“الربو”، كيف يمكن أن تزيد الملوثات الهوائية من النوبات لدى الأطفال في المناطق الحضرية؟

  • تحدث نوبات الربو -التي تنطوي على تفاقم الالتهاب في الطرق الهوائية للرئة وتجعلها أضيق- عادةً بسبب الأخماج التنفسية الفيروسية، ولكن يمكن أيضًا للعوامل غير الفيروسية أن يكون لها دورٌ في تلك النوبات.
  • يرتبط التعرّض المرتفع لملوّثات الهواء بزيادة خطر حدوث نوبات الربو، لكن الآليات الجزيئية الكامنة وراء قدرة ملوثات الهواء على إحداث نوبات الربو ليست مفهومة جيدًا.
  • أظهرت دراسة جديدة أن المستويات العالية من ملوثات الهواء -خاصةً الأوزون والمواد ذات الجسيمات الدقيقة- ارتبطت بزيادة خطر الإصابة بنوبات الربو لدى الأطفال المقيمين في المراكز الحضرية.

تُعدّ الملوثات التنفسية الفيروسية السبب الأكثر شيوعًا لنوبات الربو، ولكن ترتبط العوامل غير الفيروسية أيضًا، مثل: (ملوثات الهواء) بتفاقم أعراض الربو.

أفادت دراسة حديثة نُشرت في مجلة ‘Lancet Planetary Health’ بأنّ المستويات المرتفعة من تلوث الهواء -خاصةً تراكيز الأوزون والجسيمات الدقيقة- ارتبطت بنوبات الربو وتدهور وظائف الرئة لدى الأطفال الذين يعيشون في المراكز الحضرية.

لاحظ الباحثون أيضًا أن ملوثات الهواء تلك يمكن أن تُحدِث نوبات الربو حتى عندما تكون تراكيزها أقل من المعايير الوطنية لجودة الهواء.

وأوضح الباحثون أنّ التراكيز العالية من الأوزون والجسيمات الدقيقة ارتبطت بتنشيط سُبُلٍ التهابية نوعية في الطرق التنفسية، مما يساعد على فهم الطريقة التي تؤدي فيها المستويات المرتفعة من الملوثات إلى زيادة خطر حدوث نوبات الربو لدى الأطفال الذين يعيشون في المناطق الحضرية.

تقول الدكتورة ‘أنتونيلا زانوبيتي Antonella Zanobetti’ باحثة الصحة البيئية لدى جامعة هارفارد: “أعتقد أن هذه الورقة مهمة ومثيرة للاهتمام لأنها كانت قادرة ليس على النظر في سورات الربو فحسب، بل احتوت أيضاً على بياناتٍ حول عدم وجود الفيروسات التنفسية، وفحصِ نتائجَ أخرى”.

يضيف الدكتور ‘ألين دوزور Allen Dozor’ أستاذ طب الأطفال ورئيس قسم أمراض الرئة لدى كلية الطب في جامعة نيويورك: “إنّها تظهر ارتباطًا بين تلوث الهواء وتفاقم الربو الذي يحدث في حالة عدم وجود فيروس تنفسي محرضّ؛ لذلك كان تلوث الهواء في هذه الدراسة سببًا لحدوث سَورات الربو بشكلٍ مستقل عن العدوى الفيروسية التنفسية، والتي بدورها مهمّة لفهم الآليات البيولوجية، والتي قد ذهبت دراستهم إلى حدٍّ أبعد من الكثير من الدراسات الأخرى من حيث تحليلها بدقة للعلاقة بين تلوث الهواء وسورات الربو بغض النظر عمّا إذا حدثت هذه التظاهرات أثناء الإصابة الفيروسية أم لا”.

وتابع حديثه لموقع ‘Medical News Today’: “العدوى الفيروسية شائعة جدًا لدى الأطفال، وترتبط أعراض الربو الأكثر شدة بأخماج الطريق التنفسي العلوي (URIs) أو نزلات الزكام. يصاب الأطفال بعددٍ كبير من نزلات الزكام كل عام، ولكن بالنسبة للعديد من الأطفال لا سيما في المناطق ذات المستويات العالية من تلوث الهواء، تؤدي نزلات الزكام غالبًا إلى نوبات ربو شديدة، لذلك من المهم التأكيد على أن المستويات العالية من تلوث الهواء تؤدي إلى تفاقم نوبات الربو سواءً المرتبطة أوغير المرتبطة بالعامل الفيروسي”.

ما يجب أن تعرفه عن نوبات الربو

الربو: هو حالة مزمنة تتميز بالتهاب وتضيّق القصبات، والطرق التنفسية الرئيسة في الرئتين وفروعها.

تشمل أعراض الربو ضيق الصدر وعسر التنفس والسعال والأزيز الذي يزداد سوءًا في أثناء سَورة الربو.

تتضمن سَوْرَة الربو، والتي تُعرف أيضًا باسم ‘نوبة الربو’، تضيّقًا إضافيًا في الطرق التنفسية نتيجة التهاب خلايا هذه الطرق وتقلص العضلات القصبية، مصحوبًا ذلك بإفراز مخاطٍ زائد والذي يؤدي أيضًا إلى انسداد الشعب التنفسية.

تُعد الأخماج الفيروسية للسبل التنفسية واحدةً من أكثر الأسباب شيوعًا لنوبات الربو عند كلٍّ من الأطفال والبالغين.

ومع ذلك، يمكن أن تحدث نوبة الربو أيضًا لأسبابٍ غير فيروسية، مثل: الأخماج غير الفيروسية، والمستأرجات، وغبار الطلع، وشعر الحيوانات الأليفة.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت العديد من الدراسات الوبائية وجود صلةٍ بين مستويات ملوثات الهواء وحدوث نوبات الربو، وقد ارتبطت المستويات العالية من العديد من ملوثات الهواء، مثل: (الجسيمات الدقيقة والأوزون وثنائي أكسيد النيتروجين وثنائي أكسيد الكبريت) بحدوث نوبات الربو.

يُعد الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا عند الأطفال، وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يقيمون في أحياءٍ حضرية ذات وضع اقتصادي واجتماعي سيء يُظهرون معدلات إصابة وانتشار أعلى للربو.

وتعدّ مستويات تلوث الهواء المرتفعة سمة مميزة لهذه الأحياء وقد تفسر الانتشار الكبير للربو وشدته لدى الأطفال الذين يعيشون في المناطق الحضرية منخفضة الدخل.

ومع ذلك، فالآليات الجزيئية الكامنة وراء سورة الربو أثناء الأمراض التنفسية غير الفيروسية -خاصةً في الفئات السكانية سريعة التأثر مثل الأطفال المصابين بالربو الحاد- ليست مفهومة جيدًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّه لم يتم توصيف الاختلافات في الآليات التي تكمن وراء سورات الربو الناجمة عن ملوثات الهواء والأخماج الفيروسية.

تأثير ملوثات الهواء على الربو

في الدراسة الجديدة، فحص الباحثون في البداية العلاقة بين مستويات ملوثات الهواء وسورة الربو لدى الأطفال والمراهقين المقيمين في الأحياء الحضرية، ثمّ حللوا بياناتٍ من دراسةٍ رصدية سابقة بعنوان ‘الآليات الكامنة وراء سورة الربو التي تمت الوقاية منها واستمرارها مع العلاج المبني على المناعة، الجزء الأول (MUPPITS1)’.

استخدم مؤلّفو هذه الدراسة سابقًا بياناتٍ من ‘MUPPITS1’ لفحص الآليات الجزيئية الكامنة وراء سورات الربو الفيروسية وغير الفيروسية.

كان الهدف من الدراسة الجديدة هو استخدام بيانات ‘MUPPITS1’ لفهم الأساس الجزيئي لسورات الربو غير الفيروسية الناتجة عن ملوثات الهواء على وجه التحديد.

شملت الدراسة (208) أطفال تتراوح أعمارهم بين (6 و17) عامًا يعانون من الربو المعرّض للتفاقم ويقيمون في أحياءٍ منخفضة الدخل في تسع مدنٍ بالولايات المتحدة، وجمعت الدراسة بياناتٍ عن وظائف الرئة وعينات أنفية من المشاركين بعد بداية أعراض نوبةِ مرضٍ تنفسيّ.

استخدم الباحثون عيّنات الأنف لتحديد ما إذا كان المرض التنفسي ناتجًا عن عدوى فيروسية أو بسبب عوامل غير فيروسية. كما صنّفوا أيضًا المشاركين على أساس ما إذا كانوا قد أُصيبوا أو لم يصابوا بسورة الربو أثناء المرض.

ثم استخدم الباحثون بياناتٍ حول مشعر جودة الهواء وتركيزات الملوثات الفردية التي جُمِعت من قبل وكالة حماية البيئة (EPA) لكلّ منطقة جغرافية مدرجة في الدراسة، وطُوبِقت بيانات تلوث الهواء هذه مع موقع كل مشارك وتاريخ المرض.

أفاد الباحثون أن قيم مشعر جودة الهواء كانت أعلى قبل وبعد مدّة تسعة أيام من ظهور الأعراض لدى المشاركين الذين يعانون من سورة الربو غير الفيروسية مقارنةً بأولئك الذين يعانون من سورة الربو الفيروسية.

إضافةً لذلك، ارتبطت قيم المشعر ارتباطًا سلبيًّا بوظيفة الرئة لدى المشاركين المصابين بسورة الربو غير الفيروسيّة.

ولُوحظ أيضًا ارتباطٌ مماثلٌ بين مشعر جودة الهواء وسَورة الربو غير الفيروسية باستخدام بياناتٍ من دراسة مختلفة شملت 419 فردًا تتراوح أعمارهم بين (6 إلى 20) عامًا يقيمون ضمن عائلاتٍ منخفضة الدخل في ثمانِ مدنٍ أمريكية كبرى.

أظهرت البيانات من كلا الدراستين أن تركيزات الأوزون والجسيمات الدقيقة ‘PM2.5’ كانت أعلى خلال نوبات الربو غير الفيروسية، وارتبطت تركيزات الأوزون مع تدني في وظائف الرئة.

لم تتجاوز قيم مشعر جودة الهواء وتركيزات الأوزون المعايير الوطنية لجودة الهواء، وفي المقابل تجاوزت تركيزات الجسيمات الدقيقة فقط القيم المحيطة المعيارية في بعض الحالات.

وأشار مؤلّفو الدراسة إلى أنّ التعرض لمستوياتٍ منخفضة من ملوثات الهواء على مدار عدة أيام قد يكون كافياً للتسبب في نوبة ربو، كما وأشاروا إلى أنّ قيم وكالة حماية البيئة الإقليمية قد لا تلتقط مستويات عالية من هذه الملوثات في مناطق حضرية محددة، وقد يختلف التعرّض الشخصي لملوثات الهواء حتى بالنسبة للأفراد المقيمين في نفس الموقع.

شاكِلة التعبير الجيني

فحص الباحثون الاختلافات في التعبير الجيني باستخدام عيّنات أنفية من دراسة ‘MUPPITS1’.

ارتباط مشعر جودة الهواء بأنماط التعبير الجيني الشائعة في كلٍّ من نوبات الربو الفيروسية وغير الفيروسية، يشير إلى وجود سبلٍ أساسية تكمن وراء نوبات الربو. إضافةً لذلك، ارتبطت قيم المشعر بالتغيرات في شاكِلة التعبير الجيني التي كانت خاصّةً بسورات الربو غير الفيروسية.

على مستوى ملوثات الهواء الفردية، ترافقت مستويات الجسيمات الدقيقة على وجه التحديد بزيادةٍ في التعبير عن الجينات المرتبطة بإفراز المخاط المفرط والسيتوكينات المسببة للالتهابات (وهي فئةٌ من بروتينات ‘التنبيغ’ في نوبات الربو غير الفيروسية).

كما ارتبطت تركيزات الجسيمات الدقيقة ارتباطًا إيجابيًا بالتعبير عن الأنسجة ‘Kallikreinstrusted Source’، وهي مجموعة من الإنزيمات المتورطة في الالتهاب وترتفع في حالات الربو.

تبطِّن الخلايا الظهارية معظم السبيل التنفسي وتحميه ضد العوامل الخمجية المستنشقة والمستأرجات والحطام التي قد تضر بالجهاز التنفسي.

كما ارتبطت مستويات الجسيمات الدقيقة بالتعبير عن الجينات المشاركة في وظيفة حاجز الخلية الظهارية.

في الأفراد الذين يعانون من سورات الربو غير الفيروسية، كان تركيز الأوزون متعلقًا بالجينات المرتبطة بالنمط الثاني من الالتهاب، وهو نوع من الاستجابة الالتهابية التي لُوحظت عادةً في الربو.

محاولة إيجاد علاجات للربو

قال الباحثون إن السبل الجزيئية المتضمنة في سَورة الربو المرتبطة بملوثات هواء معينة بإمكانها تفسير انتشار الربو المرتفع والاعتلال لدى الأطفال الذين يعيشون في المراكز الحضرية.

قد يساعد تحديد السبل الخاصة بسَورات الربو الناتجة عن ارتفاع مستويات ملوثات الهواء أيضًا في ابتكار تداخلاتٍ تستهدف هذه السبل الجزيئية.

من ناحيةٍ أخرى، يمكن أن تساعد الأجهزة الشخصية المستخدمة في مراقبة مستويات جودة الهواء واستخدام فلاتر الهواء أثناء المستويات العالية من تلوث الهواء في تقليل مخاطر سورات الربو المرتبطة بالتلوث.

حذر المؤلفون من أنّ الدراسة كانت ذات طبيعةٍ قائمة على الملاحظة ولم تثبت العلاقة بين ملوثات الهواء وحدوث سورات الربو.

وأشار زانوبيتي أيضًا إلى أنّ الدراسة تضمنت عددًا منخفضًا من الأشخاص واستخدمت تلوّث الهواء من أجهزة المراقبة. بالإضافة إلى ذلك، فُحص تلوث الهواء في الأيام التي سبقت الحدث مباشرة، مما يعني التركيز على التأثيرات الحادة وليس التأثيرات المزمنة.

لذلك، هناك حاجة إلى مزيدٍ من الدراسات، مع المزيد من البيانات وتحسين الدقة في تعيين كميّة تلوث الهواء المكاني.

  • ترجمة: مجد العمر
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1