لا تفكر بالاستقالة الصامتة بل تعلم معنا كيف تضع الحدود في العمل
تسترعي مسألة الاستقالة الصامتة الكثير من الانتباه مؤخراً في صفحات التواصل الاجتماعي وهي منتشرة أكثر مما تتخيل، فقد أظهر مسح حديث لمؤسسة غالوب أن حوالي نصف العاملين في أمريكا يلجؤون للاستقالة الصامتة. إذ يتبنى هؤلاء الموظفون فكرة عدم بذل جهد كبير في العمل، وقد ظهرت هذه الفكرة في الكثير من الحالات كاستجابة لشعورهم بأنهم يعملون فوق طاقتهم. وتبنى المؤيدون للفكرة عبارة “اعمل حسب أجرك” لتشجيع العمال على العمل على قدر ما يُدفع لهم فقط في محاولة لوضع حدود في العمل. ويحذر المسؤولون التنفيذيون في الشركات وبعض خبراء المسار المهني من أن العمل بالحد الأدنى قد يؤدي على المدى الطويل إلى عواقب وخيمة على حياة الموظفين المهنية وعلى أرباب عملهم على حد سواء.
أنيتا ويليامز وولي، الأستاذ المساعد في النظرية والسلوك التنظيمي في جامعة كارنيجي ميلون، تشجع العاملين على لعب دور فعال أكبر في تحسين حياتهم العملية بدلاً من أخذ منحى سلبي إذ تقول: “إذا انزعجت من شيء ما فإنك غالباً تبالغ في اعتقادك بأنه غير قابل للحل ولا أظن بأنه يترتب عليك الاستقالة الصامتة لتخرج من الموقف”.
فيما يلي الطرق التي تقترحها وولي وغيرها من الخبراء حول كيفية وضع حدود في العمل قبل الوصول لنقطة الابتعاد نهائياً:
كن صريحاً حول ما هو الحل المجدي أو غير المجدي:
عادة ما يتخذ الموظفون الذين يعملون بأقل جهد قراراً بتغيير وتيرتهم بهدوء، ما يشير إلى أنهم لن يناقشوا قرارهم مع صاحب العمل مباشرة. لكن التزام الصمت حيال كل شيء ليس الخطوة الأمثل لوضع حدود في العمل. يقول جيم هارتر، كبير العلماء في إدارة مكان العمل في مؤسسة غالوب: “يمكن إحداث فرق كبير من خلال التحدث إلى مديرك حول أي مشكلة وحول ما هي أهدافك الشخصية، وحاول اللجوء لتلك المحادثات الهادفة في أغلب الأحيان لإنشاء نظام للمساءلة، فهذا يشجع على بناء ثقافة الإنصاف وسيعطي نتائج جيدة لك ولرفاهيتك وللشركة” على حسب قول هارتر. وإذا انتابك شعور بعدم الرضا عما يتوقع منك إنجازه مقابل ما تكسبه، فقد حان الوقت للتحاور حول راتبك أيضاً. تقول ماري نايس، مستشارة في المسار المهني ومكان العمل أن التحادث مع مديرك، والدعوة إلى زيادة الأجر من خلال توضيح نقاطك بوضوح حول سبب استحقاقك لزيادة الراتب، قد يكون أمراً بناءاً للغاية، “إن المحادثات حول المال ليست مريحة، لكنها أيضاً متوقعة وتستحق المحاولة تماماً”.
خذ إجازة:
قد يكون من الصعب على البعض طلب إجازة حتى وإن نص عقد العمل على استحقاقه لإجازة مدفوعة. ووفقاً لجمعية السفر الأمريكية، لم يستخدم الأمريكيون ما متوسطه %33 من أيام الإجازة المدفوعة في عام2020. وقد يؤدي عدم أخذ استراحة من العمل إلى الإرهاق والإجهاد المزمن ومشاكل صحية أخرى. تقول نايس، المستشارة الوظيفية: “من الصعب تكوين وجهة نظر ونحن نمارس الروتين العادي، وتتيح لنا أيام الإجازة المدفوعة الفرصة لكسر الروتين وتجاوز حلقة التوتر”. تحديد أولوياتك يعني الحصول على أيام إجازتك المستحقة (مع إشعار مسبق لمديرك) لكي تحصل على بعض الراحة وتعود إلى العمل وقد شحنت طاقتك. تذكر: الأيام موجودة لاستخدامها!
ضع حداً للإشعارات خارج ساعات العمل:
لقد طمست السنوات القليلة الماضية خطوط التوازن بين العمل والحياة من خلال العمل عن بعد، ما أدى إلى تزايد الاستياء مع استلام أي بريد إلكتروني أو رسالة عبر مجموعة تواصل عاملين الشركة بعد ساعات العمل. تقول آنا جونر، خبيرة استراتيجية في المهن ولديها حوالي خمس سنوات من الخبرة في مجال الموارد البشرية: “إن وضع حدود لإمكانية أن تكون متاحاً خارج ساعات العمل يمكن أن يوضح هذه الخطوط أكثر. لكن المفتاح هو التواصل مع فريقك حول ما هي هذه الحدود، فالمدراء لا يقرأون أفكارك لذلك يجب إبلاغهم عن مدى تواجدك. وإذا كنت تخطط لوضع هاتفك على” عدم الإزعاج “أو كنت تقيد المدة الزمنية للرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعة محددة، فتأكد من إبلاغ ذلك بوضوح إلى بقية أعضاء فريقك لإدارة توقعاتهم منك”.
ضع صحتك النفسية والجسدية ضمن أولوياتك:
صحتك العقلية والجسدية أساس رفاهيتك وأدائك في العمل. ويعد العاملون بالتدريس من بين الأشخاص الأكثر معاناة في سبيل تحقيق هذا التوازن. وقد نشرت مؤسسة غالوب مؤخراً نتائج استطلاع أجرته في شباط/فبراير شمل العاملين في المراحل الدراسية الأولى والعاملين في الكليات والجامعات، مؤكداً أنهم يعانون من أعلى مستويات الإرهاق في الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بالصناعات الأخرى.
أما في مجال صناعة الصحافة، فقد زاد الإرهاق وأدى الوباء إلى مغادرة الكثير من الصحفيين بسبب ارتفاع مستويات التوتر والقلق. (يقدر مكتب إحصاءات العمل أن وظائف الصحافة ستنخفض بنسبة 4.8% بحلول عام 2030).
هناك بعض الخطوات الصغيرة التي يمكن للعمال اتخاذها للمساعدة في تخفيف التوتر. تعمل ليزلي رانجيل، مذيعة في FOX 7 Austin، والمعروفة أيضاً باسم “The News Yogi”، لمواجهة إرهاق صناعة الأخبار من خلال قيادة أكثر من 500 صحفي في جلسات اليوغا والتأمل للمساعدة في إدارة مستويات التوتر لديهم. تعتقد رانجيل أن اتخاذ خطوات في حياتك الشخصية مثل اليوغا والتأمل الذهني يمكن أن يؤثر كثيراً على حالتك الذهنية أثناء ساعات العمل. تقول رانجيل:” هناك فكرة خاطئة شائعة مفادها أن ممارسة اليوغا تعني وضع حصيرة والتأمل، ولكن في الواقع يمكن أن تكون اليوغا بسيطة مثل التنفس العميق، حاول ممارسة هذا خلال يومك “.
حاول إيجاد مغزى من عملك:
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في الإرهاق في العمل هو تزايد المسافة النفسية أو الحالة السلبية المرتبطة بوظيفة الفرد. إن الشعور بالشغف والهدف والتنوع في العمل الذي تقوم به له تأثير كبير، وتقول وولي من جامعة كارنيجي ميلون: “من المفيد أن تشعر بأنك تفعل شيئًا مؤثراً، أو عملاً يثير اهتمامك، أو تشعر بأنه مهم للشركة”. قد يكون من الصعب تبني هذه العقلية عندما يبدو عملك عادياً، لكن تجادل وولي بأن حتى المهمة البسيطة المتمثلة في حفظ الملفات “تلعب دوراً في النتائج المهمة للشركة”. تقول نايس كون عملك ذو معنى يمكن أن يتجاوز مساهماتك لشركة ما. وتقول إن من ضمن المحفزات أيضاً العوامل التي تحسن حياتك، مثل إقامة علاقات مع زملاء العمل، وتأمين الاستقرار المالي أو المكاسب، أو الحصول على الرعاية الصحية.
لذلك قبل “الاستقالة الصامتة” من وظيفتك، أو الاستقالة التامة، حاول أن تجعل مكان عملك الحالي مناسباً لك ولأهدافك. تقول رانجيل: “إذا لم تكن قد وضعت حدوداً وتواصلت حول ما تريده، فإنك تنقل كل هذا الغموض معك إلى مكان مختلف عندما تذهب إلى وظيفة أخرى إذ يمكنك التخلص من مسببات التوتر، ولكن لا يمكنك التخلص من هذا التوتر”.
- ترجمة: رنا السوقي
- تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
- المصادر: 1