
انخفاض غير مسبوق لمستويات التستوستيرون عند شباب جيلي الألفية و Z، فما السبب؟
في الآونة الأخيرة، تنبهت مجاميع بحثية لانخفاض كبير في مستويات هرمون التستوستيرون عند رجال جيلي الألفية وZ، فخيَّم القلق عليهم نظرًا لتأثير هرمون التستوستيرون المباشر على الصحة العامة للرجال بدءًا من الكتلة العضلية والكثافة العظمية وانتهاءً بالحالة المزاجية والرغبة الجنسية. نستعرض في هذا المقال أسباب الانخفاض المتعددة كالعوامل المتعلقة بأسلوب الحياة والتأثيرات البيئية ومجمل التغيرات المجتمعية المؤدية لهذا التغير المروِّع.
١. عوامل تتعلق بأسلوب الحياة
• قلة النشاط:
لعل أبرز التغييرات السائدة في العقود الأخيرة، اتباع أسلوب حياة خالٍ من النشاط والحركة. وبالتزامن مع تصاعد الثورة التقنية التي غيرت جوانب شتى من حياتنا اليومية، انخفض النشاط البدني. إذ تسبب الجلوس لفترات طويلة، سواءً للعمل أو اللعب أو الترفيه بانخفاض مستويات هرمون التستوستيرون. وبالمقابل، تبين أن النشاط البدني المنتظم -ونخص بالذكر رفع الأثقال والتمارين المكثفة المتقطعة (HIIT)- عزز إنتاج هرمون التستوستيرون. إلا أن أغلب الشباب اليوم لا يلزمون أنفسهم بالتدريبات البدنية الكافية لجني هذه الثمار.
• النظام الغذائي والتغذية:
تغيرت العادات الغذائية لرجال جيلي الألفية وZ جذريًا، فقد أثر تزايد استهلاك الأطعمة المصنعة التي تحوي نسبًا مرتفعة من السكريات والدهون غير الصحية سلبًا على مستويات هرمون التستوستيرون. فاتباع نظام غذائي غني بالعناصر الغذائية الأساسية، كالزنك وفيتامين د والدهون الصحية، ضروري للحفاظ على مستويات مُثلى لهرمون التستوستيرون، وهذا ما تفتقر إليه غالبية الأنظمة الغذائية الحديثة. فضلًا عن أن الإفراط في شرب الكحول وتناول الوجبات السريعة قد يخل بالتوازن الهرموني.
٢. التأثيرات البيئية
• مُعطِّلات الغدد الصم:
لمُعطِّلات الغدد الصم أثر بالغ على الصحة الهرمونية، فهي تدخل في تركيب مختلف أنواع البلاستيك ومنتجات العناية الشخصية بل وفي أغلفة المواد الغذائية أيضًا. إذ يتسبب تداخل المواد الكيميائية كالفثالات والبيسفينول أ (BPA) مع جهاز الغدد الصم بانخفاض مستويات التستوستيرون. إضافةً لصعوبة الاستغناء عنها نظرًا لسعة انتشارها في السلع الأساسية، مما يعزز دورها في خفض مستوى التستوستيرون عند الشباب.
• التلوث والسموم:
يؤدي التعرض للهواء الملوث والسموم البيئية لمخاطر كبيرة على الصحة الهرمونية، فالملوثات -كالمعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية- تعطل وظائف الغدد الصماء، مسببةً انخفاضًا ملحوظًا في مستويات التستوستيرون. وقد ساهم التوسع العمراني والأنشطة الصناعية بزيادة الاعتماد على هذه المواد الضارة، وترافق ذلك بقلق متزايد من تبعاتها على الصحة العامة.
٣. العوامل النفسية الاجتماعية
• التوتر المزمن:
يُعد التوتر المزمن من أكثر الأعراض المؤثرة في رجال جيلي الألفية وZ انتشارًا. فلضغوطات الحياة الحديثة -مثل انعدام الاستقرار المالي والتحديات المهنية والتوتر الناجم عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي- دور ملحوظ في رفع مستويات الكورتيزول. إذ إن ارتفاع مستويات الكورتيزول يرتبط عكسيًا بانخفاض مستويات التستوستيرون، مما يعني أن التوتر المزمن يساهم بشكل ملحوظ في تقليل إنتاج التستوستيرون. بالمقابل، باتت تقنيات إدارة التوتر الفعّالة، مثل اليقظة الذهنية والتمارين البدنية، من ضرورات الحفاظ على التوازن الهرموني.
• الصحة النفسية:
إن الاكتئاب والقلق وغيرهما من مشاكل الصحة النفسية في تزايد مستمر بين الشبان، وهي على ارتباط وثيق باختلال الهرمونات من بينها – انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون. أضف إلى ذلك، أن لمضادات الاكتئاب التي عادةً ما تُوصف لعلاج هذه المشاكل، تأثيرًا في إنتاج التستوستيرون. لذا، فإن الاهتمام بالصحة النفسية وتغيير أسلوب الحياة وتوفر التدخلات الطبية المناسبة من أهم ما ينصح به للحفاظ على الصحة العامة والهرمونية.
٤. التغيرات المجتمعية الثقافية
• تراجع المجهود البدني:
تغيرت طبيعة العمل جذريً تبعًا لانحسار الوظائف ذات المجهود البدني وتزايد الوظائف الخالية من الحركة. ويتسبب هذا التحول من العمل اليدوي إلى المكتبي بانخفاض مستويات التستوستيرون نظرًا لقلة النشاط البدني. مع ذلك، قد يساعد الحث على النشاط البدني، وبالأخص في بيئة العمل الخالية من النشاط، في تخفيف حدة هذا التأثير.
• تغير العادات الغذائية:
أحدثت التغيرات المجتمعية أثرًا ملحوظًا في العادات الغذائية، وذلك بترجيح الأطعمة المصنعة السريعة على الأطعمة التقليدية. ولهذا التحول تبعات يتعدى تأثيرها على الصحة العامة إلى التوازن الهرموني. ولهذا فإن الالتزام بتناول الأطعمة الكاملة الغنية بالعناصر الغذائية كفيل بثبات التستوستيرون ضمن النسب الصحية.
٥. الأثر التكنولوجي
• التحديق بالشاشة واضطراب النوم:
اعتكافنا لساعات طويلة محدقين أمام شاشات الهواتف الذكية والحواسيب وغيرها من وسائل الترفيه أحدث اضطرابات في أنماط النوم لدينا. فالاستغراق في النوم لازمٌ لإنتاج هرمون التستوستيرون الذي يُفرَز أغلبه في مرحلة حركة العين السريعة من النوم الريمي. إلا أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يتعارض مع إنتاج هرمون الميلاتونين المنظم للنوم، وبالتالي تنخفض مدة النوم وجودته. ولهذا، فكلما التزمنا بعادات صحية قبل النوم -كتقليص وقت مكوثنا أمام الشاشة- انضبطت مستويات التستوستيرون على نحو مثالي في أجسامنا.
• وسائل التواصل الاجتماعي والانطباعات الجسدية:
تتحكم وسائل التواصل الاجتماعي بانطباعاتنا عن أجسادنا وتقديرنا لذواتنا. فاتباع حميات غذائية قاسية أو الإفراط في ممارسة التمرينات الرياضية وغيرها من السلوكيات المؤذية، جنبًا إلى جنب مشاعر الاستياء من أشكال أجسامنا نابع من المشاهدة المتواصلة لما يسمى بمعايير الجسم المثالي. ولهذه السلوكيات أثر سلبي على الصحة الهرمونية، لذلك فمن الضروري أن نبني صورة واقعية وسليمة لأجسامنا كي نحافظ على الصحة النفسية والهرمونية.
التدابير الوقائية والحلول
• زيادة النشاط البدني:
يتحتم علينا أن ندرج النشاط البدني المنتظم على رأس أولوياتنا حتى نضبط التستوستيرون عند مستوياته الطبيعية، وبالأخص تمارين المقاومة والتمارين المكثفة المتقطعة (HIIT) نظرًا لفعاليتهما في زيادة إنتاج التستوستيرون. إذ إن زيادة الحركة ضمن أعمالنا اليومية؛أي خلال فترات الجلوس والاعتماد على وسائل النقل النشطة مفيد للغاية.
• العادات الغذائية:
إن التركيز على العادات الغذائية القائمة على الأطعمة الكاملة الغنية بالعناصر الغذائية يعزز الصحة الهرمونية. كما أن الالتزام بتناول كميات كافية من الفيتامينات والمعادن اللازمة لإنتاج هرمون التستوستيرون -كالزنك وفيتامين د- أمرٌ بالغ الأهمية. بالإضافة لما في التقليل من استهلاك الأطعمة المصنعة والسكريات من آثار إيجابية على ضبط مستويات التستوستيرون.
• إدارة التوتر:
يُساعد التدرب على تقنيات إدارة التوتر، مثل اليقظة الذهنية والتأمل والنشاط البدني المنتظم، في خفض مستويات الكورتيزول ورفع إنتاج التستوستيرون الصحي. كما أن دعم الحوارات المفتوحة المتعلقة بالصحة النفسية وتوفير البدائل الصحية لمن يُعانون من صعوبات يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.
• الحد من مُعطِّلات الغدد الصم:
إن اقتناء المنتجات الخالية من مادة البيسفنول أ(BPA)، والاعتماد على منتجات العناية الشخصية الطبيعية، والاستغناء عن عبوات الطعام البلاستيكية يلعب دورًا بارزًا في حماية الصحة الهرمونية. إذ لا بد من رفع الوعي والثقافة بمصادر هذه المواد الكيميائية وتأثيراتها السلبية للوصول لخيارات صحية.
• تحسين عادات النوم:
لضمان نوم جيد، لا بد من الالتزام بعادات صحية قبل النوم، كالخلود للنوم في مواعيد منتظمة وتهيئة بيئة هادئة وتقليص وقت المكوث أمام الشاشة قبل النوم. فالاستغراق في النوم لساعات كافية ضروري لإنتاج الحد الأمثل من التستوستيرون.
خلاصة القول
إن مشكلة انخفاض مستويات التستوستيرون عند رجال جيلي الألفية وZ متعددة الأبعاد، تتأثر بعوامل بيئية ونفسية اجتماعية ومجتمعية، فضلًا عن أسلوب الحياة. وحل هذه المشكلة، يقتضي اتباع نهج متكامل يشمل زيادة النشاط البدني وتحسين العادات الغذائية وإدارة التوتر والحد من معطلات الغدد الصم وتحسين جودة النوم. وبانتقاء خيارات صحية لأسلوب الحياة وتوفير بيئة داعمة يُمكننا ضبط انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون وضمان الصحة العامة والرفاهية للأجيال الشابة.
*جيلا الألفية وZ هم المواليد بين عامي (1981- 2010).
ترجمة: آلاء نوفلي.
تدقيق: فريال حنا
- ترجمة: آلاء نوفلي
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1