أسباب الإرهاق عند الشباب

أتت طالبة سابقة الى المدينة مؤخرًا، ورتبنا لقاء لتناول القهوة والدردشة. هي في مرحلة الدراسات العليا، ولكن خلال حديثنا، ذكرت تجربة أصدقائها الذين شغلوا وظائف احترافية بعد الكلية مباشرة. وقالت إن الجميع “بائسون” ويشعرون “بالإرهاق”، ولا يعمل أي منهم في تقديم الرعاية أو المهن الخدمية، وهي المجالات التي أُبلغ عن الإرهاق فيها، خاصة في أثناء الوباء، ولا أحد منهم أكبر من 26 عامًا، هل يمكن لمثل هؤلاء الشباب، كما اعتقدت، أن يكونوا بالفعل مُستَنفَدين ويكافحون في الوظيفة، لدرجة أنهم يشعرون بالإرهاق؟

على ما يبدو، نعم. فوفقًا لشركة الخدمات المهنية Deloitte، في استطلاعها لعام 2023 من جيل التسعينات والألفية، أفاد 52% من جيل التسعينات (حتى سن 27) أنهم يشعرون بالإرهاق. هذا الرقم أعلى من جيل الألفية الأكبر سنًا (حتى سن 40)، الذين يشعر 49% منهم بالإرهاق، وارتفعت أعداد المجموعتين بنحو 5% عن استطلاع عام 2022، الذي جاء في نهاية الوباء.

هذا كثير من الإرهاق. لكن ما الذي نتحدث عنه؟ في حين أن المفهوم قد تغير بمرور الوقت ولا يزال زلقًا، فإن علماء النفس يعرّفون الإرهاق عادةً على أنه متلازمة نفسية ناتجة عن الوظيفة، والسمة الأساسية والتأسيسية هي الإرهاق العاطفي. ويبين العلماء أنه ينشأ من التعرض المستمر للإجهاد غير القابل للحل في مكان العمل، والإخفاقات التنظيمية مثل متطلبات العمل الشاقة، والافتقار إلى الموارد المناسبة أو التقدير. من هذا المنظور، يعاني الناس من الإرهاق، لأنه كما ذكر أحد المصابين، “العمل يطحنهم”.

بالطبع، يمكن أن تكون السمات السلبية لبيئة العمل منفرة ومستنزفة عاطفيًا، فعلى سبيل المثال، طبيبي استقال (تقاعد) العام الماضي، لأن سيطرة الشركة على ممارسته الطبية جعلت من المستحيل عليه اتخاذ القرارات، والعناية بمرضاه بشكل صحيح، وأخبرني أنه لسنوات، حاول أن ينجح من خلال العمل ستة أيام في الأسبوع، حتى مع زيادة فقدان السلطة التقديرية وحفظ السجلات المرهقة. ومثل الكثير من الأطباء، استنفد طاقته كلها.

التحديات التنظيمية، مع أهميتها، إلا أنها ليست القصة الكاملة. يجب أن نطرح أيضًا أسئلة أكبر حول طبيعة الإنجاز في مجتمعنا، فالاحتراق الوظيفي هو أكثر من مجرد إرهاق، إنه ينطوي على التصرفات والتوقعات التي يطلبها الناس من أنشطتهم، فإذا تجاهلنا هذه العوامل، سنفتقد سببًا مهمًا يجعل الكثير من الناس يشعرون أن عملهم لا فائدة منه، وهم أنفسهم عاجزون.

نقيض الإرهاق

للبدء في فهم أهمية التصرفات والتوقعات، علينا أولًا أن نأخذ في الاعتبار الحالة أو الوضعية الأكثر تناقضًا مع الإرهاق. وفقًا لكريستينا ماسلاش، الباحثة الرائدة في الإرهاق، يبدو أن هذا الشرط هو “الاندماج”. ويبدو أن شركات الاستشارات التجارية مثل Deloitte وGartner وGallup تقرّ هذا الشرط. عندما يدرسون توجهات مكان العمل، فإنهم يستخدمون “الاندماج” كمفهوم ويقارنونه بأشكال الانسحاب النشط أو الانفصال النفسي. فأن يكون المرء مندمجًا، يعني أن يطبّق المرء بنفسه، وأن يكون متحمسًا، وملتزمًا بالعمل ومكان العمل.

إن مفهوم المشاركة مفيد في التفكير في علاقة الشخص بمؤسسة ما، ولكنه واسع جدًا، وهوصيغة لمساعدتنا على فهم علاقة الشخص بالعمل نفسه. اسمحوا لي أن أقترح المفهوم الأكثر تفاعلية وهو المقابلة التي تبين إمكانية أن يكون الفرد متحدثًا أو مُتلقّيًا للحديث، ومتّصِلًا أو مُتصَلًا به، في علاقاته وخبراته وأنشطته. عندما تربطنا بالعمل علاقة مرنة وإيجابية، فإننا نهتم بالرضا ونتابع المكافآت، التي يمكن التنبؤ بها والتي لا يمكن التنبؤ بها، وتعد جوهرية في ذلك – في خدمة هذا الضيف، وتقديم هذا العرض، وكتابة هذه النسخة.

هدفنا هو القيام بالعمل بشكل جيد، واكتساب المهارات، وقبول التحديات، والتعلم من إخفاقاتنا، وخلق إمكانيات جديدة. بمعنى آخر، نقوم بالأشياء أو نقدم الخدمة التي تمنح العمل قيمته وتميزه. وحينما يلامس عملُنا قلوبنا، نكتسب الكفاءة الذاتية.

نحن معرضون لخطر الإرهاق عندما لا ننجز عملنا، ولا نتمكن من العثور على ميزات مجزية في الأنشطة نفسها. للتكرار، قد تكون ظروف عملنا جزءًا كبيرًا من المشكلة. ولكن من المحتمل أيضًا أننا نتعامل مع العمل بطريقة تمنع فعليًا حدوث علاقة سريعة الاستجابة.

سبب التعب الشديد

من خلال قراءة دراسات حول العاملين من جيل الألفية والجيل Z (المولودون بين 1995/2010)، واحدة من النتائج الأكثر إثارة للدهشة هي مدى رغبتهم في إنجاز العمل، فهم يريدون القيام بشيء مهم وجدير بالنفع، وإحداث فرق في وظيفتهم، وتجربة أنفسهم على أنهم جديرون في القيام بذلك. وتزداد أهمية العمل نظرًا لارتباطها الضعيف نسبيًا بالمؤسسات والتقاليد الأخرى. يمكن أن يجعل الإنجاز في مجالات أخرى من الحياة “العمل للحصول على راتب” أكثر قبولًا.

مع أن الرغبة موجودة، إلا أن “انخراط” العمال الشباب منخفض إلى حد ما، بينما تنتشر “الاستقالة الصامتة” ومشاعر الإرهاق. وكذلك في أي وقت، يبحث نصف هؤلاء العمال باستمرار عن وظيفة أخرى.

ما هي المشكلة؟ يبدأ أحد مصادر المشكلة على الأقل في سنوات الدراسة، فخلال هذا الوقت، غالبًا ما يتعلم الطلاب متابعة الإنجاز من ناحية المكافآت المتوقعة التي تكمن خارج الأنشطة التي يشاركون فيها.

يفيد العديد من الطلاب، على سبيل المثال، أنه في المدرسة الثانوية، إذا لم يكن قبل ذلك، كان الهدف الجوهري من التعلم خاضعًا بشدة لمعايير الأداء الخارجية، مثل النجاح في الاختبارات، والبحث عن القبول الاجتماعي، والتنافس مع الأقران. ويعمل مبدأ فائدة مماثل في الطريقة التي تعاملوا بها مع الأنشطة اللاصفية. فقد لعبوا الأدوار القيادية، ومارسوا العزف على آلة موسيقية، والرياضة، والتطوع، وغيرها من الممارسات، كونها وسيلة لبناء سيرة ذاتية ناجحة للحصول على قبول في الجامعة أكثر من قيمتها بحد ذاتها.

هذه الاهتمامات الخارجية -الدرجات، قبول الكلية، وما إلى ذلك – ليست أشياء سيئة بالطبع. ولكن عندما تصبح الشاغل المهيمن، فإن النقطة الأساسية تضيع. ويمكننا أن نرى هذه النتيجة في كل من الغش المتفشي في المدرسة، وفي شهادة الطلاب الذين لا يجدون سوى القليل من الرضا الحقيقي أو المعنى في أنشطتهم اليومية.

فيما يخص الكثيرين، غالبًا ما تبدو حياتهم وكأنها عجلة هامستر مستمرة، فالتعب شائع ويشكو معظم الطلاب من الإرهاق والتوتر. وفي استطلاع حديث، على سبيل المثال، يقول ما يقرب من 80% من الطلاب الجامعيين إنهم يعانون من ضغوط معتدلة أو عالية في حياتهم. فهم مشغولون باستمرار، ويتفحصون المربعات الموجودة في قوائم مهامهم، لكنهم يشعرون بقليل من التحكم في أفعالهم. كما يرون ذلك، يفعلون ما يجب عليهم فعله، أو بدلًا من ذلك، يبدؤون مبكرًا في الاستقالة الصامتة.

الرسالة حول النجاح في المدرسة هي التركيز على النتائج، وستأتي المكافأة لاحقًا. ولكن إذا كانت هذه الرسالة تمنع علاقة سريعة الاستجابة للتعلم، فكيف سيكون الطلاب مستعدين لمواجهة العمل؟ يمكن ببساطة استبدال عجلة الهامستر القديمة بعجلة جديدة (استبدال العمل القديم بعمل جديد ممتع).

  • ترجمة: فاطمة العاصي
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1