لقاح ثوري لسرطان الرئة

سرطان الرئة هو السبب الرئيسي لوفيات السرطان حول العالم. طورت شركة BioNTech الألمانية لقاحًا لسرطان الرئة باستخدام تقنية mRNA لتدريب الجهاز المناعي لتحديد وتدمير الخلايا السرطانية. وحالياً اللقاح في مرحلة التجارب، ويهدف إلى تكملة العلاجات الموجودة وقد تساعد في تقليل تكرار الإصابة في مراحل السرطان المبكرة.

لفترة طويلة من تاريخ البشرية، اعتقد الناس أن تدخين التبغ صحي تمامًا، فقد قدمت قبائل الأمريكين الأصليين نباتات التبغ إلى الأوربيين ثم إلى بقية العالم، واستخدِم لأهداف ثقافية وروحية، دون التفكير في تأثيره طويل الأمد على جسم الإنسان.

في هذه الأثناء، ادّعت الإعلانات القديمة في أوائل القرن العشرين أن التدخين يوفر العديد من الفوائد الصحية، من تخفيف التوتر والقلق إلى المساعدة في عسر الهضم واكتساب الوزن والاكتئاب وحتى العدوى التنفسية، بالإضافة إلى أن شركات التبغ تتعاون مع الأطباء ومتخصصين في الصحة لإضفاء مصداقية أكثر على هذه الادعاءات.

ومن المثير للاهتمام، أن هذا التعاون غير المتوقع استجابة لمجموعة متزايدة من الأبحاث التي قدمت الحقيقة المعروفة الآن عالميًا وهي أن التدخين يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة وغالبًا تهدد حياة الإنسان، بما في ذلك، سرطان الحنجرة والفم والرئة. إذ إن سرطان الرئة وحده أودى بحياة أكثر من 1.8 مليون شخص في عام 2020، مما جعله السبب الرئيسي لوفيات السرطان في جميع أنحاء العالم.

وعلى مر السنين، قيدت الوكالات الحكومية ومجموعات النشطاء قوة شركات التبغ الكبيرة للحد من عدد المدخنين، إذ وفرت الموارد للراغبين في الإقلاع عن التدخين، واستبدلت الإعلانات المذكورة سابقًا والمماثلة لأسلوب نورمان روكويل بصور مزعجة وتحذيرات صحية، مع رفع أسعار السجائر، وتحديد مبيعات التبغ في متاجر متخصصة.

مع ذلك، لا يزال عدد الوفيات بسرطان الرئة مرتفعًا. ولحسن الحظ، حققت العلاجات الجديدة والمُحسّنة للأمراض المتعلقة بالتدخين تقدمًا ملحوظًا، فقد أدخلت مجالات مثل الجراحة النانوية والعلاج المناعي الأمل في موضوع يُعتبر محبطًا للغاية. ولكن لم يحظَ أي خيار علاجي بديل بمستوى الاهتمام نفسه الذي ناله لقاح سرطان الرئة الذي طورته شركة biotechnology الألمانية.

واستنادًا إلى التقنيات المستخدمة في إنشاء لقاحات Covid-19، أطلقت BiNoTech تجاربها السريرية الأولى للقاح الجديد في أغسطس 2024، بينما أشادت وسائل الإعلام بالتجارب لوعدهم وإمكاناتهم، وركزت معظم التغطية على الارتفاع الكبير في تقييمات الشركة، مما ترك الكثيرين يتساءلون كيف يعمل اللقاح على المستوى العملي، ولماذا ظهر في الوقت الذي ظهر فيه، ومتى (إذا حدث ذلك)، سيصبح شكل العلاج متاحًا على نطاق واسع.

كيف يعمل؟

لفهم كيفية عمل لقاح سرطان الرئة BioNTech، يجب أن ندرك أولًا لماذا نحتاج اللقاح بالدرجة الأولى. فبينما يمكن لجهاز المناعة الصحي محاربة العديد من الأمراض الضارة والخطيرة، فإن خلايا السرطان_ وهي أنسجة غير طبيعية تنمو بشكل مستمر_ تستطيع للأسف التسلل تحت رادار جهاز المناعة.

وذلك ببساطة، لأن الخلايا السرطانية ليست غزاة خارجيين ولكنها خلايا من أجسادنا فيها خلل، مما يجعل من الصعب على جهاز المناعة أن يعرّفها كتهديد. وبصورة أوضح، فالخلايا السرطانية الصغيرة والتي تتشكل حديثًا تفتقر إلى المضادات القوية—أو يمكن قمع الاستجابة المناعية— مما يسمح لها بالتهرب من الكشف. وبحلول الوقت الذي ترسل فيه مضادات يمكن التعرف عليها، قد تكون الأورام نمت على نحوكبير ولا يستطيع جهاز المناعة القضاء عليها بمفرده.

تعد هذه الرؤية نقطة انطلاق للعلاج المناعي الذي—على عكس العلاج الكيميائي أو الجراحة —لا يستهدف خلايا السرطان بشكل مباشر، ولكن بدلًا عن ذلك يساعد الجهاز المناعي على أداء وظيفته بصورة أكثر فعالية.

تُحقن بعض العلاجات المناعية مباشرةً في الأوردة، بينما يأتي بعضها الآخر في شكل حبوب أو كريمات. ولقاح BioNTech. بالتحديد، هو لقاح يحتوي على mRNA، أو حامل حمض-RNA،

والذي يمكن تعريفه بصورة عامة بأنه مخطط جيني لإنشاء البروتينات، وفي هذه الحالة: البروتينات هي التي تحسن قدرة النظام المناعي للعثور على الأورام وقتلها.

وحسب المعهد الوطني لبحوث الجينوم البشري فإن دور ال mRNA هو حمل معلومات البروتين من الحمض النووي في نواة الخلية السيتوبلازم (الداخل المائي). إذ تقرأ الآلية المسؤولة عن صنع البروتين تسلسل ال mRNA وتترجم كل مكون ثلاثي القواعد [تسلسلات مكونة من جزيئات الحمض النووي الأدينين (A)، والسيتوزين (C)، والجوانين (G)، والثايمين (T)] إلى حمضه الأميني المقابل في سلسلة البروتين المتنامية.

وقد أخبر متحدث باسم BioNTech ال big think: أن اللقاح.

مصمم لتدريب الجهاز المناعي التعرف بشكل خاص على الخلايا السرطانية ومهاجمتها من خلال إيصال mRNA الذي يشفر مضادات خاصة للسرطان، مما يحفز الجهاز المناعي ليستهدف تلك البروتينات التي تقدمها خلايا الأورام. يمكن أن يساعد هذا الجسم لاكتشاف وتدمير خلايا السرطان ومنعها من العودة.

دروس COVID

يعتمد لقاح BioNTech بشكل كبير على التقدمات العلمية التي حُققت في الجائحة، والتي أدت الى إنشاء اللقاحات وهي تستخدم أيضًا mRNA لمساعدة الجهاز المناعي في التعرف على الهدف المحدد، وفي هذه الحالة: فيروس كورونا.

مع أن mRNA اخترعت لأول مرة في عام 1961(حصل الباحثون المعنيون على جائزة نوبل)، اكتشف موظفو جامعة بنسلفانيا الطبية كاتالين كاريكو ودرو وايزمان كيفية استخدامه في اللقاح في أوائل التسعينيات، وكان تطبيقه الأساسي في ذلك الوقت— محاربة الأمراض المعدية في أفريقيا— ولم يحصل على تمويل من المستثمرين الغربيين. ثم بالطبع، جاء فيروس كورونا.

شركة BioNTech لديها تاريخ طويل من العمل مع mRNA. فقد طورت خلال جائحة كورونا لقاح فيروس كورونا الذي وزعته شركة Pfizer وهي مجموعة صيدلانية مقرها نيويورك، واستكشفت آلية قادرة على إيصال المعلومات الجينية إلى الخلايا دندريتية (وهي نوع من الخلايا المناعية)، مما حسّن بصورة كبيرة من فعالية واستقرار اللقاح.

وباستمرار التجارب السريرية، تؤكد شركة BioNTech أن لقاحها ليس مصممًا حاليًا ليُستبدل بالعلاجات الموجودة للمراحل المتأخرة من سرطان الرئة.

تقول الشركة ل big think: «في المراحل المبكرة قد يكون الجهاز المناعي أكثر استجابة لهذه الطريقة لأن عبء الورم يكون منخفضًا، ويمكن تقييم BNT116[الأسم الرسمي للقاح]كعلاج مستقل، ومع ذلك، فهو مصمم بصورة عامة ليكمل العلاجات الموجودة، مثل الجراحة والعلاج الكيميائي أو العلاج المناعي ليحسن الفعالية العامة لعلاج السرطان وتقليل خطر الحدوث».

متى وما إذا كان لقاح سرطان الرئة من شركة BioNTech سيصبح شكلًا متاحًا للعلاج على نطاق واسع يعتمد على نتائج الشركة من التجارب السريرية المستمرة، والتي تُجرى حاليًا في 34 موقعًا بحثيًا عبر 7 دول— بما في ذلك. ألمانيا والمملكة المتحدة— وتشمل قرابة 130 متطوعًا يتلقون لقاحًا واحدًا في أسبوع لمدة 6 أسابيع متتالية، تليها جرعة واحدة كل 3 أسابيع لمدة 54 أسبوعًا.

أول شخص يأخذ لقاح BioNTech هو محلل يبلغ عمره 67 عامًا، وُلِد في بولندا ويُدعى يانوش راتش، وينسب الفضل إلى مهنته في تحفيزه للمشاركة في التجربة. قال في مقال نُشر من قبل مستشفيات لندن، حيث يتم علاجه: « بصفتي عالمًا، أعلم أن العلوم يمكنها التقدم فقط إذا وافق الناس على المشاركة في برامج مثل هذه».

  • ترجمة: نسرين عنتر
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1