كيفية انتشار السرطان في أجزاء الجسم
كل أنواع السرطان تبدأ في عضو أو نسيج منفرد، كالرّئة أو الجلد، وعادة ما تكون أنواع السرطان أكثر قابلية للعلاج إن اقتصرت على العضو أو النسيج الذي بدأت فيه. لكن السرطان الذي ينتشر أخطر بكثير، لأن العضو الذي ينتقل إليه قد يكون عضوًا حيويًّا، فسرطان الجلد مثلًا قد ينتقل إلى الدماغ.
هذا الانتشار الجديد يجعل علاج السرطان تحديًا كبيرًا، لأن من الصعب إيجاد الأورام الجديدة كلّها. فما إن يغزو أنسجة أو أعضاء مختلفة حتى يصبح مميتًا. حين ينتشر السرطان بهذه الطريقة فإنه يسمى سرطانًا منبثًا، وهذا النوع يسبب 67% من حالات الوفاة بالسرطان.
يُفترَض أن تلتصق الخلايا بالأنسجة المحيطة بها
أجسامنا مكوّنة من مليارات الخلايا المتناهية في الصغر. ولإبقائنا أصحّاء، تستبدل أجسامنا باستمرار الخلايا القديمة أو المُتضرّرة.
لكل خلية وظيفة خاصة ومجموعة من تعليمات الدنا DNA التي تحدّد لها عملها، ولكن الدنا قد يتضرّر أحيانًا بما يغيّر التعليمات ويسمح للخلية بالتكاثر دون قيد، أو تفقد الخاصية المعروفة بالالتصاق. تشير هذه الخاصية إلى مدى لزوجة الخلية، وقدرتها على التشبث بالخلايا المحيطة بها، حيث موقعها المفترض.
إذا فقدت الخلية السرطانية خاصية الالتصاق، فإنها قد تنفصل عن الورم الأصلي، وتسافر في مجرى الدم أو الجهاز اللمفاوي إلى أي مكان تقريبًا. وهكذا يحدث انتشار السرطان (الانبثاث).
معظم هذه الخلايا السرطانية المنتقلة ستموت، لكن بعضها سيستقر في موقع جديد، ويبدأ بتشكيل سرطان جديد.
بعض أنواع السرطان أرجح للانبثاث إلى أعضاء معينة تساعدها على النمو. فمن الشائع أن ينتقل سرطان الثدي إلى العظام والكبد والرئتين، وسرطان الجلد أرجح في الوصول إلى الدماغ والقلب.
بخلاف أنواع السرطان التي تتشكل في أعضاء أو أنسجة صلبة، فإن سرطان الدم كاللوكيميا يتحرك بحرية في مجرى الدم لكنه قد يرتشح منه ليستقر في أعضاء أخرى كالكبد أو الدماغ.
متى يحدث الانبثاث؟
كلما طالت فترة نمو السرطان، زاد احتمال انتشاره. وإذا لم يُكتشف مبكرًا، قد يعاني مريض السرطان الانبثاث حتى قبل تشخيصه.
قد يحدث الانبثاث (انتشار السرطان) بعد معالجة السرطان، وهذا يحدث عندما تكون بعض الخلايا السرطانية ساكنة عند العلاج فلا تستطيع الأدوية «رؤيتها». قد تبقى هذه الخلايا غير المرئية مختبئة في الجسم، إلى أن تستعيد نشاطها وتبدأ في النمو لتشكيل سرطان جديد بعد شهور أو حتى سنوات من للعلاج.
فيما يخص المرضى الذين شُخّصت إصابتهم بسرطان منبث، فإن من المهم تحديد مكان الورم الأصلي (الموقع المبدئي). فالسرطان الذي بدأ في الثدي وانتشر إلى الكبد سيحافظ على سلوكه كسرطان ثدي، وبالتالي سيستجيب للعلاج المضاد لسرطان الثدي بنحو أفضل من استجابته للعلاج المضاد لسرطان الكبد.
بما أن المُنبَثّات (الخلايا السرطانية التي تنفصل وتنتشر) تنمو أسرع من الورم الأساسي أحيانًا، ليس من السهل دائمًا تحديد أي ورم بدأ أولًا. تعرف هذه الأنواع السرطانية باسم (السرطان مجهول البداية)، وهي تأتي في المرتبة الحادية عشرة بين أشيع أنواع السرطان المشخصة في أستراليا.
إحدى السبل لتحسين علاج المنبثات السرطانية هي تطوير وسائل كشف السرطان وتحديده، والتأكد من تلقّي المريض الجرعات ذات الفعالية الأقصى على نوع السرطان الذي أصيب به.
ما الذي يرفع احتمالية الانبثاث؟ وكيف يمكن إيقافه؟
معظم أنواع السرطان تكتسب في نهاية المطاف القدرة على الانبثاث إذا لم تُعالَج. وبينما لا توجد حاليًا تداخلات تمنع الانبثاث (انتقال السرطان) بصورة خاصة، فإن المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية لإزالة الورم، يُعطَون علاجًا كيميائيًا (أو علاجات أخرى)، في محاولة للتخلص من أي خلايا سرطانية مختبئة ما زالت في مكان ما في الجوار.
الطريقة المثلى لمنع انتقال السرطان هي التشخيص والعلاج المبكر، وتعد الفحوصات الأولية للسرطان كالبرامج الأسترالية لفحص سرطان عنق الرحم، وسرطان الأمعاء، وسرطان الثدي، وسائل ممتازة للكشف المبكر عن أنواع السرطان وتقليل احتمال الانبثاث.
أُجريَت أبحاث عن برامج جديدة لإجراء الفحوصات المبكرة للكشف عن أنواع مختلفة من السرطان. بعضها بسيط مثل التصوير المقطعي المحوسب للجسم، بحثًا عن أورام محتملة، كما في البرنامج البريطاني الجديد للكشف عن سرطان الرئة.
كذلك من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في الفحص الدقيق لأشعة المريض، ما قد يحدد أنماطًا جديدة تشير إلى وجود السرطان، وتطور وسائل الكشف عنه انطلاقًا من تلك البرامج. ويجري العمل على تطوير طرق متقدمة للفحوصات، ففي الوقت الحالي يموّل برنامج مكافحة السرطان التابع للحكومة الأمريكية أبحاثًا في فحوصات الدم قد تكشف عدة أنواع من السرطان في مراحل مبكرة.
وربما يأتي اليوم الذي نُجري فيه فحصًا سريعًا للكشف عن السرطان، مشابهًا لفحص كوفيد السريع.
هل سنكون قادرين على منع انبثاث السرطان مستقبلًا؟
إنّ فهمَنا لآلية حدوث الانبثاث (انتشار السرطان)، يتيح لنا إيجاد طرق جديدة لمنعه، إحدى الأفكار هي استهداف خلايا السرطان الهاجعة ومنعها من الاستيقاظ.
منع الانبثاث بواسطة الأدوية غير متاح حاليّا، لكنّ الأمل موجود بمتابعة الجهود البحثية لتطوير علاجات السرطان، وربما تصبح أيضًا أكثر فاعلية في علاج المنبثات السرطانية.
أما في الوقت الحالي، فالكشف المبكر عن السرطان هو الطريقة الأفضل للتأكد من أن المريض قادر على هزيمة سرطانه.
- ترجمة: فريال حنا
- المصادر: 1