نقص المحاليل الوريديّة في المشافي عالميًّا، ولماذا لا يمكن استبدالها بسهولة؟
أضافت إدارة السّلع العلاجيّة الأستراليّة (TGA) الأسبوع الماضي المحاليل الوريديّة إلى القائمة المتزايدة من الأدوية الّتي تعاني من نقص المعروض العالميّ، ويرجع هذا النّقص إلى ارتفاع الطّلب بشكل أكبر من المتوقَّع ومشكلات في التّصنيع.
تأثّر نوعان من المحاليل الوريديّة خصوصًا بهذا النّقص، هما: «المحلول الملحيّ (السّالين) -Saline»، ومحلول لاكتات الصّوديوم المركّب (الّذي يُدعى أيضًا «محلول هارتمان – Hartmann’s solution»)، كلا السّائلين مصنوعان من أملاح.
يوجد محاليل وريدية أخرى تستخدم مكوّنات مختلفة، مثل السّكّر بدلًا من الملح، لكن بدلًا من تحويل المرضى إلى تلك المحاليل، اختارت الحكومة الموافقة على الحلول القائمة على الملح من علامات تجاريّة دوليّة أخرى.
ولكن لماذا تحتوي المحاليل الوريديّة على مواد كيميائيّة مختلفة؟ ولماذا لا يمكن استبدالها بسهولة حين نقص أحدها؟
لا يمكننا حقن الماء النّقيّ مباشرةً في الوريد
عادةً تُحقن الأدوية في الأوردة من خلال محلول مائيّ، ولكن لا يمكن فعل ذلك باستخدام الماء النّقيّ فقط، إذ يجب إضافة موادّ كيميائيّة أخرى بسبب مبدأ علميّ يُسمّى: «التّناضح (الأسموزيّة) – Osmosis».
يحدث التّناضح أو الحَلول حين يتحرّك الماء بسرعة داخل وخارج الخلايا في مجرى الدّمّ استجابةً للتّغيُّرات في تركيز المواد الكيميائيّة المُذابة في المصل (البلازما)، تشمل هذه الموادّ الأملاح، والسّكّريّات، والمغذّيات، والأدوية، والبروتينات.
إذا كان تركيز الموادّ الكيميائيّة والبروتينات في مجرى الدّمّ مرتفعًا جدًّا، فإنّه يؤدّي إلى تقلُّص خلايا الدّمّ، ويُعرف هذا بحالة «فرط التّوتّريّة (التّناضحيّة) – Hypertonic»، أمّا إذا كان تركيز هذه الموادّ منخفضًا جدًّا، فإنّه يؤدّي إلى تمدّد خلايا الدّمّ. بينما تُدعى حالة التّركيز الصّحيح ب: «حالة تساوي التّوتُّر – Isotonic».
إنّ مزج الدّواء بالكمّيّة الصّحيحة من الموادّ الكيميائيّة، سواءً عن طريق حقنة أو تسريب وريديّ، يضمن بقاء التّركيز داخل الحقنة أو الكيس الوريديّ قريبًا من الحالة متساوية التّوتر.
ما هي الأنواع المختلفة للمحاليل الوريديّة؟
تتوفّر مجموعة متنوّعة من المحاليل الوريديّة لإعطاء الأدوية، أشهرها:
محلول الملح 0.9%، وهو محلول متساوي التّوتّر من ملح الطّعام (كلوريد الصّوديوم)، ويعدّ أحد المحاليل الوريديّة الّتي نعاني من نقصها حاليًا.
محلول 5% من سكّر الجلوكوز/الدكستروز (سكّر العنب)، والّذي لا نعاني من نقصه.
كما توجد محاليل وريديّة تجمع بين الملح والجلوكوز، وأخرى تحتوي على أملاح مختلفة مثل:
محلول رينغر، وهو محلول وريديّ يحتوي على أملاح الصّوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم.
محلول بلازما-لايت، الّذي يحتوي على أملاح صوديوم مختلفة ومغنيسيوم.
محلول هارتمان (لاكتات الصّوديوم المركّب)، الّذي يحتوي على مجموعة من الأملاح المختلفة ويستخدم عادةً لعلاج حالة “الحماض الأيضيّ”، الّذي يعاني مرضاه من زيادة الحموضة في مجرى الدّمّ، ونعاني من نقص هذا المحلول أيضًا.
ماذا يحدث إذا استخدمت المحلول الخاطئ؟
بعض الأدوية تكون ثابتة فقط في محاليل وريديّة معّينة، على سبيل المثال، في المحاليل الملحيّة أو السّكّريّة فقط.
يمكن أن يؤدّي وضع الدّواء في المحلول الوريديّ الخاطئ إلى تجمّد الدّواء داخل المحلول، ممّا يعني أنّ المريض لن يحصل على الجرعة الكاملة، أو قد يؤدّي إلى تحلُّل الدّواء، ممّا يجعله غير فعّال، لكن قد يسبّب أيضًا آثارًا جانبيّة خطيرة.
على سبيل المثال، يُعدّ دواء العلاج الكيميائيّ للسّرطان «سيسبلاتين – Cisplatin» آمنًا حين إعطائه ضمن محلول ملحيّ، ووضعه في محلول جلوكوز نقيّ يمكن أن يُسبّب أضرار جسيمة لكليتي المريض.
ما الّذي يمكن للمستشفيات استخدامه بدلًا من ذلك؟
إنّ المحاليل الوريديّة الّتي نعاني من نقصها هي المحلول الملحيّ ومحلول هارتمان، هذه المحاليل يُقدّمها ثلاثة مورّدين معتمدين في أستراليا: «باكستر هيلث كير – Baxter Healthcare»، «بي بارون -B. Braun »، و«فرِسينيوس كابي – Fresenius Kabi».
لحلّ هذه المشكلة، اختارت الحكومة الموافقة على استخدام علامات تجاريّة بديلة للمحاليل الملحيّة المُسجّلة في الخارج، إذ يُسمح لها بذلك بموجب التّشريعات الحاليّة دون الحاجة إلى اجتياز عمليّات فحص الجودة والموافقة التّقليديّة في أستراليا.
اعتمدت الحكومة هذا النّهج لأنّه قد لا يكون من الفعّال أو الآمن إعطاء الأدوية المخصّصة لتكون في محلول ملحيّ ضمن محاليل وريدية مختلفة، كما أنّ القدرة التّصنيعيّة المحلّيّة للمحاليل الملحيّة غير كافية في أستراليا.
يقدّم دليل الأدوية القابلة للحقن في أستراليا، الصّادر عن الجمعيّة الأسترالية لصيادلة المستشفيات، إرشادات للعاملين في القطاع الصّحّيّ حول الأدوية المناسبة لكلّ نوع من المحاليل الوريديّة، وإذا كان هناك نقص في المحلول الملحيّ أو محلول هارتمان، ولم تصل شحنات العلامات التّجاريّة البديلة من الخارج، يمكن استخدام هذا الدّليل لاختيار محلول وريديّ آخر مناسب.
لماذا لا نصنعها محليًّا؟
النّقص الحاليّ في المحاليل الوريديّة يُعدّ مثالًا آخر على المشاكل الّتي تواجهها أستراليا عندما تكون معتمِدة بشكل شبه كامل على الأدوية الحيويّة من المورّدين الخارجيّين.
لحسن الحظ، لدينا حلول لمعالجة النّقص الحاليّ، لكن من المحتمل أن تواجه أستراليا نقصًا مستمرًّا ليس فقط في المحاليل الوريديّة، بل في أيّ أدوية نعتمد على تصنيعها في الخارج، ومثل هذه النّواقص تُعرّض حياة الأستراليّين للخطر.
في الماضي، طالبتُ وغيري من الأفراد الحكومة الفيدراليّة بتطوير أو دعم تطوير صناعة الأدوية في أستراليا، قد يتضمّن ذلك تصنيع الأدوية خارج براءة الاختراع مع التّركيز على تلك الأدوية الأكثر استخدامًا في أستراليا.
لن يقتصر ذلك على توفير وظائف تقنية عالية في أستراليا، بل سيساهم أيضًا في اقتصادنا ويجعلنا أقلّ عرضة لمشكلات الإمداد العالميّة مُستقبلًا.
- ترجمة: نِهال عامر حلبي
- تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
- المصادر: 1