هل سنثق في الروبوتات يومًا ما؟

إذا كانت معظم الروبوتات لا تزال بحاجة إلى مشغلين بشريين عن بعد لتكون آمنة وفعالة، فلماذا نرحب بها في منازلنا؟
قد يبدو العالم في ذروة ازدهار الروبوتات البشرية، إذ تَعِدُ الاكتشافات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي بتطوير روبوتات لم نشهدها إلا في أفلام الخيال العلمي، قادرة على أداء العديد من الواجبات مثل تجميع السيارات وتقديم الرعاية الطبية للمرضى أو ترتيب منازلنا تلقائيًا.
جذبت هذه الفكرة قدرًا هائلًا من الاهتمام ورأس المال والتفاؤل، إذ جمعت شركة Figure مبلغ 675 مليون دولار أمريكي لمشروع الروبوت شبيه الإنسان سنة 2024، بعد أقل من سنتين من تأسيسها. وتفوقت روبوتات أوبتيموس المصممة في شركة تيسلا على سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي كان من المفترض أن تكون نجمة حدثٍ استضافته شركة Tesla في شهر تشرين الأول من عام 2024. ويؤمن إيلون ماسك، المدير التنفيذي لشركة تسلا، بقدرة تلك الروبوتات على بناء “مستقبل خال من الفقر” على حد قوله.

ويظنّ البعض أن أشباه البشر ذوي القدرات الفائقة على بعد بضع سنوات عن ملء منازلنا ومناطق الحرب وأماكن العمل والحدود والمدارس والمستشفيات ليصبحوا أطباء نفسيين ونجارين ومساعدين صحيين منزليين وجنود.
ومع ذلك، يمكن القول أن التقدُّم الأخير كان يتعلق بالأسلوب أكثر من الجوهر، إذ جعلت التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تدريب الروبوتات أسهل من ذي قبل دون شك، إلا أنها لم تستطع جعل هذه الروبوتات قادرة على الإحساس بمحيطها أو التخطيط للمستقبل وتنفيذ هذه القرارات بالطريقة التي قد توحي بها بعض مقاطع الفيديو المنتشرة. خلال العديد من هذه العروض، ومن ضمنها عروض تسلا، عندما يسكب الروبوت شرابًا أو يمسح منضدة، فهو لا يفعل ذلك شكل مستقل، وإن بدا كذلك. بل على العكس، يتحكم به مشغل بشري عن بعد، وهي تقنية يطلق عليها علماء الروبوتات اسم التشغيل عن بعد، ويوحي المظهر المستقبلي لأشباه البشر تلك، والمستوحاة عادة من أفلام الخيال العلمي المخيفة المصورة في هوليوود مثل الشاشات للوجوه والعيون الثاقبة والشموخ والهيئة المعدنية، بأن هذه الروبوتات لديها قدرة أكثر مما تبدي.

تقول ليلى تاكاياما خبيرة الروبوتات ونائبة رئيس قسم التصميم والتفاعل بين البشر والروبوتات في شركة روبوتات المستودعات Robust AI: “أخشى أننا وصلنا إلى ذروة الصخب” وتضيف: “تدور حرب أسلحة، أو حرب أشباه البشر، بين الشركات التقنية الكبرى، بغرض إثبات قدرتهم على فعل أكثر وأفضل”. وكنتيجة لذلك كما تقول ليلى، يجب على أي عالم روبوتات تقديم تفسير للمستثمرين عن سبب عدم عمله في هذا المجال، وقد أخبرتني السيدة تاكاياما: “يجب علينا الحديث عنهم الآن، في حين أننا لم نكن بحاجة إلى الحديث عنهم قبل سنة من الآن”.
– دخلت شركة Prosper المملوكة لشريك هاشمي، الموظف السابق في كل من شركتي Open AIو Scale AI، في سباق التسلح هذا عام 2021، إذ تطور الشركة روبوتًا شبيهًا بالبشر تطلق عليه اسم “آلفي” ينجز المهام في المنازل والمستشفيات والفنادق، وتسعى الشركة إلى تصنيع روبوتات آلفي وبيعها بما يقارب 10000 دولار إلى 15000 دولار لكل روبوت.

يطرح غاي هوفمان، الأستاذ المساعد في جامعة كورنيل، سؤالًا: “لماذا نحن مفتونون بفكرة بناء نسخة طبق الأصل عن أنفسنا؟”
خلال فترة تصميم روبوت آلفي، حدد هاشمي عامل الثقة على أنه العامل الذي يجب أن يتفوق على كل الاعتبارات الأخرى، والتحدي الذي يجب التغلب عليه في سبيل رؤية أشباه البشر مفيدين للمجتمع. ويعتقد هاشمي أن تصميم شخصية تفصيلية مشابهة للبشر إلى حد كبير هو الاستراتيجية الرئيسية لكسب ثقة المجتمع في روبوت آلفي.
ولا يقتصر هذا على المظهر الخارجي لروبوتات آلفي، إذ يتصور هاشمي وزملاؤه الطريقة التي يتحرك بها الروبوت ويشير إلى ما سيفعل لاحقًا، تخيل الرغبات والعيوب التي تشكل منهجه في أداء المهام، وصياغة ميثاق أخلاقي داخلي يحكم التعليمات التي سيقبلها أو لا يقبلها من مالكيه.

وبشكل ما، قد يكون الاعتماد الشديد على مبدأ المصداقية سابقًا لأوانه، إذ جمعت شركة Prosper رأس مال ضئيل نسبيا مقارنة مع الشركات الضخمة الأخرى مثل Tesla وFigure ولا تزال شركة Prosper بحاجة إلى شهور بل سنوات حتى تشحن منتجًا خاصًا بها، ولكنَّ الحاجة إلى مواجهة مشكلة المصداقية ومعالجتها باكرًا تعكس الفوضى التي تعيشها الروبوتات، وعلى الرغم من كل الاستثمارات والأبحاث، فإن قلة من ستشعر بالراحة والطمأنينة مع تجول مثل هذا الروبوت داخل منازلهم.

قد نتساءل عن نوع البيانات التي تجمعها هذه الروبوتات عنا وعن محيطنا، والخوف من استحواذها على عملنا يومًا ما، أو أن تشعر بالضجر من طريقة حركتها، فبدلًا من أن تكون أنيقة ومفيدة، غالبا ما تكون الروبوتات مزعجة ومخيفة، وسيكون التغلب على هذا النقص في الثقة هو العقبة الأولى التي يجب تخطيها قبل أن ترقى الروبوتات إلى مستوى الضجة التي تحدثها. لكنّ سؤالًا واحدًا يلوح في الأفق أكثر من أي سؤال آخر ويجب الإجابة عنه في سبيل مساعدة آلفي في كسب ثقتنا، ألا وهو: “إلى أي مدى سيستطيع الاعتماد على نفسه؟ وإلى أي مدى سيظل يعتمد على البشر؟”

– سرّعت تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة عملية تدريب الروبوتات من خلال البيانات التوضيحية، والمتمثلة عادة بمجموعة من الصور والفيديوهات وبيانات أخرى أنشأها بشر يرتدون حساسات لتسجيل حركتهم أثناء قيامهم بمهام مختلفة، مثل غسل الأطباق، إذ يمكن لهذه البيانات تدريب الروبوتات على أداء مثل هذه المهام بنفس الطريقة التي يمكن أن تساعد بها مجموعة كبيرة من النصوص نموذجًا لغويًا كبيرًا في إنشاء الجمل. ومع ذلك، تتطلب هذه الطريقة الكثير من البيانات ومشاركة الكثير من البشر في تصحيح الأخطاء.

أخبرني هاشمي أنه يتوقع أن تكون قدرة آلفي على القيام بنحو 20% فقط من المهام بمفرده عند إطلاقه لأول مرة، وسيتولّى فريق من” المساعدين عن بُعد“ في Prosper، والذين يعيش بعضهم في الفلبين، بقية المهام، فيتحكمون بحركات آلفي عن بعد، وقال هاشمي: “عندما جمعت رأس المال، كان لدي العديد من المخاوف، من بينها ما إذا كان من المجدي لشركات الروبوتات الاعتماد على العمالة البشرية اليدوية في العديد من المهام”، كما أشار هاشمي إلى إنجازات Scale AI، وتمتلك تلك الشركات ،التي تعالج بيانات تدريب تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فريق عمل ضخم في الفلبين، وغالباً ما يتم انتقادها بسبب أساليب تعاملها مع العاملين.

علمًا أن هاشمي كان أحد مديري هذا الفريق قبل نحو عامٍ من تأسيسه شركة Prosper، وأحدُ أسباب رحيله عن شركة Scale AI كان بحدّ ذاته ناجمًا عن انتهاك الثقة.
سيكشف نجاح آلفي -أو فشله- الكثير عن مدى استعداد المجتمع لتقبل وجود الروبوتات الشبيهة بالبشر ضمن مجال خصوصيتنا، هل يمكننا قبول ترتيبات عمالةٍ جديدةٍ ومختلفةٍ بشكلٍ عميق، حيث يستخدم العمال في البلدان ذات الأجور المنخفضة واجهات روبوتية لأداء المهام البدنية لنا في المنزل؟ هل سنثق بهم لحماية صورنا وبياناتنا الخاصة وعائلاتنا؟ وهل ستكون الروبوتات ذات نفع، على أقلّ تقدير؟

– استدعى هاشمي بك لويس لمناقشة بعض المخاوف المتعلقة بالثقة، وقبل عمل لويس مع الروبوتات بعقدين من الزمن وتكليفه بتصميم روبوتات شبيهة بالبشر تحظى بثقة الناس بدلًا من خوفهم، كان التحدي أمامه جرذًا.
عَمِلَ لويس رسّام رسوم متحركة في عام 2001، وكان أحد ألمع العقول في شركة Pixar، مختصًا بتصميم الشخصيات ذات الطابع العميق والجاذبية العالمية. ومن الاهتمامات الكبرى لدى الاستوديوهات، تمويل المشاريع ذات الميزانية المرتفعة بهدف كسب الجماهير من جميع أنحاء العالم، وأدت كفاءة لويس إلى إحياء الشاحنات وسيارات Sedan في فيلم Cars، وتصميم الشخصيات في العديد من أفلام شركتي DreamWorks وDisney.

ولكن عندما أخبر جان بينكافا، العقل الإبداعي وراء فيلم “راتاتوي”، لويس عن فكرته لذلك الفيلم—قصة فأر يحلم بأن يصبح طاهياً—بدت المهمة مستحيلة. فالفئران تثير في نفوس البشر خوفاً واشمئزازاً بالغين. فكيف يمكن للويس أن يحوّل قارضاً مكروهاً إلى طاهٍ محبوب؟ قال لي: “إنه نُفور متجذر بعمق، لأن الفئران مرعبة”، وأضاف: “لكي ينجح الأمر، كان علينا أن نبتكر شخصية تُعيد برمجة تصورات الناس”.
قضى لويس الكثير من الوقت في التفكير وتخيل مشاهد لمجموعة من الفئران يستضيفون عشاءً مفاجئًا على أحد أرصفة باريس، هكذا خرج إلينا بشخصية ريمي، فأرٌ من باريس لم يكتف بالارتقاء في صفوف الطهاة في فيلم Ratatouille فحسب، بل كان محبوبًا للغاية لدرجة أنَّ الطلب على الفئران الأليفة ارتفع عالميًا بعد عرض الفيلم في عام 2007.

وبعد عقدين من الزمن، غيّر لويس مهنته وأصبح الآن مسؤولًا عن صياغة كل جانب من جوانب شخصية آلفي في شركة Prosper، وكما غَيَّرَتْ شخصية ريمي الجذابة نظرة الناس إلى الفئران، يمثل آلفي محاولة لويس لتغيير صورة الروبوتات الشبيهة بالبشر، من مستقبلية وخطيرة إلى مفيدة وجديرة بالثقة.
– يعكس نهج شركة Prosper مفهوم الروبوتات التأسيسي الذي أوضحه رودني بروكس، مؤسس شركة iRobot التي صممت روبوتات Roomba، إذ قال رودني: “يقدم المظهر المرئي للروبوت وعدًا عما يستطيع فعله ومدى ذكائه، ويجب الوفاء بهذا الوعد وإلا لن يكون مقبولًا”.

وبناءً على هذا المبدأ، أيُّ روبوتٍ يستوفي هذا الشرط يمكنه التصرف كإنسان، وفي الواقع يُعتَبَرُ هذا شرطًا صعبًا للغاية لدرجة رفض بعض الشركات له، ويشكّ بضع الأشخاص الذين يرتابون من فكرة الروبوتات الشبيهة بالبشر في حاجة روبوت نافع إلى محاكاة الهيئة البشرية إذا كان يستطيع أداء مهام عملية دون امتلاكه سمةً بشريةً.
يطرح غاي هوفمان، عالم الروبوتات المختص بتفاعلات الروبوتات الشبيهة بالبشر والأستاذ المساعد في كلية الهندسة في جامعة كورنيل، سؤالا: “ما سبب إعجابنا الشديد بفكرة صناعة بديل لنا؟”.
المسألة الرئيسية للروبوتات ذات الشكل البشري هي مسألة وظيفية، لأن البشر بَنوا المنازل وأماكن العمل للبشر، ما يعني أن روبوتًا ذو شكل بشري سيكون قادرًا على استكشافها بشكل أكثر سهولة. ولكن يعتقد هوفمان بوجود سبب آخر، هو أننا ننشر فكرة قدرة هذا الروبوت على القيام بالأعمال التي نقوم بها وعدم اختلافه عنا كبشرٍ بشكل ما، من خلال تصميمه بهيئة بشرية، وبكلماتٍ أخرى اصنع روبوتًا يبدو كالإنسان وسيعتقد الناس أنه قادر على فعل ما يفعله البشر.

استوحت شركة Prosper خلال عملية تصميم الشكل الخارجي لآلفي بعض الأفكار حول تصميم بشري نموذجي ورفضت أفكار أخرى، فعلى سبيل المثال يمتلك آلفي عجلات لا أقدام، بما أن الروبوتات ذات الأقدام أقل توازنًا في البيئة المنزلية، إلا أنه يمتلك يدين ورأسًا. سيبنى الروبوت على عمود يمثل جذعه، لم يتم الإفصاح عن طوله ووزنه بعد، كما أنه سيملك زري إيقاف تشغيل للحالات الطارئة.
يقول لويس إن تصميم “آلفي” لن يحاول بأي شكل إخفاء كونه روبوتاً. فنقيض الموثوقية، في نظري، هو تصميم روبوت يُقصد به محاكاة الإنسان… ويُقاس نجاحه بمدى قدرته على خداعك. كأن يُقال: ‘لقد تحدثت مع ذلك الشيء خمس دقائق ولم أدرك أنه روبوت’. هذا، في نظري، ضربٌ من الخداع”.

ولكِنْ توجَّهت الكثير من ابتكارات الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى حيث يبدو الخداع مفهومًا جذابًا أكثر فأكثر. ظهرت روبوتات شبيهة بالبشر بين الجمهور في مباراة كرة قدمٍ أقيمت في ملعب صوفي في ولاية كاليفورنيا سنة 2023، وبعد انتشار مقطع لها، كشفت شركة ديزني أنهم في الواقع مجرد أشخاص يرتدون البدلات كحيلة للترويج لفيلم. وبعد تسعة أشهر، أعلن باحثون في جامعة طوكيو عن طريقة لربط الجلد المعدل هندسيًا باستخدام خلايا بشرية على وجه الروبوت في محاولة لمحاكاة الوجه البشري بشكل مثاليٍ.
قال غاي هوفمان، عالم الروبوتات: “نحن نروج فكرة تكافؤ هذه الروبوتات لنا ولقدرتنا على فعل الأشياء، من خلال التصاميم البشرية الشبيهة بالإنسان”.

– تصور لويس وشركة Prosper آلفي كسفير حضارة مستقبلية، حيث تجسد الروبوتات أفضل الصفات البشرية، متجاوزين بذلك مظهره الخارجي. فهو ليس فتيًا ولا هرمًا، بل لديه حكمة إنسان في منتصف العمر، ويتمثل هدفه الأساسي في الحياة في خدمة البشر بشروطهم. وكأي شخصية جذابة، يمتلك آلفي عيوبًا كالتي عند البشر، فهو يتمنى أن يكون أسرع، ويميل إلى أن يكون مهووسًا بعض الشيء في إنجاز المهام المطلوبة منه. ويركز آلفي في خدماته على مبادئ أساسية منها، احترام الخصوصيات وكتم الأسرار وعدم إطلاق الأحكام على الناس وكسب ثقتهم.
يقول لويس: “أحاول عدم مقارنة وعيه بوعي الإنسان، لكن على الرغم من أنه كيان غير بشري، إلا أنه يملك إحساسًا”.

ونلاحظ الإشارة إلى آلفي باستخدام صيغة المذكر العاقل، إذ يعود السبب في ذلك إلى اعتقاد لويس أن جنسه سيكون ذكرًا، إلا أن في ذلك خطر المبالغة في تجسيد ما يعد حاليًا روبوتًا قيد التطوير، وعندما سألت عن سبب تحديد جنس آلفي، أجاب لويس أنه قد يكون استوحى الفكرة من العروض التلفزيونية التي كان يشاهدها أثناء نشأته، إذ استُخدمت هذه الكلمة في وصف الخادم الذكر النموذجي في العديد منها، مثل ألفريد، خادم بروس واين في مسلسل Batman، ولكن في محادثة لي مع هاشمي، علمت أنَّ هناك خادمًا حقيقيًا، اسمه فيتزجيرالد هيسلوب يشرف على تعليم آلفي.
يملك هيسلوب خبرة عقود في التدريب على الضيافة الراقية، وكان الشخص الوحيد المجاز في وزارة الدفاع الأمريكية لتدريب مديري منازل قادة برتب رفيعة في الجيش الأمريكي، ويدير هيسلوب الآن منزل عائلة ثرية في الشرق الأوسط (رفض أن يفصح أكثر عن الأمر) ووقع عقد عملٍ مع شركة Prosper لتعليم آلفي مبادئ الخدمة في المنازل.

وبعد فترة وجيزة خلال مقابلةٍ لي مع هيسلوب، شرح بالتفصيل كيف تكون الخدمة المثالية، إذ قال مُقْتَبِسًا من كتاب
Butlers & Household Managers: 21st Century Professionals للكاتب سيتفن فيري: “هذا هو مستوى الإبداع الذي يتعامل به كبير الخدم الجيد: صناعة اللحظات الجميلة التي تجعل الناس يعيشون في راحة بالٍ وتزيد من سعادتهم” وتحدَّثَ بقناعةٍ تامة عن أثر الخدمة المتميزة على العالم، وكيف تُغَيّرُ البروتوكولات وآداب السلوك غرور أرفع الناس مقامًا، واقتبس عن ماهاتما غاندي قوله: “أفضل طريقة لتجد نفسك هي أن تفقد نفسك في خدمة الآخرين”.

اقتنع هيسلوب بفكرة أن تتمكن الروبوتات يومًا ما من تقديم خدمات خالية من الأخطاء، ويعتقد أن شركة Prosper تسير في الدرب الصحيح لتحقيق ذلك، على الرغم من عدم امتلاكه أي خبرة في مجال الروبوتات. ويقول هيسلوب: “الخصوصية والسرية والانتباه إلى التفاصيل وكثرة التدقيق هي خطوات مهمة في سبيل تحقيق الهدف الأساسي للشركة، وآلفي أيضًا”.
– يختلف حلم آلفي ورسم مخطط له عن تنفيذ هذا المخطط. ستعتمد النسخة الأولى منه على المساعدين عن بعد، ومعظمهم يعمل خارج البلاد، لإدارة ما يقارب 80% من مهامه في تدبير المنازل. يستخدم هؤلاء المساعدون واجهات شبيهة بأدوات التحكم بألعاب الفيديو للتحكم في حركات آلفي، معتمدين بذلك على حساساته وكاميراته لإرشاده عند غسل الأطباق أو تنظيف المناضد.
ويقول هاشمي، ما زالت الجهود تبذل لحجب البيانات الشخصية أثناء التحكم في الروبوت، إذ ستشمل خطوات كهذه إزالة الأشياء الحساسة وأوجه الناس من التسجيلات والسماح للمستخدمين بحذف أي صور يريدون. كتب هاشمي في رسالة بريد إلكتروني أنهم يطمحون إلى أن: “يتجنب آلفي النظر إلى أي نشاطات خاصة محتملة”.

تملك صناعة الذكاء الاصطناعي سجلًا حافلًا عندما يتعلق الأمر بالبلدان ذات الأجور المنخفضة والذين يمثلون اليد الخفية وراء بناء النماذج المتطورة. كما أفادت تقارير وردت من كينيا، تنص على أن العمال في شركة Open AI يتقاضون أقل من 2$ في الساعة لإزالة بيانات التدريب الضارة يدويًا، مثل المحتوى الذي يتضمن الاعتداء الجنسي على الأطفال والتعذيب. أما بالنسبة لشركة Scale AI، فقد انتُقِدَت عمليات الشركة في الفلبين، والتي ساعد هاشمي في إدارتها، في عام 2023، من قبل جماعات حقوقية، لعدم الالتزام بمبادئ العمل الأساسية، وعدم دفعها لمستحقات العمال بشكل مناسب وفي الوقت المحدد، وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة Washington post.
ورد في تصريح لشركة Open AI: “يجب القيام بهذا العمل بإنسانية وطوعية، وتضع الشركة المعايير الأخلاقية والصحية لمنسقي البيانات الخاصة بنا”. أما شركة Scale AI فقد أجابت عند سؤالها عن الانتقادات حول عملياتها في الفلبين: “دفعنا خلال السنة الماضية مئات الملايين من أرباح الشركة للمساهمين، مانحين الناس خيارات عمل مرنة وفرص اقتصادية، كما حللنا 98% من تذاكر الدعم المتعلقة بالدفع بنجاح.

وقال هاشمي أنه لم يعلم بالدعاوى المرفوعة ضد شركة Scale AI خلال فترة عمله فيها، والتي انتهت عام 2019، ولكنه كتب في رسالة بريد إلكتروني: “قمنا ببعض الأخطاء! لكننا صححناها بسرعة وأخذناها على محمل الجد بشكل عام”. سألته عن الدرس الذي تعلمه من الدعاوى المرفوعة ضد شركة Scale AI بعد الاستعانة بمصادر خارجية لأعمال البيانات الحساسة، وما هي الوسائل التي اعتمدها لحماية فريقه، والذي يضم إلى الآن نحو 10 أشخاص، في مقر شركة Prosper في الفلبين.
أجاب هاشمي: “ينتهي الأمر بالشركات التي تمارس مثل هذا النوع من الأعمال، بالعمل بطريقة سيئة نوعًا ما بالنسبة للموظفين. إذ غالبًا ما تقوم تلك الشركات بالاستعانة بمصادر خارجية لأنشطة الموارد البشرية المهمة لشركاء غير جديرين بالثقة في الخارج، أو تخسر ثقة العمال بسبب برامج الحوافز السيئة. يمكننا القيام بعملٍ أفضل بكثير بوجود فريق مدار عن كثب من الخبراء، والكثير من الشفافية حول نظام العمل كاملًا”.

– ويجدر بنا كشف سبب ابتعاد هاشمي عن شركة Scale AI، حيث كان الموظف الرابع عشر حين وُظفَ عام 2017، وفي شهر آذار من عام 2019، ووفقًا لما ورد في وثائق المحكمة، لاحظت شركة Scale AI قيام أحد ما بسحب مبلغ مالي قدره 140$ بشكل متكرر ودون تصريح، وتحويلهم إلى حسابات PayPal متعددة، تواصلت عندها الشركة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، وبعد مضي خمسة أشهر، أصبح المبلغ المسروق من الشركة، 56000$ تقريبًا.
كشف تحقيق أن هاشمي، الذي كان يبلغ من العمر 26 عامًا حينها، هو المسؤول عن عمليات السحب تلك، وأقر بأنه مذنب في تهمة الاحتيال الإلكتروني في شهر تشرين الأول من تلك السنة.
وقبل النطق بالحكم عليه، كتب ألكسندر وانغ، الملياردير الحالي والمؤسس والمدير التنفيذي لشركة Scale AI بالإضافة إلى 13 موظفًا سابقًا وحاليًا في الشركة، رسالة دعم لهاشمي إلى القاضي المسؤول عن قضيته، كتب فيها: “أعتقد أن شريك هاشمي نادمٌ بصدقٍ على جريمته، وليس هناك أي سبب يدفعني إلى الاعتقاد بأنه سيكرر هذا الفعل.”، وقال أيضًا أن الشركة لم تكن لترغب بمقاضاة مرتكب الخطأ، لو علمت أنه كان شريك. وعليه، خسر هاشمي عمله وحقوقه في شراء الأسهم ورعاية شركة Scale AI لإقامته الدائمة.

عرضت عليه شركة Scale AI مبلغ 10000$ كتعويض نهاية خدمة قبل مغادرته، لكنه رفض المبلغ، وفقًا لرسالة ألكسندر وانغ.
دفع هاشمي المبلغ الذي أخذه في عام 2019، وحكم عليه، في شهر شباط من العام 2020، بالسجن ثلاثة أشهر في سجن فيدرالي، حيث قضى مدة حكمه. وانغ هو الآن مستثمر رئيسي في شركة Prosper Robotics، إلى جانب بن مان (الشريك المؤسس لشركة Anthropic)، وسيمون لاست (الشريك المؤسس لشركة Notion)، وديبو أولوسيبيكان (الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Kepler Computing).

كتب هاشمي في رسالة بالبريد الإلكتروني ردًا على سؤال حول الجريمة: “كان لدي هفوة كبيرة في الحكم على الأمور حين كنت صغيرًا، كان لدي بعض المشاكل الشخصية، وسرقت من صاحب عملي، وشعرت بالصدمة حين أدركت ما فعلت وعواقبه، وقادني هذا إلى البحث بشدة عن ذاتي،” وكتب في Prosper: “نعتبر الجدارة بالثقة ملهمنا الأسمى”.
– تمتاز القدرة على التحكم بالروبوتات عن بعد ببعض الجوانب الإيجابية، لكن فكرة النقل الآني واسع النطاق من قبل العمال الأجانب، لن تكون أقل من تحول جذري للعمالة، حتى لو استغرق تطبيقها سنوات. وهذا من شأنه أن يقدم إمكانية أنه حتى العمل البدني المحلي للغاية، مثل تنظيف الغرف أو الاعتناء بالمرضى، والذي نعتبره محصنًا من الانتقال إلى الخارج، قد يقوم به العمال في يوم من الأيام في الخارج. وقد يبدو هذا مناقضًا لفكرة الروبوت الجدير بالثقة، نظرًا لأن فعالية الآلة ستكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعاملٍ مجهول الهوية في بلد آخر، وعلى الأرجح أنه يتقاضى أجرًا زهيدًا.
ذكر هاشمي شيئًا عن استخدام نسبة من أرباح شركة Prosper، في سبيل منحها للأشخاص الذين تعرضت أعمالهم للضرر بسبب آلفي أو استبدلهم، لكنه لا يملك تفاصيل عن آلية العمل بهذا الأمر. وما زال يمعن التفكير في مسائل متعلقة بالأشياء والأشخاص التي يجب على عملاء Prosper الثقة بهم عندما يسمحون بدخول روبوت إلى منازلهم.

ويقول هاشمي: “نطلب منك الثقة في الروبوت أكثر من الثقة بالشركة، إذ يضمن الروبوت عدم قيام الشركة بأشياء لا يفترض القيام بها”.
ويعترف أن النسخة الأولى من آلفي لن ترقى إلى مستوى طموحاته، لكنه يظل متشبثًا بفكرته أن الروبوت لا يستطيع خدمة المجتمع إلا في حال وثق الناس به.

  • ترجمة: علي العدي
  • المصادر: 1