاركين.
أكدت الدراسة، بشكلٍ عام، أن النساء يتحدثن كلمات أكثر من الرجال يوميًا، لكن الفرق كان ضئيلاً، حوالي 1073 كلمة في المتوسط.
ونظرًا للتقلب الكبير في الكلام بين الأفراد، استنتج الباحثون أنه لا يوجد تأكيد إحصائي كافٍ لتحديد ما إذا كان هذا الاختلاف ذا دلالة. بمعنى آخر، رغم أن البيانات أشارت إلى وجود فجوة صغيرة، فإنها لم تكن كافية لإثبات أن النساء أكثر ثرثرة من الرجال بشكل ملحوظ.
“على مستوى الإحصائيات الوصفية، كشفت دراستنا عن ميل النساء إلى استخدام حوالي 13,349 كلمة يوميًا، مقابل 11,950 كلمة للرجال.
لكن هذا الفرق يبقى ضئيلاً للغاية ويختلف من فردٍ لآخر”، صرح تيدويل ل PsyPost.
“بعض المشاركين لم يتفوهوا إلا ببضع كلمات معدودة، بينما تجاوز البعض الآخر حاجز ال 120,000 كلمة! ومع ذلك، لم نتمكن، بناءً على تحليلاتنا، من تأكيد ما إذا كان حجم الاختلاف في الكلام بين الجنسين كبيرًا بالقدر الكافي لاعتباره ذا دلالة إحصائية، أو أنه لا يوجد فرق يُذكر بين الجنسين في استخدام الكلمات يوميًا.
من بين النتائج اللافتة التي توصلنا إليها، تلك المتعلقة باستخدام الكلمات حسب الفئة العمرية. ففي حين كان الفرق بين الجنسين ضئيلاً نسبيًا لدى المراهقين (513 كلمة) والشباب (841 كلمة)، لوحظ ارتفاع ملحوظ في هذا الفرق لدى البالغين في أوائل ومنتصف العمر، حيث استخدمت النساء حوالي 3,275 كلمة إضافية يوميًا مقارنة بالرجال. هذه الفئة العمرية كانت الوحيدة التي أظهرت فرقًا ذا دلالة إحصائية. أما بالنسبة لكبار السن (65 عامًا فأكثر)، فقد انعكس الاتجاه، حيث زاد استخدام الرجال للكلمات بحوالي 788 كلمة يوميًا، لكن هذه النتيجة لم تكن بنفس القدر من المتانة الإحصائية.
كانت الفجوة أكبر قليلاً بالنسبة للبالغين في أوائل ومنتصف مرحلة البلوغ، ولكن بشكلٍ عام، تشير نتائجنا إلى أن الصورة النمطية عن النساء اللاتي يتحدثن أكثر من الرجال مبالغ فيها، ومن المحتمل أنها تعتمد على السياق. قال تيدويل: “في هذه اللحظة، لا يمكننا إلا أن نقدم تخمينات مستنيرة حول سبب توافق كمية الكلمات التي يتحدث بها البالغون في أوائل ومنتصف العمر في اليوم مع الصورة النمطية.”.
كما بحث الباحثون فيما إذا كان الإجهاد يلعب دورًا في الفروق بين الجنسين في الكلام. بناءً على النظريات السابقة التي تشير إلى أن النساء قد يستخدمن الكلام كآلية للتكيف، توقعوا أن يروا فجوة أكبر بين الجنسين في الثرثرة بين الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من الإجهاد.
مع ذلك، لم تُؤيّد البيانات هذه الفكرة. وأظهرت النتائج أن الإجهاد لم يكن له تأثير يُذكر على عدد الكلمات المنطوقة في اليوم لأي من الجنسين.
بالإضافة إلى دراسة الاستخدام الفعلي للكلمات، نظرت الدراسة أيضًا في تصورات المشاركين الذاتية لثرثرتهم. بشكل عام، صنّفت النساء أنفسهن على أنهن أكثر ثرثرة من الرجال، لكن هذا التقييم الذاتي لم يتوافق دائمًا مع البيانات المسجلة. بين الشباب في بداية مرحلة البلوغ، على سبيل المثال، كان الفرق بين الجنسين في الثرثرة المُبلغ عنها ذاتيًا أكبر بثلاث مرات من الفرق الفعلي في الكلمات المنطوقة في اليوم.
يشير هذا إلى أن الصور النمطية المجتمعية قد تُشكّل معتقدات الناس حول مدى ثرثرتهم، حتى لو كانت هذه المعتقدات لا تتطابق مع سلوكهم الفعلي.
كما أثارت الدراسة تساؤلًا مُلحًا حول ما إذا كان استخدام الكلمات المنطوقة اليومية بشكل عام قد انخفض بمرور الوقت. أوضح تيدويل قائلاً: “لقد فوجئنا تمامًا عندما وجدنا، كما ذكرنا في الدراسة، أن أحد الجوانب غير المتوقعة في التحليلات الوصفية الأولية التي لفتت انتباهنا هو أن الدراسة الحالية قدرت عدد الكلمات المنطوقة في اليوم بحوالي 3000 كلمة أقل من الدراسة الأصلية. وهذا يشير إلى انخفاض قدره 3000 كلمة في اليوم على مدار عقد من الزمان. ياله من فقدان كبير من الكلمات!.
على الرغم من حجم العينة الكبير ومصادر البيانات المتنوعة، فإن الدراسة لها بعض القيود. سلَّط تيدويل الضوء على المخاوف الرئيسية، حيث أظهرت تحليلات Bayesian ROPE شكوكًا إحصائية كبيرة. كما كانت عينتنا متجانسة نسبيًا من حيث مجموعة متنوعة من متغيرات التنوع، مما يقلل من قابليتها للتعميم. ولم تستكشف طريقتنا إمكانية وجود اختلاف في الكلمات على مدار اليوم بناءً على السياقات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، اقتصرت دراستنا على فئات الجنس الثنائية، وهو ما لا يفسر كيفية تجربة أو تعبير الأفراد غير الثنائيين أو المتنوعين جندريًا عن الثرثرة.
الدراسة المعنونة “هل النساء حقًا (أقل) كلامًا من الرجال؟ تقرير مُسجَّل عن أوجه التشابه والاختلاف بين الجنسين في استخدام الكلمات اليومية”، من تأليف كولين أ. تيدويل، ألكسندر ف. دانفرز، فاليريا أ. فايفر، دانييل ب. آبل، إيفا أليسيتش، أندرو بير، سابرينا ج. بيرستيتل، كاثرين ل. بوليتش-زيغلر، ميشيل بروني، ويليام ر. كالابريز، كريستين كيارييلو، بورتشو ديميراي، سونا ديميدجيان، كارين ل. فينغرمان، ماكسيميليان هاس، ديانا م. كابلان، ييجونغ ك. كيم، غوران كنيزيفيتش، ليليانا ب. لازاريفيتش، مينشيا لو، أليساندرا ماكبيث، جوزيف ه. مانسون، جينيفر س. ماسكارو، كريستينا ميتكالف، كايل س. مينور، سوزان موسلي، أنجلينا ج. بولسينيلي، تشارلز ل. رايسون، جيمس ك. ريلينغ، ميغان ل. روبينز، ديفيد سبارا، ريتشارد ب. سلاتشر، جيسي صن، ميرا فاسيليفا، سيمين فازير، وماتياس ر. ميل.
- ترجمة: سهاد العمري.
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1