تجفيف الملابس داخل المنزل قد يعرض صحتك للخطر

أصبح تعليق الملابس خارج المنازل نادرًا في الأشهر الأخيرة بسبب عواصف الشتاء قارسة البرودة وهبَّات الرياح التي قد تصل إلى 100 كلم في الساعة. لكن هل لعملية تجفيف الملابس داخل المنزل أي تأثيرات فعلًا؟

إن عملية نشر الملابس وتجفيفها داخل المنزل قد تزيد من كمية العفن الموجودة في المنزل، والمرتبطة ببعض المشاكل الصحية التي قد تصل للوفاة.

عندما ينمو العفن داخل منزلك، فإنه يشكل بقعًا ذات لون أخضر أو أسود على الجدران، ويسبب رائحة كريهة عادةً. لا يجب عليك إهمال هذه الإشارات إذ إن التعرض للعفن لفترات طويلة قد يكون مسؤولًا عن مشكلات صحية خطيرة.

يُعبِّر مصطلح “العفن” عن مجموعة من الفطور القادرة على تشكيل جزيئات صغيرة جدًا تعرف بالأبواغ عندما تكون الظروف مناسبة لنموها كالحرارة المنخفضة والرطوبة العالية، لذلك نجد أن العفن يكثر في أسقف الحمامات والجدران الرطبة حيث توجد مياه كافية من أجل الأبواغ لتستقر وتنمو.

يوجد العديد من أنواع العفن، لكن يعد البِنسِيلِّيُوم والرَّشَّاشِيَّات أشيع الأنواع تسبُّبًا بمشاكل صحية في المنازل الرطبة. يُقدَّر أنَّنا نستنشق كميات صغيرة من هذه الابواغ يوميِّا! لكن لحسن الحظ فإن جهازنا المناعي قادر على التقاط هذه الأبواغ وقتلها عبر خلايا تدعى البالعات، إذ تستقر في الأسناخ الرئويِّة وتقوم ببلعمة العناصر الضَّارة المُستَنشَقة بما فيها الأبواغ الفطرية، مما يقلِّل من احتمال الإصابة بأخماج الرئة الفطرية حتى مع التعرض المستمر للأبواغ.

خطر الأبواغ الفطرية على مثبَّطي المناعة

إن الجهاز المناعي عند المثبطين مناعيًا غير قادر على التخلص من الأبواغ الفطرية مما يؤدي إلى اشتداد أمراضهم الكامنة كالربو أو إصابتهم بإنتانات خطيرة، إذ يسبب فطر الرشاشيات أخماجًا عند مضعَفي المناعة ومرضى الجهاز التنفسي كالربو والتليف الكيسي والداء الرئوي الساد المزمن (COPD) عند المدخنين الشرهين.

يقوم الجهاز المناعي بردة فعل مبالغ بها تجاه المحفزات (بما فيها أبواغ الفطور) عند المصابين بالربو مما يسبب الالتهاب وتضيق الطرق الهوائية وضيق النفس. وردّة الفعل المناعية هذه نفسها المسؤولة عن الربو والتحسس. في الحالات الشديدة، يمكن للأبواغ الفطرية أن تغزو الطرق الهوائية وتسدَّها مسببةً نزفًا ضمن الرئة. يحدث ذلك عندما تُنتش الأبواغ وتشكِّل مشيجات فطرية (شبكة خيوط فطرية) على شكل كتل لزجة تسد الطرق الهوائية وتؤذي نسيج الرئة الحساس.

تطوُّر المقاومة

تعالج أخماج الرشاشيات عادة بمضادات الفطور من زمرة الآزول التي تمنع تشكل الخلايا الفطرية. على الرغم من فعالية هذه الزمرة الدوائية إلا أن الرشاشيات بدأت تطوِّر مقاومة تجاهها، إضافة لوجود خيارات محدودة من مضادات الفطور التي يمكن استخدامها مما يجعل العلاج عند تطور المقاومة أمرًا صعبًا.

تحدث المقاومة لدواء ما (كالآزول مثلًا) بعد استخدامه لفترات طويلة عادةً، لكن بيَّن أحد الأبحاث الحديثة أن مقاومة الآزول تتطور في البيئة على نحو أشيع، حيث توجد معظم الفطور، وهذا يعني أنه من الممكن أن نطور مقاومة للأدوية المضادة للفطور حتى قبل استخدامها ولا نستفيد منها عند إصابتنا بالأخماج الفطرية كالرشاشيات. يعود تطور المقاومة الدوائية للفطور في البيئة لاستخدام زمرة الآزول وغيرها من مضادات الفطور في الزراعة، إذ تستخدم للتخلص من الإصابات الفطرية في محاصيل الذرة وغيرها من النباتات التي تحتاج للحماية من الفطور، ولسوء الحظ فإن الأدوية نفسها التي نستخدمها سريريًا تستخدم في الزراعة.

قد يكون لتغيرات المناخ أيضًا دور في تطور المقاومة الدوائية هنا، إذ وجد أن التعرض لدرجات حرارة عالية يساعد الفطور على تطوير مقاومة لمضادات الفطور شائعة الاستخدام. توجد أيضًا تقارير عن إصابات فطرية بأنواع فطور لم تكن ممرضة للإنسان من قبل، ربما لأنها كانت لا تتحمل درجة حرارة جسم الإنسان.

لذلك، يمكن للعديد من الفطور أن تكتسب القدرة على التسبب بإنتانات وكذلك مقاومة الأدوية. للبرامج الطبية ومبادرات العناية بالصحة التي تراقب هذه التغيرات في الفطور دور مهم في مساعدتنا على التحضير لاحتمالية زيادة انتشار الإنتانات الفطرية.

إن التعرض الاعتيادي للأبواغ الفطرية عند شخص سوي المناعة لا يسبب مشكلات صحية في أغلب الحالات، إلا أن التعرض لكميات كبيرة جدًا قد يكون مميتًا حتى عند الناس غير المصابين بأمراض كامنة. في عام 2020، توفي الطفل Awaab Ishak بسبب تعرضه المفرط للأبواغ الفطرية بسبب العفن والرطوبة في منزله، وقد أدت وفاته إلى تغيير في قانون المملكة المتحدة (قانون Awaab) الذي يطلب من مالكي العقارات الاستجابة مباشرةً لوجود الرطوبة في عقاراتهم، للتأكد من أن المستأجرين لن يتعرضوا لكميات كبيرة من الأبواغ التي يمكن أن تؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية.

نهايةً، من المهم أن تحافظ على منزلك خاليًا من العفن عن طريق التأكد من التهوية الجيدة والإجراءات الأخرى المقلّلة للرطوبة كاستخدام جهاز تقليل الرطوبة أو منشر الملابس الحراري لتجفيف الملابس داخلًا في الشتاء.

  • ترجمة: الهادي حسن
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1