دراسة جديدة تكشف فروقات كبيرة بين أدمغة الرّجال والنّساء

أظهرت دراسة جديدة فروقات كبيرة بين أدمغة الرّجال والنّساء، دون وجود أيّ تداخل بينهما، فهل حقاً تختلف أدمغة الرّجال عن أدمغة النّساء؟ وهل لهذا الأمر أهمّيّة؟ ولماذا ينبغي أن نهتمّ بذلك؟

نشر عالم أعصاب ألمانيّ يُدعى: بول يوليوس موبيوس، قبل أكثر من 100 عام، كتابًا بعنوان: «حول الغباء الفسيولوجيّ للمرأة – Über den physiologischen Schwachsinn des Weibes»، أشار فيه إلى أنّ أدمغة النّساء أصغر من أدمغة الرّجال، حتّى بعد ضبط فروق الطّول. وخلصَ إلى أنّ النّساء: “ضعيفات عقليًّا من النّاحية الفسيولوجيّة”، وعبرَ تقديمه لهذا الادّعاء، كان موبيوس يواصل تقليدًا في الفكر الغربيّ يمكننا إرجاعه إلى أرسطو، وهو أنّ النّساء والرّجال مختلفون، بما معناه أنّ الرّجال أفضل.

دفعت الحجج الذّكوريّة من أرسطو إلى موبيوس العديد من الباحثين المعاصرين إلى الحذر عند الادّعاء بوجود فروقات بين أدمغة الذّكور والإناث، فقد أثبت الباحثون منذ زمن بعيد عدم وجود فروقات في متوسّط الذّكاء بين الرّجال والنّساء. مع ذلك، هم وجدوا باستمرار أنّ النّساء أكثر عرضة للقلق والاكتئاب مقارنة بالرّجال، وعلى العكس، فإنّ الرّجال أكثر عرضة للإصابة بالتّوحّد واضطراب نقص الانتباه والفصام. فهل هذه الفروقات بين الذّكور والإناث مُجرّد بنى اجتماعيّة؟ أم أنّ هذه الفروقات القويّة في الأمراض النّفسيّة تعكس جزئيًّا فروقات جوهريّة في التّشريح أو الاتّصال العصبيّ؟

خلصت مراجعة حديثة لدراسات التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ إلى أنّ: “الدّراسات القائمة على التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ الّتي تستكشف الفروقات بين أدمغة الذّكور والإناث كشفت في الغالب عن نتائج غير متّسقة وغير حاسمة”، وقد جادل آخرون بأنّه رغم احتمال وجود فروقات، في المتوسّط، بين أدمغة الذّكور والإناث، لكنّ هذه الفروقات تكون في سلسلة متّصلة، مع الكثير من التّداخل.

لكنّ باحثين من جامعة ستانفورد استخدموا مؤخّرًا تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ لفحص نشاط الدّماغ لدى حوالي 1500 بالغ شابّ تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عامًا.

يعلم علماء الأعصاب منذ سنوات عديدة أنّ كلّ دماغ بشريّ يتميّز ببصمة فريدة من نوعها لنشاطه في حالة الرّاحة، وقد استخدم علماء الأعصاب في ستانفورد تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ المستندة إلى البيانات الضّخمة لتحديد بصمة الدّماغ لكلّ من هؤلاء الشّباب ال 1500، ثمّ قارنوا بين الذّكور والإناث.

فهل كانت هناك فروقات بين الذّكور والإناث؟ وهل كان هناك تداخل؟ النّتائج كانت مذهلة.

كما ترون، لم تكن هناك سلسلة متّصلة؛ فقد كانت بصمات نشاط الدّماغ لدى النّساء مختلفة تمامًا عن بصمات نشاط الدّماغ في حالة الرّاحة لدى الرّجال، دون وجود أيّ تداخل! تشير هذه النّتائج بقوّة إلى أنّ ما يجري في دماغ المرأة في حالة الرّاحة يختلف بشكل كبير عمّا يجري في دماغ الرّجل في حالة الرّاحة.

رسم فريق ستانفورد، وبشكل لافت، خريطة أنماط الاتّصال العصبيّ، الموضّحة في صور الرّنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI)، وربطوها بالوظائف المعرفيّة كالذّكاء، ووجدوا أنماطًا معيّنة من الاتّصال داخل أدمغة الذّكور تنبّأت بدقّة بالوظائف المعرفيّة مثل الذّكاء. ومع ذلك، لم يكن لهذا النّموذج الذّكوريّ أيّ قدرة تنبؤيّة للوظائف الإدراكيّة لدى النّساء.

وعلى العكس، وجدوا أنماطًا معيّنة من الاتّصال داخل أدمغة النّساء تنبّأت بدقّة بالوظائف المعرفيّة كالذّكاء لدى النّساء. ومع ذلك، لم يكن لهذا النّموذج الأنثويّ أيّ قدرة تنبؤيّة مرتبطة بالوظائف المعرفيّة لدى الرّجال.

تشير هذه النّتائج بقوّة إلى أنّ محدّدات الوظائف المعرفيّة في أدمغة الذّكور تختلف اختلافًا عميقًا عن تلك الموجودة في أدمغة الإناث.

يجب أن أعترف أنّني فوجئت حقًا بهذه النّتائج؛ لقد كنتُ أكتب حول هذه المواضيع لأكثر من 20 عامًا، في الطّبعة الأولى من كتابي: «لماذا يهمّ الجنس؟ – Why Gender Matters?»، والّذي نشرته «دوبلداي – Doubleday» عام 2005، خصّصتُ فصلًا للأطفال الّذين يعتبرون “غير تقليديّين” من النّاحية النّفسيّة في ما يتعلّق بالجنس، وقد اقترحت أنّ هؤلاء الأطفال يقعون في مكان ما بين الذّكور والإناث، لكنّ دراسة ستانفورد تقدّم دعمًا ضئيلًا لهذا الادّعاء، لذا آمل أن يقوم الباحثون بإجراء دراسات متابعة تنظر خصيصَا في الأفراد الّذين لا يتوافقون مع الجنس التّقليديّ (الذّكر والأنثى)، والّذين يعانون من اضطراب الهويّة الجنسيّة، لمعرفة ما إذا كانت تلك الخصائص تؤثّر على هذه النّتائج وكيفيّة تأثيرها.

يدرك الباحثون تمامًا تبعات نتائجهم، فهم يعرفون كلّ شيء عن الدّراسات السّابقة الّتي اقترحت أحجام تأثير صغيرة، وتداخلات كبيرة، وسلسلة متّصلة من الفروقات بين الذّكور والإناث، ويخلصون إلى أنّ فشل الدّراسات السّابقة في إظهار هذه التّأثيرات الكبيرة يرجع إلى “الخوارزميّات الأضعف” الّتي استُخدمت في الأبحاث السّابقة. ويقولون: “توفّر نتائجنا الأدلّة الأكثر إقناعًا وقابليّة للتّعميم حتّى الآن، والّتي تدحض فرضيّة الاستمراريّة وتثبت بقوّة الفروقات الجنسيّة في التّنظيم الوظيفيّ للدّماغ البشريّ”.

لم يكن هناك تغطية تذكر لهذا التّقرير في وسائل الإعلام الرّئيسيّة، لن تجد أيّ إشارة لهذه الدّراسة في صحيفة نيويورك تايمز أو وول ستريت جورنال أو الإذاعة الوطنيّة العامّة، وأعتقد أنّ السّبب في ذلك هو أنّ معظم وسائل الإعلام الرّئيسيّة تتوخّى الحذر تجاه أيّ شيء يتعلّق بالفروقات بين أدمغة الرّجال والنّساء… يشعر العديد منّا بالقلق المُبرّر لأنّ أيّ ادّعاء بالاختلاف سيؤدّي إلى ادّعاءات تتعلّق بالقدرة، إذا كانت أدمغة الرّجال مختلفة عن أدمغة النّساء، أليس من المنطقيّ أنّ الرّجال سيكونون أفضل في بعض الأشياء فيما ستكون النّساء أفضل في أشياء أخرى؟ خاصّة عندما لا يوجد تداخل في النّتائج.

لكنّ “الاختلاف” لا يعني بالضّرورة “التّفوّق”، كما أكّدتُ في الطّبعة الثّانية من كتابي: «لماذا يهمّ الجنس؟»، فالتّفاح والبرتقال مختلفان، لكنّ هذا لا يعني أنّ التّفّاح أفضل من البرتقال! يبدو أنّ الرّجال والنّساء يختلفون أكثر ممّا قد كنّا متخيّلين، وهذا لا يعني أنّ النّساء أفضل من الرّجال، أو العكس، لكنّه يشير إلى أنّنا إن تجاهلنا هذه الفروقات، فقد نضرُّ كلًّا من النّساء والرّجال.

  • ترجمة: نِهال عامر حلبي
  • المصادر: 1