
لماذا يُعدّ التنفس فعال جدًا في تقليل التوتر؟
عندما عبرت مركبة الضابط في سلاح مشاة البحرية جيك دي، فوق لغم متفجر في أفغانستان، نظر إلى الأسفل ليرى ساقيه مقطوعتان من أسفل الركبة بشكلٍ كامل تقريبًا، وتذكّر حينها تمرينًا للتنفس تعلمه في كتابٍ للضباط اليافعين. فبفضل هذا التمرين، تمكن الضابط من البقاء هادئًا بما يكفي لتفقّد رجاله، وتوجيه الأوامر لطلب المساعدة، وعَصبِ ساقيه، كما تذكّر تدعيمها قبل أن يسقط فاقدًا للوعي. لاحقًا، أخبِره أحدهم بأنه لو لم يفعل ذلك لكان قد نزف حتى الموت.
إذا ساعد تمرين تنفس بسيط مثل هذا الضابط جيك تحت توتر بالغ الشدة، فإن من شأن استراتيجيات مشابهة أن تساعد بقيتنا بشكل دائم في تحمل التوترات الأكثر شيوعًا الناتجة عن أماكن العمل. فالجمع بين جائحة كوفيد 19 والمعارك من أجل العدالة الاجتماعية لم تفضِ سوى إلى تفاقم القلق الذي يعاني منه العديد منا يوميًا. كما تُظهر الدراسات أن هذا الإجهاد يتداخل مع قدرتنا على إنجاز أفضل ما نستطيع من عمل. لكن مع تمارين التنفس الصحيحة، يمكن تعلم كيفية التعامل مع التوتر وإدارة المشاعر السلبية.
ففي دراستين منفصلتين نُشِرَتا مؤخرًا، اكتشفنا عدة استراتيجيات مختلفة ووجدنا أن تمرين تنفس محدّد كان له التأثير الأكبر في تخفيف كلٍّ من التوتر الفوري وطويل الأمد.
في الدراسة الأولى التي أُجريت بواسطة فريقنا البحثي في جامعة يال، قيَّمنا ثلاثة تدخلات للرفاهية:
* تمارين التنفس: قسنا تأثير برنامج Sky Breath Meditation خلال تجاربنا العلمية وهو سلسلة شاملة من تمارين التأمل والتنفس التي تطلّب تعلمها أيامٍ عدة ومصممة لتحفيز المرونة والهدوء.
* تخفيف التوتر القائم على اليقظة: وهي استراتيجية خاصة بالتأمل تُدرّب فيه النفس على أن تكون واعية في كل لحظة بطريقةٍ غير حكمية.
* أسس الذكاء العاطفي: وهو البرنامج الذي يعلم الاستراتيجيات الخاصة بتحسين الوعي العاطفي والتنظيم.
وُزّع المشاركون عشوائيًا على البرامج الثلاث أو على مجموعة تحكم (وبدون تدخل). ووجدنا أن المشاركين الذين تدربوا في برنامج Sky Breath Meditation قد حققوا أفضل النتائج في الصحة النفسية، والترابط الاجتماعي، والمشاعر الإيجابية، ودرجات التوتر، بالإضافة إلى الاكتئاب واليقظة الذهنية.
وفي دراسة أخرى أُقيمت في جامعة أريزونا، جَرَت مقارنة بين برنامج Sky Breath Meditation وورشة عمل علَّمت بطريقة أكثر تقليدية الاستراتيجيات الذهنية لإدارة التوتر (بعبارة أخرى، كيف نغير أفكارنا عن التوتر). قُيِّمت كلٌّ من ورشتي العمل بطريقة مشابهة من قبل المشاركين، كما أنتجت كلتا الورشتين ازديادًا مميزًا في الترابط الاجتماعي. على أية حال، كان برنامج Sky Breath Meditation ذو فائدة أكبر لناحية التأثير المباشر على التوتر، المزاج، والضمير، حتى أن هذه التأثيرات كانت أقوى عندما قيست بعد 3 أشهر.
خضع المشاركون لمهمة إجهاد قبل التجربة وبعدها، إذ حاكت المهمة حالات الأداء تحت تأثير التوتر العالي، في أمر أشبه بمقابلة عمل. ومن خلال توقع الأداء المجهِد، أظهرت المجموعة التي أكملت الورشة الذهنية معدل ضربات قلب مرتفعة وازدياد في التنفس كما هو متوقع. لكن على النقيض، أظهرت المجموعة التي خضعت لبرنامج Sky Breath Meditation ثباتًا لناحية معدل ضربات القلب والتنفس، الأمر الذي يشير إلى أن هذا البرنامج قد غرس في أولئك الأفراد عازلًا ضد القلق الذي عادةً ما يكون مرتبطًا بتوقع حالة من التوتر. وهذا لم يعنِ أنهم كانوا يتمتعون بحالة أكثر إيجابية فقط، بل إنهم كانوا أكثر قدرةً على التفكير بصفاء وأداء ما أوكل إليهم بفعالية أيضًا.
وبشكلٍ مشابه، وخلال دراسةٍ أُجريَت على محاربين قدامى عانوا من صدمات من أفغانستان والعراق، وجدنا أن برنامج Sky Breath Meditation لم يُعدّل مستويات القلق لديهم بعد أسبوعٍ واحد فقط، بل استمروا أيضًا بالتمتع بفوائد الصحة الذهنية لمدة سنة كاملة بعد ذلك.
فما الذي يجعل التنفس أكثر فاعلية؟ من الصعب جدًا أن نتحدث عن سبيل للخروج من المشاعر القوية كالتوتر، والقلق، أو الغضب. تخيّل كم هو غير فعّال عندما يطلب منك زميلٌ ما أن تهدأ في لحظةٍ من التوتر الشديد. فعندما نكون في حالة من التوتر الشديد، تكون القشرة الجبهية الأمامية لدينا، وهي الجزء المسؤول في الدماغ عن التفكير العقلاني، ضعيفة. لذا نادرًا ما يساعد المنطق في استعادة السيطرة. ويمكن أن يجعل ذلك التفكير مباشرةً أو أن تكون ذكيًا عاطفيًا مع الفريق أمرًا صعبًا. لكن مع استراتيجيات التنفس، من الممكن أن تسيطر بعض الشيء على دماغك.
تُظهر الدراسة أن المشاعر المتباينة مرتبطة بأشكال التنفس المختلفة، وهكذا من الممكن أن تتغير مشاعرنا تبعًا للطريقة التي نتنفس بها. فعلى سبيل المثال، عندما تشعر بالفرح، سيكون تنفسك منتظمًا، وعميقًا، وبطيئًا. أما إن كنت تشعر بالقلق أو الغضب، سيكون تنفسك غير منتظمًا، وقصيرًا، وسريعًا، وسطحيًا. فعندما تتبع أنماط التنفس المرتبطة بمشاعر مختلفة، ستبدأ بالشعور حقًا بتلك المشاعر المرافقة.
ولكن كيف يعمل ذلك؟ إن تغيير إيقاع التنفس يمكن أن يشير إلى الاسترخاء، مما يبطئ نبضات القلب، ويُحفّز العصب المبهم الذي يمتد من جذع الدماغ حتى البطن، كما أنه جزء من النظام العصبي نظير الودي، الذي يعد مسؤولًا عن أنشطة الراحة والهضم في الجسم (على النقيض من الجهاز العصبي الودي، الذي ينظم عددًا من استجابات “الكر والفر”)، الأمر الذي يحثّ الجهاز نظير الودي كي يبدأ بالتهدئة. فتشعر بتحسنٍ، وتعود قدرتك على التفكير العقلاني.
ولتحصل على فكرةٍ عن كيف يمكن للتنفس أن يهدِّئكَ، حاول تغيير نسبة الشهيق إلى الزفير خاصتك. تُعدّ هذه الطريقة أحد التمارين الشائعة التي تستخدم التنفس لتقليل التوتر. فعند الشهيق، تتسارع نبضات القلب، وتتباطأ عند الزفير. ويمكن أن يبدأ الشهيق لأربع عدات ثم الزفير لثماني عدات لبضع دقائق فقط بتهدئة جهازك العصبي. وتذكر: عند الشعور بالانزعاج، أَطِل الزفير.
بينما يمكن لتمرين تنفس قصير مثل هذا أن يكون فعالًا في اللحظة نفسها، فإن بروتوكولًا يوميًا شاملًا مثل استراتيجية برنامج Sky Breath Meditation سيمرن جهازك العصبي على المرونة على المدى الطويل. إذ تساعد هذه الاستراتيجيات البسيطة في الحفاظ على صحة أفضل ويمكن أن تقلّل من مستويات التوتر لديك سواءً خلال العمل أو خارجه.
- ترجمة: نوّار المير ملحم.
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1