الدوبامين: كيمياء السعادة والمكافأة… ومفتاح أسرار العقل والجسد

ما هو الدوبامين؟
الدوبامين هو هرمون ونوع من الناقلات العصبية، أو رسول كيميائي، يُصنّع في الدماغ، ويستخدمه الجهاز العصبي لإرسال الرسائل بين الخلايا العصبية. كما تنتقل هذه الرسائل بين الدماغ وباقي أجزاء الجسم.
يؤثر هذا الناقل العصبي الفريد على الجسم والدماغ والسلوك. فهو يلعب دورًا في الشعور بالمتعة والمكافآت. كما يشكّل جزءًا كبيرًا من القدرة البشرية الفريدة على التفكير والتخطيط. ويساعد على التركيز والعمل تجاه الأهداف واكتشاف الأشياء الممتعة.
وكما هو الحال مع معظم الأنظمة الأخرى في الجسم، فإنك لا تلاحظ وجوده في الجسم (أو ربما حتى تعرف عنه) حتى تظهر مشكلة. فالكثير أو القليل جدًا من الدوبامين يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية المختلفة. بعضها خطير، مثل مرض باركنسون. والبعض الآخر أقل خطورة.

ماذا يفعل الدوبامين؟
ينتقل الدوبامين عبر أربعة مسارات رئيسية في الدماغ. وتشبه هذه المسارات الطرق السريعة التي تحتوي على محطات توقف (مستقبلات الدوبامين) على طول الطريق. إذ يتوقف الدوبامين عند هذه المستقبلات لإرسال واستقبال رسائل مختلفة. وتُشكّل هذه الرسائل الإشارات التي تؤثر على الحركة والتناسق والمتعة والمعرفة أو التفكير.
يلعب الدوبامين دورًا حيويًا في نظام المكافأة. فعند القيام بنشاط يجلب شعورًا جيدًا، يفرز الدماغ كميات من الدوبامين، الأمر الذي يجعلك تسعى بشكل طبيعي لتكرار هذا السلوك الذي يمنحك تلك المشاعر الجيدة. ويمكن أن تتنوع هذه الأنشطة من تناول طعام لذيذ أو مشاهدة عرضك المفضل، إلى سلوكيات أكثر ضررًا مثل تعاطي المخدرات والإفراط في شرب الكحول. كما يؤثر الدوبامين على العديد من جوانب الوظائف السلوكية والجسدية، مثل: التعلّم، والتحفيز، ووظائف الكبد، والإرضاع، والنوم، والذاكرة والتركيز، والاستجابة للتوتر، والحالة المزاجية، والانتباه، والهضم وتدفق الدم، ومعالجة الألم، ومعدل ضربات القلب، ووظيفة الأوعية الدموية، والتحكم في الغثيان والقيء، والحركة.

الدوبامين مقابل السيروتونين
السيروتونين هو ناقل عصبي، مثل الدوبامين، يُنظّم الحالة المزاجية ووظائف الجسم الأخرى. يزيد كلا الهرمونان من الحالة المزاجية والعواطف الإيجابية، ويلعبان دورًا في عملية الهضم والنوم. ويرتبط السيروتونين بالسعادة والمزاج، بينما يرتبط الدوبامين بمشاعر المكافأة والتحفيز.
في حين أن هذين الناقلين العصبيين متشابهان، إلا أنهما يعملان بطرق مختلفة. إذ يُعدّ التوازن بين هذه الهرمونات مهمًا لأنها تعمل معًا في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تمنع أو تعيق بعضها البعض. وقد يؤدي نقص أي من الهرمونين إلى حدوث مشاكل في الصحة العقلية.

الدور في الصحة العقلية
من الصعب تحديد سبب واحد لمعظم اضطرابات وتحديات الصحة العقلية. لكنها غالبًا ما ترتبط بكمية كبيرة جدًا أو قليلة جدًا من الدوبامين في أجزاء مختلفة من الدماغ. وتشمل الأمثلة ما يلي:
· الفصام: يسبب هذا الاضطراب النفسي الشديد، ولكن القابل للعلاج، الهلوسة (رؤية أشياء غير حقيقية) والأوهام (الإيمان الراسخ بأفكار غير صحيحة). وتشمل الأعراض الأخرى الأفكار غير المنظمة وحركات الجسم غير العادية. ويعود السبب في ظهور هذه الأعراض إلى اختلال توازن الدوبامين على طول مسارات مختلفة.
· اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD): لا يزال سببه غير محدد بشكل نهائي. إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن نقص مادة الدوبامين قد يكون السبب في ظهور هذا الاضطراب، وقد تكون هذه المشكلة بسبب العوامل الوراثية. ولعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يُستخدم عقار ميثيلفينيديت (الريتالين) وذلك من خلال زيادة مستويات الدوبامين في الدماغ.
· تعاطي المخدرات والإدمان: يمكن للمخدرات مثل الكوكايين أن تسبب زيادة كبيرة وسريعة في كميات الدوبامين في الدماغ. وهذا يرضي نظام المكافآت لديك إلى حد كبير. لكن الاستخدام المتكرر للمخدرات يرفع أيضًا عتبة الشعور بالمتعة. وهذا يعني أنك بحاجة إلى تناول المزيد لتحقيق المستوى نفسه من النشوة. وفي الوقت نفسه، تؤثر المخدرات على قدرة الجسم على إنتاج الدوبامين بشكل طبيعي، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض عاطفي عندما تكون رصينًا.

علاقة الدوبامين بأمراض أخرى
يلعب الدوبامين أيضًا دورًا في الأمراض التي لا تتعلق بالصحة العقلية. وأحد هذه الأمراض مرض باركنسون، والآخر هو السمنة.
· مرض باركنسون: يمكّن الدوبامين العصبونات، أو الخلايا العصبية، في الدماغ من التواصل والتحكم في الحركة. ولكن في مرض باركنسون، تتحلّل العقد القاعدية، التي تُعدّ جزءًا مهمًا من خلايا الدماغ والأعصاب التي تتحكم في حركة الجسم، بشكل مطرد. وبدون إرسال المزيد من الإشارات، ينتج الجسم كمية أقل من الدوبامين. وتؤدي هذه التغيرات في الدماغ إلى خلل كيميائي يسبب أعراضًا جسدية، بما في ذلك الرعشة والتصلب وتباطؤ الحركة الإرادية وضعف التوازن وضعف التنسيق. ويعالج الأطباء هذه الأعراض بالأدوية التي ترفع مستويات الدوبامين.
· السمنة: في معظم الأحيان، إذا تناولت سعرات حرارية أكثر مما تحرقه، سوف تكتسب وزنًا. إذن، لماذا لا يستطيع الأفراد الذين يعانون من السمنة تناول كميات أقل من الطعام وفقدان الوزن؟ الجواب ليس بهذه البساطة. فإذا كنت تعاني من السمنة، قد تواجه عقبات لا يواجهها الآخرون، بما في ذلك مشاكل في أنظمة المكافأة الطبيعية لديك. إذ يمكن أن يؤثر ذلك على كمية الطعام الذي تتناوله قبل أن تشعر بالشبع. وتشير الدراسات إلى أن الجسم قد لا يفرز ما يكفي من الدوبامين والسيروتونين لدى الأفراد المصابين بالسمنة.

بإمكان الدوبامين إنقاذ الأرواح
يمكن أن يلعب الدوبامين دورًا منقذًا للحياة في استرخاء أو شدّ الأوعية الدموية (الأوردة والشرايين). إذ يستخدم الأطباء الدوبامين الموصوف طبيًا (إينوتروبين) لعلاج انخفاض ضغط الدم، وضعف النتاج القلبي (عندما لا يضخ القلب كمية كافية من الدم)، وضعف تدفق الدم إلى الأعضاء الحيوية، وبعض حالات الصدمة الإنتانية. فإذا وصف لك الطبيب الدوبامين، راقب الآثار الجانبية التالية: عدم انتظام ضربات القلب، معدل ضربات قلب أسرع، صعوبة في التنفس، ألم في الصدر، الغثيان والقيء، الصداع. ومن المهم أن يعرف الطبيب جميع الأدوية التي تتناولها، لأنه يتفاعل مع الكثير من العقاقير.

أعراض انخفاض وارتفاع مستويات الدوبامين
لا يُقاس الدوبامين عن طريق فحص الدم، لذلك لا يوجد رقم معين يوضح أن لديك مستوى طبيعي. بدلًا من ذلك، سيطرح عليك الطبيب الكثير من الأسئلة حول تاريخك الطبي وأسلوب حياتك وما تشعر به. فإذا كان لديك مستوى طبيعي ومتوازن من الدوبامين، سوف تشعر بالسعادة والتحفيز واليقظة والتركيز.
· أعراض انخفاض الدوبامين: إذا كان لديك مستويات منخفضة من الدوبامين في الدماغ، فقد تعاني من الأعراض التالية: قلة الدافع لإكمال المهام أو تحقيق الأهداف، عدم الشعور بالمتعة في الأنشطة التي كنت تستمتع بها ذات يوم، طاقة قليلة، القلق أو الحزن، صعوبة التركيز، مشاكل في النوم، وانخفاض الدافع الجنسي.
· أعراض ارتفاع الدوبامين: أما إذا كان مستوى الدوبامين لديك مرتفعًا، فقد تشعر بما يلي: النشوة، أو الإثارة الشديدة والسعادة، مستويات عالية من الطاقة، وزيادة الدافع الجنسي.
ويشمل الجانب السلبي لوجود الكثير من الدوبامين في الدماغ: مشاكل في النوم، سلوك عدواني، وصعوبة التحكم في السلوكيات.

كيفية زيادة الدوبامين
يُعدّ الدوبامين مادة كيميائية معقدة في الدماغ، وما زال العلماء يتعلمون كيفية عملها. إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن بعض الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم والتيروزين، وهو حمض أميني يتحول إلى الدوبامين في الدماغ، قد تزيد من مستوياته. ومن الأمثلة على ذلك الدجاج واللوز والتفاح والخضار الورقية الخضراء والشاي الأخضر والطماطم والكركم. كما تزداد مستويات الدوبامين عندما تقوم بأنشطة تجلب لك السعادة والاسترخاء.
للحصول على دفعة من الدوبامين، يمكنك الابتعاد عن الهاتف والاتجاه لممارسة الرياضة، أو قضاء بعض الوقت في الطبيعة، أو قراءة كتابك المفضل. ومن المكملات الغذائية التي تعزّز مستويات الدوبامين: تيروزين، إل-ثيانين، فيتامينات د، ب5، ب6، أحماض أوميجا 3 الدهنية الأساسية، والمغنيسيوم.

إزالة سموم الدوبامين
أصبحت تقنية إزالة سموم الدوبامين، المعروفة أيضًا بصيام الدوبامين، شائعة في السنوات الأخيرة. وقد طُوّرت هذه التقنية لأول مرة على يد الدكتور كاميرون سيباه كجزء من علاج سلوكي إدراكي يهدف إلى مساعدة الأفراد الذين يعانون من سلوكيات اندفاعية وإدمانية. فبدلًا من الاستجابة الفورية لدوافع الشعور بالرضا الناتجة عن إفراز الدوبامين، تركّز هذه الممارسة على تعزيز قوة الإرادة لإدارة استجاباتك لتلك الدوافع.
إن مصطلح التخلص من سموم الدوبامين يقود الناس إلى الاعتقاد بأن التوقف عن جميع الأنشطة الممتعة سيعيد ضبط مستويات الدوبامين. وهذا ليس صحيحًا، لأن الجسم يستمر في إنتاج الدوبامين حتى لو امتنعت عن القيام بالأشياء التي تجعلك سعيدًا.
بدلاً من ذلك، يتضمن صيام الدوبامين إدارة سلوكياتك وتلبية احتياجاتك من خلال استهداف السلوكيات التي ترغب في تحسينها. فمن خلال الصيام، يمكنك استبدال العادات غير الصحية بأنشطة صحية.

كيفية التخلص من سموم الدوبامين
إن التخلص من سموم الدوبامين لا يعني أن تمتنع عن جميع الأنشطة التي تجلب لك السعادة. بدلًا من ذلك، عليك التركيز على استهداف السلوكيات التي تسبب مشاكل في حياتك، والتي تندرج عادةً ضمن الفئات التالية: الأكل من أجل المتعة أو الأكل العاطفي، الإنترنت أو الألعاب، القمار أو التسوق، الإباحية أو الاستمناء، سلوكيات البحث عن الإثارة، وتعاطي المخدرات الترفيهية.
قد يعني صيام الدوبامين أشياء مختلفة لأفراد مختلفين. فبالنسبة للبعض، يعني الابتعاد تمامًا عن الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. بينما يحاول آخرون استخدام أشكال متطرفة وغير صحية من الصيام، مثل الامتناع عن ممارسة الأنشطة الصحية مثل الأكل أو ممارسة الرياضة.
لا يوجد نهج واحد محدد لصيام الدوبامين. ولكن إحدى التوصيات هي بدء الصيام تدريجيًا، بدءًا من بضع ساعات، إلى يوم واحد في الأسبوع، ثم أسبوع كامل، وما بعد ذلك بطريقة لا تؤثر سلبًا على حياتك.

الخلاصة
الدوبامين هو هرمون معقد وناقل عصبي يؤثر على العواطف والسلوك والحركة. إنه يلعب دورًا رئيسيًا في شعورنا بالمتعة، والسعي للحصول على المكافآت، والبقاء متحفزين. قد تسبب مستويات الدوبامين المرتفعة جدًا أو المنخفضة جدًا حالات عقلية وجسدية مثل مرض باركنسون والفصام. تحدث إلى طبيبك إذا كنت قلقًا بشأن مستويات الدوبامين لديك.

الأسئلة الشائعة حول الدوبامين
كيف يؤثر الدوبامين على الإنسان؟ يؤثر الدوبامين على الحالة المزاجية والعواطف والسلوكيات. ستشعر بالسعادة والتحفيز واليقظة والتركيز إذا كان لديك مستوى متوازن من الدوبامين. ويؤدي وجود كمية كبيرة أو قليلة جدًا من الدوبامين إلى حدوث مشاكل في السلوك الاندفاعي والنوم والحركة.
كيف يجعلك الدوبامين سعيدًا؟ يرسل الدوبامين رسائل كيميائية إلى الدماغ لإعلامك بأن هناك شيئًا ما يبدو جيدًا. ثم ترسل هذه المادة الكيميائية التي تمنحك شعورًا جيدًا إشارات إلى الدماغ ليشعر بهذا الشعور السعيد عندما تفعل الأشياء التي تستمتع بها.
كيف يمكنك زيادة الدوبامين؟ يمكن أن يساعدك نمط الحياة الصحي والنظام الغذائي الغني بالمغنيسيوم والتيروزين وبعض المكملات الغذائية في الحفاظ على مستويات متوازنة من الدوبامين. كما يمكنك زيادة الدوبامين عن طريق القيام بالأشياء التي تستمتع بها.
هل يساهم الجنس في إفراز الدوبامين؟ يثير الدوبامين مشاعر الإثارة والتحفيز والمكافأة. فإذا كانت تجربة ممارسة الجنس ممتعة، يطلق الجسم دفعة من الدوبامين استجابةً لتلك المشاعر الجسدية الجيدة.

  • ترجمة: تقوى العبيدي
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1