أشباح الذكاء الاصطناعي يمكن أن تشكل تهديدًا خطيرًا على الصحة العقلية

جميعنا نودّع ونحزن، ولكن تخيَّل أنك لست بحاجة إلى توديع أحبائك لأنه بإمكانك إعادة خلقهم افتراضيًا لتتمكن من إجراء محادثات معهم ومعرفة كيف يشعرون.

في عيد ميلاد ‘كيم كارداشيان Kim Kardashian’ الأربعين، أهداها زوجها كانيي ويست Kanye West، صورة ثلاثية الأبعاد لوالدها المتوفى روبرت كارداشيان، وبحسب ما ورد كانت ردة فعل كيم كارداشيان لا تُصدق وفرحة لظهور والدها الافتراضي في حفلة عيد ميلادها. إذ أن التمكن من رؤية شخص عزيز مفقود منذ زمن طويل، والتحرك والتحدث من جديد قد يعزي الذين بقوا.

فقد يبدو إحياء أحد أحبابنا المتوفين بمثابة معجزة، بل وربما كان شيئًا مخيفًا بعض الشيء.

ولكن ما هو التأثير الذي قد يخلفه ذلك على صحتنا؟ هل تساعد أشباح الذكاء الاصطناعي عملية الحزن أم تعيقها؟

وباعتباري أخصائيًا في علم النفس وأبحث في كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتعزيز التدخلات العلاجية، فإنني أشعر بالفضول اتجاه ظهور الروبوتات الأشباح، ولكنني أيضًا أكثر من قلق بشأن الآثار المحتملة لهذه التكنولوجيا على الصحة العقلية لأولئك الذين يستخدمونها، وخاصة أولئك الذين يعانون من الحزن.

إن إحياء الموتى كصورة تجسيدية له القدرة على التسبب في ضرر أكثر مما ينفع، ما يؤدي إلى إدامة المزيد من الارتباك والإجهاد والاكتئاب والجنون وفي بعض الحالات الذهان.

أدت التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي (AI) إلى إنشاء ChatGPT وغيرها من الدردشة الآلية التي يمكن أن تسمح للمستخدمين بإجراء محادثات معقدة مثل الإنسان.

ويمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي باستخدام التكنولوجيا الوهمية العميقة إنشاء تمثيل افتراضي تفاعلي لشخص متوفى باستخدام محتواه الرقمي مثل الصور الفوتوغرافية ورسائل البريد الإلكتروني ومقاطع الفيديو.

كانت بعض هذه الإبداعات مجرد مواضيع في الخيال العلمي قبل بضع سنوات فقط ولكنها الآن حقيقة علمية.

هل يُعتبر هذا بمثابة مساعدة أم عائق؟

من الممكن أن تكون الأشباح الرقمية راحة للمفجوعين من خلال مساعدتهم على إعادة التواصل مع الأحباء المفقودين. ويمكن أن توفر فرصة للمستخدم لقول بعض الأشياء أو طرح بعض الأسئلة التي لم تتح له الفرصة عندما كان الشخص المتوفى على قيد الحياة.

ولكن قد لا يكون التشابه الغريب بين الأشباح والشخص المفقود إيجابيًا كما يبدو.

وتشير الأبحاث إلى أنه ينبغي استخدام هذه الروبوتات فقط كمساعدة مؤقتة للحداد لتجنب الاعتماد العاطفي المحتمل الضار الناجم عن هذه التكنولوجيا.

من الممكن أن تكون أشباح الذكاء الاصطناعي ضارة على الصحة العقلية للناس من خلال التدخل في عملية الحزن، إذ يمكن أن يستغرق الحزن وقتًا وهناك العديد من المراحل المختلفة التي يمكن أن تحدث على مدى سنوات عديدة.

يتذكر الشخص المفجوع حديثًا -والذي يفكر بالمفقودين دائمًا- الذكريات القديمة، ومن الشائع جدًا للشخص المفجوع أن يحلم أكثر بالحبيب المفقود.

كان المحلل النفسي سيغموند فرويد مهتمًا بكيفية استجابة البشر لتجربة الفقد، وأشار إلى صعوبات إضافية محتملة لأولئك المفجوعين إذا كان هناك سلبية محيطة بالموت، على سبيل المثال: إذا كان الشخص لديه مشاعر متناقضة تجاه أحدٍ ما توفي، يمكن أن يتركه ذلك مع شعور بالذنب. أو إذا مات شخص في ظروف مروعة مثل القتل، قد يجد الشخص الحزين صعوبة أكبر في تقبل المصيبة.

أشار فرويد إلى هذا باسم ‘السوداوية’، ولكن يمكن أن يشار إليه أيضًا باسم ‘الحزن المعقد’.

في بعض الحالات القصوى، قد يعاني الشخص من هلوسة بأنه يرى الشخص الميت ويبدأ بالاعتقاد بأنه على قيد الحياة. يمكن أن تسبب أشباح الذكاء الاصطناعي المزيد من الصدمة لشخص يعاني من الحزن المعقد وقد تؤدي إلى تفاقم المشاكل المرتبطة بها، مثل: الهلوسة.

رعب روبوت الدردشة

هناك أيضًا مخاطر أن هذه الروبوتات الأشباح يمكن أن تقول أشياء ضارة أو تعطي نصيحة سيئة لشخص في الحداد. وهناك برامج توليد مماثلة كبرامج الدردشة (ChatGPT) تتعرض بالفعل لانتقادات واسعة النطاق بسبب إعطائها معلومات مضللة للمستخدمين.

ولنتخيل لو أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مضللة وبدأت في تقديم تعليقات غير لائقة للمستخدم، وهو الموقف الذي مرّ به الصحافي كيفين روز Kevin Roose في عام 2023 عندما حاول بوت الدردشة Bing أن يجعله يترك زوجته.

وسيكون من المؤلم جدًا إذا استُدعي الأب المتوفى كشبح الذكاء الاصطناعي من قبل ابن أو ابنة لسماع تعليقات بأنهم لم يكونوا محبوبين أو أنهم لم يكونوا المفضلين لدى والدهم.

أو في سيناريو أكثر تطرفًا، إذا اقترح الشبح على المستخدم الانضمام إليه في الموت أو يجب عليه قتل أو إيذاء شخص ما، قد تبدو هذه حبكة من أحد أفلام الرعب ولكنها ليست بعيدة المنال.

في عام 2023، حدد حزب العمال في المملكة المتحدة قانونًا لمنع تدريب الذكاء الاصطناعي للتحريض على العنف.

وكان هذا ردًا على محاولة اغتيال الملكة في وقت سابق من العام من قبل رجل شجعته صديقته الآلية، التي كان له معها علاقة ‘عاطفية وجنسية’.

يعترف منتجو ChatGPT حاليًا بأن البرنامج يرتكب أخطاء ولا يزال غير موثوق به تمامًا لأنه يختلق المعلومات. ومن يدري كيف ستُفسر النصوص أو رسائل البريد الإلكتروني أو أشرطة الفيديو الخاصة بشخص ما، وما هو المحتوى الذي ستنتجه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هذه؟ وعلى أية حال، يبدو أنه مهما بلغ تقدم هذه التكنولوجيا، ستكون هناك حاجة إلى قدر كبير من الرقابة والإشراف البشري.

النسيان صحي

تقول هذه التقنية الحديثة الكثير عن ثقافتنا الرقمية التي تتسم بالإمكانيات اللامتناهية بلا حدود.

يمكن تخزين البيانات على السحابة إلى أجل غير مسمى وكل شيء يمكن استرجاعه ولا شيء يُحذف أو يُتلف.

النسيان عنصر مهم من عناصر الحزن الصحي ولكن من أجل النسيان يحتاج الناس إلى إيجاد طرق جديدة ومفيدة لتذكر الشخص المتوفى.

تؤدي الاحتفالات السنوية دورًا رئيسيًا في مساعدة أولئك الذين يشعرون بالحزن ليس فقط على تذكر أحبائهم المفقودين، بل إنها تشكل أيضًا فرصًا لتمثيل الخسارة بطرق جديدة.

يمكن للطقوس والرموز وضع علامة على نهاية شيء يمكن أن يسمح للبشر بالتذكر بشكل صحيح من أجل النسيان بشكل صحيح.

  • ترجمة: حنان الميهوب
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1