انفجار غامض وفريد من الشمس يمكنه أن يدمر طبقة الأوزون ويرفع مستويات الإشعاع على الأرض

كشف الشفق القطبي الرائع الذي ظهر في بداية شهر مايو/أيار من سنة 2024 القوى التي تصدرها العواصف الشمسية كشعاع، ولكن في بعض الأحيان تفعل الشمس شيئًا أكثر تدميرًا، تعرف هذه الحالة «بأحداث الجسيمات الشمسية»، إذ ينطلق انفجار البروتونات هذا مباشرةً من سطح الشمس إلى الفضاء مثل أشعة الضوء الصادرة من مصباح الكاشف.

تظهر السجلات العلمية تَعرُّض الأرض كل ألف عام تقريبًا لموجة جسيمات شمسية متطرفة، والتي يمكن أن تسبب ضرر كبير لطبقة الأوزون وتزيد من مستويات الأشعة الفوق البنفسجية (UV) على سطح الأرض.

حللنا ما يحدث خلال مثل هذا الحدث المتطرف خلال بحث علمي نشر يوم الإثنين 11 تموز/يوليو.

أوضحنا أنه عندما يكون المجال المغناطيسي للأرض ضعيفاً، يمكن أن يكون لهذه الأحداث تأثير كبير على الحياة في جميع أنحاء الكوكب.

🔺الغلاف المغناطيسي الحساس للأرض

يوفر المجال المغناطيسي للأرض شرنقة حماية مهمة للحياة على الأرض، إذ يعكس الأشعة المشحونة كهربائيًا القادمة من الشمس.

في الحالة الطبيعية، يعمل المجال المغناطيسي للأرض كقضيب مغناطيسي عملاق إذ ترتفع خطوط المجال من أحد الأقطاب وتلتف حوله وتنخفض مرة أخرى باتجاه القطب الأخر، في نمط يوصف بعض الأحيان بأنه ‘فاكهة الجريب فروت مقلوبة’.

يسمح الاتجاه العمودي عند القطبين لبعض الأشعة الكونية المتأينة باختراق الطبقات العلوية للجو، إذ تتفاعل مع جزيئات الغاز لتصنع التوهج الرائع الذي يُعرف باسم الشفق القطبي.

ومع ذلة، يتغير المجال المغناطيسي بشكل كبير مع مرور الزمن. ففي القرن الماضي تجول القطب المغناطيسي الشمالي عبر شمال كندا بسرعة تراوحت بنحو 40 كيلومتر سنويًا، وانخفضت هذه النسبة أكثر من 6%. إذ أظهرت السجلات الجيولوجية أنه كانت هناك فترات استمرّت قرون أو آلاف السنين كان فيها المجال المغناطيسي الأرضي ضعيفًا جدًا أو غير موجود.

يمكننا معرفة ما سيحدث للأرض بدون مجالها المغناطيسي من خلال النظر إلى كوكب المريخ، الذي فقد مجاله المغناطيسي في الأزمنة السابقة وغلافه الجوي نتيجة لذلك.

في مايو/أيار تعرض سطح المريخ لحدث جزيئات شمسية قوية بعد وقت قصير من ظهور الشفق القطبي، مما أدى إلى تعطيل عمليات المركبة الفضائية ‘أوديسي المريخي/Mars Odyssey’، وسبب ارتفاع مستويات الإشعاع على سطح المريخ إلى نحو 30 مرة مما تتعرض له عند خضوعك لفحص الصدر بالأشعة السينية.

🔺قوة البروتونات

يصدر الغلاف الجوي الخارجي للشمس تيارًا متقلبًا ومستمرًا من البروتونات والإلكترونات تعرف ‘بالرياح الشمسية’.

ولكن يطلق سطح الشمس انفجارات من الطاقة مكونة معظمها من البروتونات بشكل منفصل في أحداث الجسيمات الشمسية والتي ترتبط غالبًا بالتوهجات الشمسية.

تكون البروتونات أثقل من الإلكترونات وتحمل طاقة أكبر لذلك تصل إلى ارتفاعات منخفضة في الغلاف الجوي للأرض مما يؤدي إلى إثارة جزيئات الغاز في الهواء، ولكن تصدر هذه الجزيئات الأشعة السينية فقط، والتي تكون غير مرئية بالعين المجردة.

تحدث المئات من أحداث الجسيمات الشمسية الضعيفة في كل دورة شمسية ( 11 سنة تقريبًا)، ولكن اكتشف العلماء أحداث جسيمات أقوى بكثير مرت على الأرض.

وكانت بعض هذه الموجات الأكثر تطرفًا أقوى بآلاف المرات من أي شيء سُجِّل بالأدوات حديثة.

🔺أحداث جسيمات شمسية عنيفة

تحدث هذه الأحداث المتطرفة للجسيمات الشمسية كل بضعة آلاف من السنين تقريبًا. حدث آخرها عام 993 ميلادي تقريبًا، واستُخدمت لإثبات أن مباني الفايكنج في كندا استخدمت الأخشاب المقطوعة في عام 1021 ميلادي.

🔺أوزون ضعيف يعني المزيد من الإشعاعات

بالإضافة إلى تأثيرها المباشر، يمكن لأحداث الجسيمات الشمسية أن تبدأ سلسلة من التفاعلات الكيميائية في الطبقة العلوية من الغلاف الجوي والتي تستطيع أن تخفض من نسب الأوزون.

يمتص الأوزون الأشعة فوق البنفسجية الضارة، والتي يمكن أن تضر البصر والحمض النووي DNA (مما يزيد من فرصة الإصابة بسرطان الجلد) وبالإضافة إلى تأثيراتها على المناخ.

استخدمنا في دراستنا الجديدة نماذج حاسوبيّة كبيرة لتفاعلات الغلاف الجوي الكيميائية لفحص تأثيرات أحداث الجسيمات الشمسية المتطرفة.

وجدنا أن مثل هذه الأحداث يمكنها أن تخفض نسبة الأوزون في الجو لمدة سنة أو نحو ذلك، وترفع مستويات الأشعة فوق البنفسجية على السطح وتزيد من ضرر الحمض النووي، ولكن إذا وصلت هذه الأحداث في وقت يكون فيه المجال المغناطيسي للأرض ضعيفًا جدًا فسوف يستمر ضرر الأوزون لنحو ست سنوات، مما يزيد من مستويات الأشعة فوق البنفسجية بنسبة 25% ومن ضرر الحمض النووي الناجم عن أشعة الشمس بنحو 50%.

🔺انفجار الجزيئات من الماضي

ما هي احتمالية حدوث هذا المزيج المميت من ضعف المجال المغناطيسي وأحداث البروتونات الشمسية العنيفة؟

بالنظر إلى عدد تكرار حدوث كل منهما، يبدو من المرجح أنهما يحدثان معًا بشكلٍ متكرر نسبيًا.

يمكن أن يفسر هذا المزيج من الأحداث العديد من الظواهر الغريبة التي حدثت على مدى تاريخ الأرض.

بدأت أحدث فترة كان فيها المجال المغناطيسي ضعيف -بالإضافة إلى التبديل المؤقت في القطبين الشمالي والجنوبي- قبل 24,000 سنة واستمرت نحو 1000 سنة.

حصلت العديد من الأحداث التطورية في مثل هذا الوقت، مثلًا اختفاء آخر إنسان نياندرتال في أوروبا، وانقراض الحيوانات الجرابية الضخمة بما في ذلك حيوان الومبات العملاق والكنغر في أستراليا.

ورُبط حدث تطوري كبير بالمجال المغناطيسي للأرض.

إذ ظهرت الحيوانات متعددة الخلايا في نهاية عصر الإدياكاري في حفريات سلسلة جبال فليندرز جنوب أستراليا بعد أكثر من 26 مليون سنة من وجود مجال مغناطيسي ضعيف أو اختفائه تمامًا.

وبالمثل، ارتبط التطور السريع لمجموعات متنوعة من الحيوانات في الانفجار الكمبري قبل نحو 539 مليون سنة مضت، بالمجال المغناطيسي للأرض والمستويات العالية للأشعة فوق البنفسجية. وُصِف التطور المتزامن لكل من العيون وأصداف الجسم الصلبة في مجموعات متنوعة بأنها أفضل طريقة لرصد وتنجب الأشعة فوق البنفسجية.

وما زلنا في بداية الطريق للكشف عن دور النشاط الشمسي والمجال المغناطيسي للأرض في تاريخ الحياة.

  • ترجمة: عمران كاظم حسين
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1