أربع علامات نفسية تشير إلى التطرف الفكري

يدرس علم النفس العلاقات بشكل كبير ومدى قدرتنا على إثبات الروابط بين العلاقات والسببية. فغالبًا ما يُقال لنا أن “العلاقة لا تعني السبب” في عالم البيانات. مثال كلاسيكي: لمبيعات الآيس كريم علاقة إيجابية مع معدلات الجريمة. لا يتسبب الآيس كريم في الجريمة، ولكن يبدو أن أشهر الصيف تتسبب في كليهما.

لكن ذلك لا يُعدّ قاعدة ثابتة. فعلى الرغم من أن الارتباط لا يعني دائمًا وجود علاقة سببية، إلا أنه يمكن أن يشير إليه أو يوحي به بشكل جدي في كثير من الأحيان.

يتعامل علماء النفس مع هذا الأمر طوال الوقت. على سبيل المثال، كان من الواضح شفهيًا، ولآلاف السنين، ميل الأفراد الذين ينامون أقل إلى الأداء بشكل أسوأ في مهام الذاكرة والانتباه واتخاذ القرار، وغالبًا ما يحقّق الشباب أصحاب مواعيد النوم غير المنتظمة درجات متدنية. فذلك ليس سوى “ارتباط”. لقد أصبح لدينا في الفترة الأخيرة فقط نسبيًا أدوات التصوير العصبي والتجهيزات العصبية العلمية لإثبات العلاقة السببية.

لقد كان حاضرًا في مقابلة Mini philosophy لهذا الأسبوع طيف العلاقة/السببية مع الكاتبة الحائزة على الجوائز ليور زميغرود حول كتابها الأخير “العقل الأيديولوجي”. يستكشف كتاب زميغرود الأيديولوجيات المتطرفة، وقد قضت حياتها المهنية في البحث عن هذه العلاقات. خلال مقابلتنا، شاركت زميغرود نتائج كتابها ومهنتها لتجادل وجود أربعة عوامل رئيسية ترتبط بامتلاك الفرد لمعتقدات أيديولوجية متطرفة. وبعبارة أخرى، هذه هي العوامل التي تؤدي في أغلب الأحيان إلى أن يصبح الفرد متطرفًا.

الجمود المعرفي

تقول زميغرود: «الجمود المعرفي هو الميل لرؤية العالم بطريقة ثنائية تمامًا. إنه المكان الذي تكافح فيه حقًا للتكيف مع التغيير، وتميل إلى التفكير في مسار ذهني واحد بدلًا من التبديل بين أنماط تفكير مختلفة».

توجد العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها اختبار هذا النوع من الجمود، لكن الطريقة المفضلة لزميغرود هي أن تطلب من الفرد تخيُّل الاستخدامات المحتملة لشيء ما. لنفترض أنني أريتك زجاجة كوكا كولا: كيف يمكنك أن تستخدمها؟

سيجد القارئ الأكثر جمودًا صعوبةً في التفكير خارج إطار “يمكن أن تحمل سائلًا”. بينما سيرى آخرون أنها يمكن أن تكون حامل شموع، أو حوض زراعة صغير، أو مزهرية، أو موزع ملح، وعلى هذا المنوال. هذا الجمود في التفكير غالبًا ما يكون مرتبطًا بالأيديولوجيات المتطرفة. فكلما كانت أفكار الفرد أكثر جمودًا، زادت ميوله نحو التطرف.

الاندفاع العاطفي

العامل الثاني هو “الاندفاع العاطفي” أو التقلب العاطفي. إذ يميل هؤلاء الأفراد إلى «البحث عن الإثارة والمشاعر في حياتهم اليومية»، كما تقول زميغرود. مضيفةً: «إنهم يريدون هذا التجديد وهذا الإحساس. وهذا هو الفرد الذي سيُسرع للانطلاق إلى مقدمة الصف».

هذا ليس مفاجئًا جدًا. فمن المنطقي أن يميل الأفراد المتطرفون في حياتهم اليومية إلى تبني أيديولوجيات متطرفة. لكن الأمر يتعلق أيضًا بمجموعة أخرى من السمات المشتركة، وهو ما تسميه زميغرود ميل بعض الأفراد إلى “الانجذاب نحو الحلول العنيفة والتضحية بالنفس”.

إذا فكرت في أصدقائك: من هو الأكثر احتمالًا لبدء شجار؟ من هو الأكثر احتمالًا لفعل شيء متهور والاندفاع دون النظر؟ حسنًا، قد ترغب في التحقق من مدى تطرفهم في أفكارهم الأيديولوجية.

علامتا التطرف التاليتان غير مرئيتين لنا، إلا إذا كنت تقرأ هذا المقال وأنت جالس على كرسي بعجلات بجانب جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي.

اللوزة الدماغية (Amygdala)

في مقابلتنا، كشفت زميغرود عن وجود جانبين عصبيين بيولوجيين في دماغ الإنسان يرتبطان بزيادة احتمالية الميل إلى التطرف. ويتمحور أول هذين الجانبين حول اللوزة الدماغية.

تقول زميغرود: «تُعدّ اللوزة الدماغية مسؤولةً عن معالجة المشاعر السلبية مثل الخوف، والتهديد، والاشمئزاز. وهذه المنطقة في الدماغ تكون في الواقع أكبر لدى الأفراد ذوي الميول اليمينية مقارنةً بأولئك ذوي الميول اليسارية. وهذا الاكتشاف كان ثابتًا عبر عدة دول ومئات المشاركين، مما يشير إلى أن هذه المنطقة من الدماغ قد تهيئ الفرد لتبنّي أيديولوجيا يمينية أو يسارية».

لدينا مؤشرات ومجموعات بيانات، وأدلة وملاحظات. ويبقى الأمر لنا نحن القرّاء لنستنتج ما نعتقد أنه ينبغي استنتاجه.

قشرة الفص الجبهي الأمامية

يرتبط الجانب العصبي البيولوجي الآخر للأيديولوجيات المتطرفة بقدرتنا على “اتخاذ القرارات الأكثر تعقيدًا والتفكير العقلاني”، وهي قدرات توجد في قشرة الفص الجبهي الأمامية. ووفقًا لدراسة أُجريت عام 2025 من قِبل أدريان-فينتورا وآخرين نُشرت في مجلة Neuroscience (علم الأعصاب)، يميل الأفراد الذين لديهم قشرة أمامية-وسطى ظهرية (dorsomedial PFC) أرق إلى إظهار سمات سلطوية أقوى، سواءً من اليسار أو اليمين السياسي، حتى بعد ضبط عوامل مثل العمر والجنس وحجم الدماغ الكلي.

وكما تقول زميغرود: «يختلف الدماغ في الوظيفة والبنية تبعًا لما إذا كنت تؤمن بأيديولوجيا متطرفة أو بأخرى معتدلة».

وكما أشرنا سابقًا، تعتبر هذه مجرد ملاحظات ترابطية (وليست سببًا مباشرًا). ولا بد من إجراء المزيد من الدراسات، وربما تطوير المزيد من التقنيات، لإثبات العلاقة السببية بشكل كامل، كما فعلنا في حالة الحرمان من النوم. لكن حتى في تلك الحالة، من غير المرجح أن يكون الجواب واضحًا تمامًا (أبيض أو أسود).

العمل بشكل عكسي

يُعدّ تشكُّل المعتقدات مجالًا معقّدًا يجمع حوله علماء الأعصاب، وعلماء النفس، والفلاسفة في نقاشات محتدمة. إذ لن يكون هناك يومًا عامل واحد يمكننا الإشارة إليه والقول: «نعم، هذا يعني أن تيمي سيكون متطرفًا».

إن الطبيعة والتنشئة، وتركيبة الدماغ والبيئة، والوراثة والتربية، كلها عوامل تتداخل معًا في مزيج معرفي معقّد يشبه الحساء متداخل المكونات. ولكن ما يثير الاهتمام، مع ذلك، هو النتائج المترتبة على هذه الملاحظات، خصوصًا أول اثنتين منها.

فإذا كنا نعلم أن الجمود المعرفي والتقلّب العاطفي يميلان بالفرد نحو التطرف، يمكننا عندها عكس هندسة المشكلة. ونستطيع فعل ذلك عن طريق تربية الأطفال ليكونوا أقل تقلّبًا من الناحية العاطفية، ومساعدة الأصدقاء على توسيع عوالمهم المعرفية، عندها نأمل في عكس مسار التصاعد نحو التطرف.

لكن عندما ينعزل الناس في فقاعاتهم، ويصرخون في وجه بعضهم البعض ضمن قبائل أيديولوجية تزداد تطرفًا وضجيجًا، فإن النتيجة واحدة وستكون سيئة.

ربما يمكننا كسر هذا الاتجاه. فكل ما نحتاج إليه هو أن نفكّر في استخدامات أكثر لزجاجة الكوكا كولا.

  • ترجمة: ريم الأحمد
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1