لماذا لا يمكننا أن نتذكّر حينما كُنّا أطفالًا؟

وأنت تنظر حولك وترى تجمّعًا مُبتهجًا ومزدحمًا، وتنظر بفضول إلى كعكة الشّكولاتة الّتي تمّ وضعها أمامك، وفجأة يبدأ الجميع بغناء “عيد ميلاد سعيد” وما تقوم به أنت بالفطرة هو العبث بالكعكة بيديك الاثنتين.

يبدو هذا السّيناريو غريبًا؛ باستثناء حقيقة أنّك تجلس على كرسيٍّ عالٍ، والّذي يبدو أغرب؛ أنّه اصبح عمرك سنة!

من المُحتمل أنّك لا تذكر أوّل أو ثاني حفلة ميلاد لك، أو أيّ أحداث حدثت في وقتٍ مبكرٍ من طفولتك.

لست وحدك.

من الطّبيعيّ أن تنسى تجارب الحياة المبكرة على الرّغم من أهمّيّتها وتأثيرها، فأغلب البالغين لا يمكنهم تذكّر ذكريات حياتهم القديمة مالم يتم تذكيرهم بها من قِبل الآخرين الّذين عادة ما يقومون بسرد الأحداث أو تذكّرها من خلال الصّور او أشياء أخرى.

هذه ظاهرة علميّة تسمى: فقدان ذاكرة الطفولة.

لكن من الممكن أنّك تتذكّر حفل عيد ميلادك الثّاني بكل التّفاصيل لمدّة شهر بعده، فبعد سنةٍ من المحتمل أنّها تختفي وبالنّهاية، تنساها كلّها!

يشير الباحثون إلى أنّ معدّل محو ذكريات الطّفولة هو سببٌ محتمل، معتقدين أنّ التّجارب الجديدة ببساطة تعني مسح بعض الذكريات القديمة حتّى عمر ثلاث سنوات في دراسة واحدة يمكن للأطفال تذكّر أحداث مهمّة حدثت معهم في السّنة الأخيرة، ومعدّل التّذكّر العالي يستمر حتى السّابعة من عمرهم حيث انّ المشاركين في الدّراسة يتذكّرون تقريبًا بنسبة اثنين وسبعين بالمئة من الأحداث الّتي تذكّروها عندما كانوا في عمر ثلاث سنوات، ومع ذلك؛ بحلولهم عمر الثّامنة أو التّاسعة بأيّ حال من الأحوال أغلبهم يمكن أن يتذكّرو بوضوح فقط خمسٌ وثلاثين بالمئة من تجاربهم في الحياة عندما كانوا بعمر الثّلاث سنوات.

استنتج الباحثون أنّ التّغيير ينتج من طريقة تشكّل الذّكريات في عمر الطّفولة، ويبدأ الأطفال بعمر السّابعة بزيادة تخزين الذّكريات الخطّيّة مع الإحساس بالزّمان والمكان.

وأنه من الممكن أن يقود تذكر الأحداث وتصنيفهم مع الخط الزّمنيّ الشخص إلى النّسيان النّاجم عن الاسترجاع، وهذا السّبب هو الّذي يقود الأطفال الكبار والبالغين إلى مسح الذّكريات القديمة، بسبب تذكّرهم تفاصيل دقيقة حول الأحداث لفهم لماذا نحن لا نتذكّر عندما كنّا أطفالًا رضّع أو أي شيء آخر من سنوات طفولتنا.

يجب علينا أولاً :

– فهم كيف يتم تخزين تجاربنا المبكرة في العقل،

حيث يعتمد الأطفال الرّضّع على الذّكريات اللفظيّة والصّوريّة، وكما أن الذّكريات اللفظيّة هي مخرجات لأفكار ليست من التّجارب الشّخصيّة، مثلًا.

(أسماء الألوان وتواريخ الأحداث)

والذّكريات الصّوريّة هي ناتجة عن تجربة شخصيّة (كيف كان اليوم الأوّل في المدرسة او أين كنت في 9/11).

مع الوقت يمكن أن تتحوّل الذّكريات الصّوريّة إلى ذكريات لفظيّة، لذلك لا يمكنك تذكّر أنّك تعلّمت عن الكلاب من خلال اللعب مع كلبك الأوّل؛ لكن أنت تعرف فقط أيّ كلب هو كلبك.

يعتقد العلماء أنّ سبب عدم تمكّننا من تذكّر أحداث الطّفولة قد يكون بسبب طريقة تخزين الذّكريات والوصول إليها،

في حين الذّكريات اللفظيّة والصّوريّة يتم تخزينها في أماكن مختلفة من سطح الدّماغ المعروفة بالقشرة الّتي لا يتم ربطها بمصدر مركزيّ واحد من عمر الثّانية حتّى الرّابعة، وهذه التّوصيلات، تجعل الأطفال والبالغين قادرين على تذكّر الذكريات على المدى الطويل.

هل هذا هو الرّأي في ذكريات الطّفولة الّذي يفسّر سبب عدم تمكّننا من تذكّر عندما كنا أطفالًا ؟!

هناك دراسة أجريت عام 2014 عزّزت السّبب في عدم قدرتنا على التّذكّر هو الدّوائر في ادمغتنا.

النّتائج المنشورة في مجلّة العلوم سلّطت الضوء على فقدان ذاكرة الطّفولة عند الأطفال الكبار والبالغين حول ذكرياتهم من سنين الطّفولة، والدّراسة ركّزت على تشكيل الخلايا الجديدة في أدمغة الأطفال الرّضّع، وهي عمليّة نمو الخلايا العصبيّة الجديدة، تعرف بعمليّة تكوين الخلايا العصبيّة والّتي تحدث خلال حياة الثّديّات، ولكن الأطفال ينتجون الخلايا العصبيّة بشكل سريع.

و أين تحدث عملية الإنتاج؟

– في القرن الّذي نعتمد عليه للوصول إلى جميع الذّكريات الّتي تم تخزينها باستخدام القوارض كهدف دراسة، توصل الباحثون إلى أن جميع هذه الخلايا العصبيّة تُزرع في القرن الّذي تعيق التّشكيل ووصول الذّكريات.

و في الحقيقة… عندما استخدم الباحثون الأدوية لتثبيط عدد الخلايا العصبيّة الّتي تتشكّل في القوارض، استطاعوا أن يتذكّروا بشكل افضل زيادة عدد الخلايا العصبيّة الّتي أثّرت بشكل سلبيّ،

مع كل هذه البحوث حول الطّفولة، ليس هناك إجابة نهائيّة حول متى بالتّحديد نفقد ذكرياتنا كأطفال حتى مع الأصدقاء من حولك، الّذين من الممكن أن يتذكّروا تجارب الطّفولة أكثر وضوحًا من غيرهم.

ويوجد فرضيّة واحدة مثيرة للاهتمام هي القدرة على تذكّر كونك طفلًا قد تكون مرتبطة بكونك أيسر أو أيمن اليد وهذه الدّراسة تمّ نشرها في مجلّة علم الأعصاب، والّتي تفترض أنّ الناس يقومون بالمهام باستخدام كلتا يديهم قد يكونون قادرين على استحضار ذكريات الطّفولة الّتي تكوّنت في سنٍّ مبكر أكثر من الّذين يستخدمون يد واحدة وهي اليمنى.

في هذه الدّراسة حوالي مائة مشارك من الذين يستخدمون كلتا يديهم ببراعة أو اليد اليمن، تمّ الطّلب منهم بكتابة ذكريات الطّفولة على الأقل ذكرتان، وأن تكون إحدى هذه الذكريات حادثة تذكّروها شخصيًّا وأن تكون الأخرى حادثة تم إعادة سردها لهم من قبل الوالدين أو الحاضرين والّتي ستكون لاحقًا صحيحة.

هذا التّمرين تم إعداده لقياس الذكريات اللفظيّة والصّوريّة، فكشف قدرة الذين يستخدمون كلتا يديهم على استحضار الذّكريات (الصّوريّة) الّتي حدثت في سن مبكر أكثر من اّلذين يستخدمون يدهم اليمنى، بالإضافة إلى أنّ الّذين يستخدمون كلتا يديهم، استطاعوا استحضار الذّكريات الّتي تمّ إخبارهم بها من طفولتهم أيضًا والسّبب الأكثر احتماليّة الّذين يستخدمون كلتا يديهم، ربّما لديهم القدرة على التّواصل بين فصّي الدّماغ.

الصّوار الثفني: هو حزمة عصبيّة تربط فصّيّ الدّماغ ويكون فعّالًا في عمر الرّابعة أو الخامسة، في الوقت نفسه يبدأ فقدان الذكريات الطفوليّة بالتّحوّل إلى ذاكرة دلاليّة مشفّرة على جانب الفصّ الأيسر من الدّماغ وتسترجع من الفصّ الأيمن.

(يتم تشفير الذكريات اللفظيّة واسترجاعها في الفص الأيسر).

تفترض الدّراسة أنّ زيادة التّواصل بين الفصّ الأيمن والفصّ الأيسر قد يسمح للذين يستخدمون كلتا يديهم بتشفير واسترجاع الذكريات القديمة بكفاءة أعلى من أولئك الّذين يستخدمون يدهم اليمنى وأيضاً قد يمتلكون صواراً ثفنياً أكثر سُمًّا.

  • ترجمة: احمد ازهيري
  • تدقيق علمي ولغوي: مريم علي
  • المصادر: 1