هل لدينا أدمغة كمومية؟

يتبع السلوك «غير العقلاني» قواعد غريبة

يعد السلوك البشري لغزًا يحيّر الكثير من العلماء، وقد كان هناك الكثير من النقاش حول دور الاحتمالية في شرح كيف يعمل العقل.

الاحتمال هو إطار رياضي مصمم لإخبارنا عن مدى أرجحية وقوع حدث ما، وهو يعمل بشكل جيد في العديد من المواقف اليومية. على سبيل المثال، يصف نتيجة رمي العملة المعدنية بأنها ½، أو 50%، لأن الحصول على الصورة أو الكتابة هو احتمال متساوٍ.

ومع ذلك فقد أظهرت الأبحاث أن من غير الممكن السيطرة على السلوك البشري بالكامل من خلال قوانين الاحتمال التقليدية أو «الكلاسيكية». هل يمكن إذًا تفسير ذلك بالطريقة التي يعمل بها الاحتمال في عالم ميكانيكا الكم الأكثر غموضًا؟

يعد الاحتمال الرياضي عنصرًا حيويًا في ميكانيكا الكم، وهو فرع الفيزياء الذي يصف كيف تتصرف الطبيعة على مستوى الذرات أو الجسيمات دون الذرية. ومع ذلك، سنرى كيف يتبع الاحتمال قواعد مختلفة تمامًا في العالم الكمّي.

لقد سلّطت الاكتشافات التي أُجريت على مدى العقدين الماضيين الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه «الكمية» في الإدراك البشري، مثل كيف يعالج الدماغ البشري المعلومات لاكتساب المعرفة أو الفهم. ولهذه النتائج آثار محتملة على تطوير الذكاء الاصطناعي (AI).

«اللاعقلانية» البشرية

عمل دانييل كانيمان الحائز على جائزة نوبل وغيره من علماء الإدراك على ما وصفوه ب «اللاعقلانية» في السلوك البشري، فعندما لا تتبع الأنماط السلوكية بشكل صارم قواعد نظرية الاحتمال الكلاسيكي من منظورها الرياضي، فإنها تعتبر «غير عقلانية».

على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن غالبية الطلاب الذين اجتازوا اختبار نهاية الفصل الدراسي يفضلون الذهاب في إجازة بعد ذلك، وبالمثل، فإن غالبية أولئك الذين فشلوا يريدون أيضًا الذهاب لقضاء عطلة.

إذا كان الطالب لا يعرف نتيجته، فإن الاحتمال الكلاسيكي سيتنبأ أنه سيختار العطلة لأنه الخيار المفضل سواء نجح أم رسب، ومع ذلك، في التجربة، فضل غالبية الطلاب عدم الذهاب في إجازة إذا لم يعرفوا كيف كانت النتيجة.

بديهيًا، ليس من الصعب أن نفهم أن الطلاب قد لا يرغبون في الذهاب في إجازة إذا كانوا سيشعرون بالقلق بشأن نتائج امتحاناتهم طوال الوقت.

لكن الاحتمال الكلاسيكي لا يصور السلوك بدقة، لذلك يوصف بأنه غير عقلاني. وقد لوحظت العديد من الانتهاكات المماثلة لقواعد الاحتمال الكلاسيكي في العلوم المعرفية.

هل الدماغ كمي؟

في الاحتمال الكلاسيكي، عندما تطرح سلسلة من الأسئلة، فإن الإجابات لا تعتمد على الترتيب الذي تطرح به تلك الأسئلة. وعلى النقيض من ذلك، في فيزياء الكم، يمكن أن تعتمد الإجابات على سلسلة من الأسئلة، وبشكل حاسم، على الترتيب الذي تطرح به.

ويعد قياس دوران الإلكترون في اتجاهين مختلفين أحد الأمثلة على ذلك، فإذا قمت أولًا بقياس الدوران في الاتجاه الأفقي ثم في الاتجاه الرأسي، فستحصل على نتيجة معينة.

وعندما يُعكس الترتيب ستكون النتائج مختلفة بشكل عام، وذلك بسبب ميزة معروفة في ميكانيكا الكم. إن مجرد قياس إحدى خصائص النظام الكمي يمكن أن يؤثر في الشيء الذي يقاس (في هذه الحالة دوران الإلكترون) وبالتالي يؤثر في نتائج أي تجارب لاحقة.

كما يمكن رؤية الاعتماد على نظام الترتيب في السلوك البشري. على سبيل المثال، في دراسة نشرت قبل عشرين عامًا حول التأثيرات التي يخلفها ترتيب الأسئلة في إجابات المشاركين. سُئل المشاركون عما إذا كانوا يعتقدون أن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون كان صادقًا. ثم سُئلوا عما إذا كان نائبه آل جور يبدو صادقًا.

عندما طُرحت الأسئلة بهذا الترتيب، أجاب 50% و60% من المشاركين على التوالي بأنهم صادقون. ولكن عندما سأل الباحثون المشاركين عن آل جور أولًا ثم كلينتون، أجاب 68% و60% على التوالي بأنهم صادقون.

على المستوى اليومي، قد يبدو أن السلوك البشري غير متسق لأنه غالبًا ما ينتهك قواعد نظرية الاحتمال الكلاسيكي، ومع ذلك، يبدو أن هذا السلوك يتناسب مع الطريقة التي تعمل بها الاحتمالية في ميكانيكا الكم.

دفع هذا النوع من الملاحظات العالم المعرفي جيروم بوسمير والعديد من العلماء الآخرين إلى إدراك أن ميكانيكا الكم يمكنها، بشكل عام، تفسير السلوك البشري بطريقة أكثر اتساقًا.

وبناءً على هذه الفرضية المذهلة، نشأ مجال بحثي جديد ضمن مجال العلوم المعرفية يسمى «الإدراك الكمي».

كيف يمكن أن تملي القواعد الكمومية عمليات التفكير؟ هل يعمل دماغنا مثل الكمبيوتر الكمي؟ لا أحد يعرف الإجابات حتى الآن، ولكن يبدو أن البيانات التجريبية تشير بقوة إلى أن أفكارنا تتبع القواعد الكمومية.

السلوك الديناميكي

وبالتوازي مع هذه التطورات المثيرة، طوّرت أنا وزملائي على مدى العقدين الماضيين إطار عمل لنمذجة أو محاكاة ديناميكيات السلوك المعرفي لدى الناس في أثناء استيعابهم للمعلومات «الصاخبة» (أي غير الكاملة) الواردة من العالم الخارجي.

ومرة أخرى وجدنا أن التقنيات الرياضية التي طُوّرت لنمذجة العالم الكمي يمكن تطبيقها على نمذجة كيف يعالج الدماغ البشري البيانات المزعجة.

يمكن تطبيق هذه المبادئ على سلوكيات أخرى في علم الأحياء، خارج نطاق الدماغ، فالنباتات الخضراء، على سبيل المثال، تتمتع بقدرة ملحوظة على استخلاص وتحليل المعلومات الكيميائية وغيرها من المعلومات من بيئاتها والتكيف مع التغيرات.

ويشير تقديري التقريبي، المستند إلى تجربة حديثة أجريت على نباتات الفاصولياء الشائعة، إلى أنها قادرة على معالجة هذه المعلومات الخارجية بكفاءة أكبر من أفضل جهاز كمبيوتر لدينا اليوم.

وفي هذا السياق، تعني الكفاءة أن النبات قادر باستمرار على تقليل عدم اليقين بشأن ظروف بيئته الخارجية إلى أقصى حد ممكن. ويمكن أن يشمل ذلك، على سبيل المثال، اكتشاف الاتجاه الذي يأتي منه الضوء بسهولة، حتى يتمكن النبات من النمو باتجاهه.

كما ترتبط المعالجة الفعالة للمعلومات من قبل الكائن الحي بتوفير الطاقة، وهو أمر مهم لبقائه.

قد تنطبق قواعد مماثلة على الدماغ البشري، وخاصة على كيفية تغير حالتنا الذهنية عند اكتشاف الإشارات الخارجية. ويعد كل ذلك مهم بالنسبة للمسار الحالي للتطور التكنولوجي.

إذا كان أفضل وصف لسلوكنا هو الطريقة التي يعمل بها الاحتمال في ميكانيكا الكم، ربما ينبغي لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتبع القواعد الكمومية، وليس القواعد الكلاسيكية، من أجل تكرار السلوك البشري بدقة في الآلات.

لقد أطلقت على هذه الفكرة اسم الذكاء الكمي الاصطناعي (AQI). وانطلاقًا منها، نحن بحاجة إلى قدر كبير من البحث لتطوير التطبيقات العملية فيها.

ولكن يمكن أن يساعدنا نظام الذكاء الكمي الاصطناعي في الوصول إلى هدف أنظمة الذكاء الاصطناعي وجعلها تتصرف مثل البشر الحقيقيين.

دورجي سي برودي، أستاذ الرياضيات بجامعة سري

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1