رابط وراثي جديد يكشف أصل الكلام البشري

مُلخَّص:

تشير أبحاث حديثة إلى أنَّ مُتغيَّرا جينيَّا في بروتين NOVA1 ربَّما لعب دورًا مهمًا في ظهور الكلام البشريِّ. قام العلماء بإدخال هذا المُتغيِّر الحصريِّ بالبشر في الفئران، ولاحظوا تغيُّرات في الاصوات التي تُصدرها، ممَّا يشير إلى دورٍ مُحتمل لهذا الجين في التواصل الصوتيِّ.

أكَّدت الدراسة أنَّ إنسان نياندرتال وإنسان دينيسوفانَ لم يكونا يمتلكان هذا المُتغيِّر، مما يُشير إلى نشأته بشكل فريد في البشر المعاصرين.

يعتقد الباحثون أنَّ هذا التغيير الجينيَّ ربَّما ساهم في تنمية اللغة المنطوقة من خلال تأثيره على شبكات الدماغ المشاركة في إصدار الأصوات. وكشف تحليلٌ إضافيٌّ ل 650,058 جينومًا بشريًا، أنَّ جميع البشر المعاصرين تقريبًا يحملون هذا المتغير، مما يُؤكِّد أهميته التطوريَّة.

تهدف الدراسات المستقبليَّة إلى استكشاف روابطه المحتملة بالاضطرابات المتعلِّقة باللغة وحالات النموِّ العصبيِّ.

حقائقٌ رئيسيَّةٌ:

مُتغيِّر خاصٌّ بالبشر: يحمل بروتين NOVA1 في البشر المعاصرين تغييرا جينيًّا فريدًا، غير موجودٍ في إنسان نياندرتال أو إنسان دينيسوفان.

تأثيرٌ على إصدار الأصوات: عندما أُدخل المُتغيِّر البشريِّ في الفئران، غيَّر أنماطها الصوتية، ممَّا يشير إلى دوره في تطُّور الكلام.

أهميَّة تطوريَّة: يحمل جميع البشر المعاصرين تقريبًا هذا المتغيِّر، ممَّا يدل على أهميته في تحسين التواصل الصوتي.

المصدر: جامعة روكفلر

أصول اللُّغة الغامضة

هل نحن الكائنات الوحيدة القادرة حقَّا على الكلام المعقَّد؟ هل الإنسان العاقل هو السلالة البشريَّة الوحيدة القادرة على تقديم توجيهات مُفصَّلة إلى مصدر بعيد للمياه العذبة، أو وصف تدرُّجات اللَّون الأرجواني والأحمر الدقيقة لغروب شمس دراماتيكيٍّ؟

من المرجَّح أنَّ أقاربنا المقرَّبين، مثل إنسان نياندرتال، كانوا يمتلكون سمات تشريحيَّة في الحلق والأذنين، كان من شأنها أن تمكِّنهم من التحدُّث وسماع اللغة المنطوقة, ويشتركون معنا في نوع من الجينات المرتبطة بالقدرة على الكلام. ومع ذلك، لا نجد المناطق الدماغيَّة الممتدة الضروريَّة لإنتاج اللغة وفهمها إلا لدى البشر المعاصرين.

الآن، كشف باحثون من جامعة روكفيلر عن متغيِّرٍ بروتينيٍّ يوجد فقط لدى البشر، ربَّما ساعد في تشكيل ظهور اللغة المنطوقة.

في دراسة نُشرت في مجلة Nature Communications، اكتشف باحثون في مختبر الباحث في روكفلر، روبرت بي. دارنيل، أنَّه عند إدخال هذا المتغيِّر الحصريِّ بالبشر لبروتين NOVA1، وهو بروتين يرتبط بالحمض النوويِّ الريبوزيِّ RNA في الدماغ، أدَّى إلى تغيير أصوات الفئران عند تواصلها مع بعضها.

كما أكدَّت الدراسة أنَّ هذا المتغيِّر غير موجود في إنسان نياندرتال أو إنسان دينيسوفان، وهما نوعان بشريَّان قدماء تزاوج أجدادنا معهما، كما يتضح من آثارهم الجينيَّة المتبقية في العديد من الجينومات البشريَّة الحديثة.

هذا الجين جزءٌ من تغييرٍ تطوريٍّ شاملٍ في البشرِ المعاصرينَ الأوائلِ، ويلمحُ إلى أصول قديمة محتملة للغة المنطوقة “، يقولُ دارنيل، رئيسُ مختبرِ علمِ الأورامِ العصبيِّ الجزيئيِّ.

قد يكونُ NOVA1 جينَ لغةٍ بشريًّا حقيقيًّا، على الرغم من أنَّهُ بالتأكيد مجرد واحد من العديد من التغييرات الجينيَّةِ الخاصَّة بالبشر.

تطَّور اللُّغة: ثلاثة عقود من البحث

تمكننا التكيُّفات التشريحيَّة للقناة الصوتيَّة والشبكات العصبيَّة المعقَّدة من تطوير قدراتنا اللغويَّة، ولكن الجينات المسؤولة عن ذلك لا تزال غير مفهومة بشكل كامل.

من الجينات التي دُرست سابقًا FOXP2، وهو جين يشفِّر عامل نسخ مرتبط بالنمو المُبكِّر للدماغ. يظهر الأشخاص الذين لديهم طفرات في هذا الجين عيوبًا شديدة في النطق، بما في ذلك عدم القدرة على تنسيق حركة الشفاه والفم مع الصوت.

وكان يُعتقد سابقًا أن FOXP2 هو مفتاح تطُّور اللغة، ولكن بما أنَّ إنسان نياندرتال امتلكه أيضًا، فقد أصبح دوره في تطُّور اللغة البشريَّة موضع نقاش.

أما الآن، فقد ظهر NOVA1 كمرشَّح جديد. هذا الجين يُنتج بروتينًا مرتبطًا بالحمض النوويِّ RNA خاصًّا بالخلايا العصبيَّة، وهو ضروري لنمو الدماغ والتحكُّم العصبيِّ العضليِّ. وتم استنساخه ووصفه لأول مرة عام 1993.

والمثير أنَّه موجود بشكل متطابق عبر العديد من الفصائل، من الثدييات إلى الطيور، لكنَّه مختلف لدى البشر المعاصرين.

يتميَّز البشر المعاصرون بتغيير واحد طفيف لكنَّه مهم في NOVA1، يتمثل في استبدال حمض أميني واحد، حيث تحوَّل الأيزوليوسين إلى الفالين عند الموضع 197 في سلسلة البروتين (I197 V).

يشير المؤلِّف الأول، يوكو تاجيما، إلى أنَّ هذا الاستبدال ليس الوحيد الذي يميِّز البشر المعاصرين عن الكائنات الحيَّة الأخرى، وقد يكون العديد من هذه التغيرات ضروريٍّا لنمو الدماغ. وتضيف:

“ربَّما لعبت هذه التغييرات أدوارًا مهمة في اكتساب الخصائص التي ساهمت في ظهور الإنسان العاقل، وتوسُّعه، وبقائه على قيد الحياة”.

لفهم الأثر التطوريِّ ل I197 V، قارن الباحثون تسلسل NOVA1 البشريّ مع ثلاثة جينومات لإنسان نياندرتال وجينوم لإنسان دينيسوفان. وكما هو متوقع، لم يمتلك أقرباؤنا القدماء هذا التغيُّر، إذ كان لديهم نفس البروتين NOVA1 الموجود في جميع الحيوانات غير البشريِّة.

بعد ذلك، حللَّ الباحثون 650,058 جينومًا بشريًا حديثًا في قاعدة بيانات dbSNP، وهي كتالوج للتغيرات الجينيَّة لدى البشر حول العالم.

إذا كان هناك بديل ل I197 V، فمن المفترض أنْ يظهر في هذه العينة الضَّخمة. ولكن، من بين 650,058 شخصًا، كان جميعهم تقريبًا يمتلكون هذا المتغيِّر البشريّ، باستثناء ستة أشخاص فقط. نظرًا لأن العينات غير محدَّدة الهويَّة، لا تُعرِّف تفاصيل هؤلاء الأفراد.

يشير الباحثون إلى أنَّ مجموعة من أسلاف البشر المعاصرين في إفريقيا طوَّرت المتغيِّر I197 V، والذي أصبح لاحقًا مهيمنًا، ربَّما لأنه منح مزايا تتعلق بالتواصل الصوتيِّ. بعد ذلك، غادر هؤلاء السكان إفريقيا وانتشروا عبر العالم.

الأمراض والاضطرابات اللُّغوية

في المستقبل، سيبحث مختبر دارنيل في كيفيَّة تنظيم NOVA1 لوظائف اللُّغة، مع التركيز على اضطرابات اللُّغة أو النُّمو.

تقول تاجيما:

“نعتقد أنَّ فهم هذه القضايا سيمنحنا رؤى مهمة حول كيفيَّة عمل الدماغ أثناء التواصل الصوتيِّ، وكيف يؤدِّي سوء تنظيمه إلى بعض الاضطرابات.”.

ربَّما تلعب مسارات NOVA1 العصبيَّة دورًا في حالات مثل التوحُّد غير اللَّفظي، حيث يُعد NOVA1 أحد الجينات المرتبطة باضطراب طيف التوحُّد. في عام 2023، أبلغ المختبر عن مريض يعاني من قصور في وظيفة NOVA1، وكانت أعراضه العصبيَّة تشمل تأخر الكلام.

يضيف دارنيل:

“قد يكون لاكتشافنا أهميَّة سريريَّة في عدة مجالات، بدءًا باضطرابات النمو وصولًا إلى الأمراض العصبية التنكُّسية.”.

  • ترجمة: مريم مجدي
  • تدقيق لغوي: سارة ابو جلبان
  • المصادر: 1