الوجه الفلسفي والروحي لألبرت أينشتاين

كان ألبرت أينشتاين في العاشرة من عمره حين قدّم له أحد أقربائه، معلمه وطالب الطب آنذاك، مجموعة من كتب العلوم والرياضيات على مائدة الغداء العائلية. وسرعان ما أدرك ذلك الطالب أن أينشتاين يختلف عن أقرانه؛ كان نبوغًا خارقًا. وقد عبّر عن دهشته قائلاً: “بلغت عبقريته في الرياضيات من السرعة ما جعلني أعجز عن مجاراته”.
لم يكن اهتمامه مقتصرًا على العلوم، بل سحرته الفلسفة. وبحلول سن الثالثة عشرة، كان المراهق الناضج فكريًّا قد قرأ كتاب كانط الصعب “نقد العقل المحض”، والذي وصفه قريبه تالمي قائلًا: “إنه كتاب يستعصي فهمه على العامة، ومع ذلك بدا وكأنه بديهيّ لدى أينشتاين”.

قال أينشتاين عن تلك المرحلة: “حين قرأت لكانط، بدأت أشكّ في كل ما تعلمته. لم أعد أؤمن بإله التوراة، بل بإله غامض تعبّر عنه الطبيعة”.
وفي أوائل العشرينيات من عمره، بينما كان يجمع بذور أفكاره الكبرى التي ستقلب فيزياء المكان والزمان والمادة رأسًا على عقب، قرأ بتأمل كتابات شوبنهاور، الذي وجد في التصورات الراديكالية لبرونو وسبينوزا -القائلة بوحدة الإله والطبيعة- أصداءً لفلسفات الهندوس الأوائل.كان أينشتاين يرى أن ما يُلهمه ليس وحيًا شعريًّا، بل تجلٍّ إلهيّ يتنزل على هيئة معادلة. وفي الحادية والخمسين، كتب في مقال شهير بصحيفة نيويورك تايمز عام 1930 بعنوان “الدين والعلم”: “سأسميه الإحساس الديني الكوني”. وأوضح أن هذا النوع من التديّن لا يقوم على إله ذي هيئة، بل على إدراك عميق “للجمال والنظام الباهرين في الطبيعة، ورغبة في أن يُختبر الوجود بوصفه كلًّا له معنى”.

وتابع قائلًا: “كيف يمكننا نقل هذه التجربة إلى الآخرين، وهي لا تؤدي إلى صورة محددة عن الإله أو إلى لاهوت؟ أظن أن أسمى وظيفة للفن والعلم هي إثارة هذا الإحساس والحفاظ عليه حيًّا في النفوس”.
هكذا كان أينشتاين — في تأمله للكون، مُتأثرًا بـ”جمال الأبدية وسرّها العصيّ”، كما كتب في عام 1939 — يراه كيانًا واحدًا يتدفق فيه الموت والحياة، لا قدَر فيه ولا غاية، بل “مجرد وجود”.
عندما قرأ عالم الأعصاب كيران فوكس تلك الكلمات، وجد فيها صدىً للفلسفات الشرقية. فتساءل: هل اطلع أينشتاين على البوذية والهندوسية؟ وقد قاده هذا السؤال إلى تأليف كتابه الجديد: أنا جزء من اللانهاية: الرحلة الروحية لألبرت أينشتاين.

تحدثتُ مع فوكس في ظهيرة أحد الأيام مؤخرًا في شقته الشاهقة -الطابق السادس والعشرون الذي يتمتع بإطلالات بانورامية على سان فرانسيسكو، حيث يعمل طبيبًا وعالمًا في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو.
بمجرد دخولك ستقع عينيك على رفوف مليئة بكتب، ممتدة من الأرض إلى السقف. كان الرف العلوي محشوًا بمجلدات بيضاء سميكة تحتوي على جميع أوراق أينشتاين المجمعة، وأسفلها كتب عن حياته، وأسفاره، وأفكاره، وعلاقاته. كل ذلك يثبت أن فوكس باحث دقيق.
في حديثنا، ناقشنا ما الذي أعطى أينشتاين طعم الرهبة المبكر، وما إذا كان اكتشاف نظريته في الجاذبية تجربة روحية حقيقية، والشائعة التي تقول إن أينشتاين سقط ذات مرة في فخ تعاطي المخدرات.

سألته عن أول إحساس بالرهبة أصاب أينشتاين. فأجاب: “كان في الرابعة أو الخامسة حين أهداه والده بوصلة، وأراه كيف أن الإبرة تشير دومًا إلى الشمال مهما أدارتها يداه. شعر آنذاك بقوة خفية تُسيّر العالم. وحين سأله عمّه عن السبب، قال: ثمة مجال مغناطيسي تنتجه الأرض. فرد أينشتاين: ومن أين جاء هذا المجال؟ فأجابه: لا أحد يعلم، لكن إن لم تفهم شيئًا، فابحث عنه، وسمِّه س. هذه اللحظة كانت أشبه بإشراقة: طفل يرى بوصلة ويدرك أن وراءها علة كبرى تحكم الوجود. كانت تلك البذرة الأولى لنظرته الشاملة إلى الكون”.

هل تعتقد أن التوصل إلى النظرية النسبية العامة كان بمثابة تجربة روحية بالنسبة لأينشتاين؟
قال فوكس: “بلا ريب. كان أينشتاين فذًّا في الرياضيات، لكنه لم يأتِ بنظرياته من العمليات الحسابية وحدها، بل من رؤى ذهنية. في النسبية الخاصة، تخيّل أنه يركب شعاعًا من الضوء، ثم تساءل: كيف يبدو العالم من تلك الزاوية؟ ومن هذا التصوّر الذهني، استنتج أنه لا وجود للزمن المطلق. ثم عاد إلى الرياضيات، فإذا بالحسابات تؤكد رؤيته، بل تفسّر انحراف مدار عطارد، وهو لغز حيّر نيوتن نفسه. كتب إلى صديق له يقول إنه ظلّ أيامًا مأسورًا في نشوة، كمن تلقّى وحيًا من السماوات”.
وأضاف فوكس: “كثير من الناس يمرّ بتجارب مماثلة، لكنهم لا يملكون الوسائل لصياغتها. أما أينشتاين، فقد حوّلها إلى معادلات تُستخدم اليوم في صنع السلاح النووي — أي ما يشبه قدرة الإله في الفتك أو الخلق”.

أنت عالم أعصاب وطبيب نفسي. كيف بدأ اهتمامك بأفكار أينشتاين حول الدين؟
بينما كنتُ أعمل على كتابٍ آخر، يتناول علم الأعصاب والتأمل، وكيف تطورت أدمغتنا لتصبح قادرة على خوض تجارب روحية، سامية، وصوفية. بدأت بالبحث عن أمثلة لشخصياتٍ ساهمت في العلم، مع محافظتها على منظورها العقلاني للواقع، و تحمل في الوقت نفسه مشاعر دينية. فوقعت يدي على كتابات أينشتاين عن الدين، ولفت انتباهي حقًا اقتباسه الذي يقول فيه: ” الإنسان جزء من كلٍّ ندعوه الكون، جزء محدود في الزمان والمكان. يرى نفسه وأفكاره منفصلة عن البقية— وهذا وهم بصريٌّ للوعي. وجوهر الدين الحقيقي هو التحرر من هذا الوهم.”.

لماذا جذبك هذا السطر من أينشتاين؟
لقد اطلعت بعمق على الفلسفة الشرقية والتأمل طوال حياتي، وقد أذهلني ذلك السطر لأنه دلني إلى أن أينشتاين قرأ هذه الأشياء! لا بد أنه كان يعرف شيئًا عن البوذية أو الأوبانيشاد من الفلسفة الهندوسية القديمة. وكما اتضح، كان يعرف الكثير، أكثر بكثير مما يدركه الناس.
كان أينشتاين يتلذذ بما اعتبره حقيقة إلهية.

تخبرنا في كتاب “أنا جزء من اللانهاية” أن كارل يونغ وصف أينشتاين بأنه “مثالي عاطفي متنور سطحيًا”. وفي مرحلة ما، وصفه روبرت أوبنهايمر بأنه “مجنون تمامًا”؟
احتضن أينشتاين مثاليات قد تبدو ساذجة في البداية—السلام العالمي، ونزع السلاح النووي. كان يعتقد أننا يجب أن ندرك جميعًا أننا «واحد» ونتخلص من تحاملاتنا القديمة.
أما هذان المفكران الآخران فكانا أكثر تشاؤمًا بشكل خاص. يمكن القول في بعض النواحي إنهما أكثر حكمة لامتلاكهما هذه النظرة التشاؤمية للبشرية. لكن فكرة أن أينشتاين كان ساذجًا لا تتناسب معه حقًا. كان مثاليًا، ولكن بوعي تام. لم يكن الأمر كما لو أنه لم يدرك أن البشر قد يكونون أشرارًا. فقد فقد ابنة، وقُتل أفراد من عائلته على يد النازيين. طُرد من ألمانيا. كان لاجئًا رغم كونه أشهر علماء العالم، وخسر تقريبًا كل شيء، واضطر لترك القارة الأوروبية بأكملها خلفه. لكنه مثل دون كيخوت، يسعى وراء هذه المثل العليا رغم كل شيء، متعمدًا السير في هذا الطريق الصعب، ويدعو البشر إلى الارتقاء إلى أعلى مستوى ممكن.

حين يفكر معظمنا في أينشتاين، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو معادلة E=MC² ونسبية الزمن. ولا يخطر ببالنا انخراطه في الأفكار الدينية؟
لقد وجدت تغييب اهتمامه بالأفكار الشرقية أمرًا محيرًا، إذ إنك متى أمعنت النظر في كتاباته وجدت الكثير—عشرات الاقتباسات تشير صراحة إلى هذه الأمور. شعرت وكأن هناك دافعًا لا واعيًا لوضعه في قالب معين. لا شيء خبيثًا في معظم الحالات. فالعديد ممن علقوا على آرائه الدينية كانوا أصدقاء مقرّبين، أو من كتّاب سيرته الذاتية. وكثير منهم كان واضح الإعجاب به. ولكن المذهل هو رؤية كيف يتجاوز الناس صراحة هذا الجزء أو ذاك من الاقتباس، أو يحذفون كلمات رئيسية.

ما هو مثال على ذلك؟
ثمّة محادثة بينه وبين الشاعر الصوفي رابيندرانات طاغور، يتحدثان فيها عن البراهمان والآتمان، وقد حُذفت ببساطة من إحدى السير الذاتية. أضاف الكاتب ثلاث نقاط فقط. كيف يمكن تجاوز هذا؟ بالنسبة لي، هذا هو الجزء الأهم. أولئك الذين يظنون أن أينشتاين كان ربوبيًا—أي أنه لا يؤمن بالمعجزات أو بالجنة والنار، لكنه يعتقد بوجود إله خالق وضع قوانين الطبيعة—فهم يسيئون الفهم بشكل كبير. فالأمر لا يتعلق بإله منفصل خلق الأشياء ويقف خارج الكون، بل بفكرة حلولية للذات الإلهية، حيث إن الكون هو من أوجد نفسه، وقوانين الطبيعة هي صورة من صور تعبيره عن ذاته.
لماذا تقول إن أينشتاين، بتقديسه للدهشة (العَجَب)، كان يعلم أنه يلعب بنار جبارة؟

لقد حاول علماء النفس التطوريون أن يفسروا لماذا نشعر بالرهبة والدهشة. الأمر لا يزال في نطاق الافتراض، لكنهم يعتقدون أن هذا الإحساس نشأ في سياق التسلسلات الهرمية للهيمنة الاجتماعية. فالرهبة هي ما تشعر به تجاه قرد أو غوريلا تحتل مرتبة أعلى منك في السلم الاجتماعي—تشعر أنهم مميزون ومختلفون؛ أنهم كيان عظيم وساحر لا يمكنك تحديه أو فهمه.
وإن صحّ هذا، فهو شعور يمكن استغلاله بسهولة. وقد كان أينشتاين قلقًا بشأن ذلك. فإذا وُجّهت هذه الرهبة إلى أشياء خاطئة، فالنتيجة كارثية. انظر إلى هتلر والنازيين: كان يُنظر إلى هتلر بقداسة من قبل عدد هائل من الناس، ورآه كثيرون في ألمانيا آنذاك تجسيدًا فِعليًا للإنسان الأعلى النيتشوي. فمشاعر الرهبة والتقديس بحد ذاتها لا تحمل أي حكم قيمي أو عنصرًا فكريًا. ولهذا السبب، رأى أينشتاين أن الدهشة يجب أن تقترن بالفضول والتفكير النقدي، حتى لا ينساق الإنسان خلف رهبة إلهه أو طاغيته دون وعي.

هل كانت سلمية أينشتاين، التي لم يُطبّقها على النازيين بشكلٍ ملحوظ، مرتبطةً بقناعته بأنه جزء من اللانهاية؟
كان الأمر بالنسبة لأينشتاين كالتالي: ما إن تختبر تجربة “الوَحدة”، حتى ترى سَخافة النظرة البشرية العادية. لأنه إن كان كل شيء في الحقيقة كيانًا واحدًا يتطور ويتغير ويظهر بأشكال مختلفة، فلا معنى لأن تسحق أو تحارب أجزاء أخرى من “ذاتك”. وفي رؤيته، فإن العنف الأهوج يناقض طبيعة الكون ذاتها. نعم، الحيوانات تأكل بعضها في دورة طبيعية للحياة، لكن ما فعله النازيون—القتل الجماعي من أجل السلطة أو بدافع الكراهية والعنصرية—كان عند أينشتاين انحرافًا عن النظام الطبيعي، بل كان شرًّا محضًا.

كيف ظن أينشتاين أن جاذبية الحياة الأخلاقية يمكن أن تُقنع الشخص العادي؟
أدرك أينشتاين أن الدعوة إلى الحياة الأخلاقية لا يمكن أن تُفرض بالمنطق وحده، بل تُجسَّد بالقدوة. كان يعتقد أن السبيل لإقناع الناس العاديين هو أن يعيش المرء وفقًا لتلك المبادئ الكونية العميقة—أن يعكس في سلوكه فكرة الارتباط باللانهاية ووحدة الوجود. لكنه لم يعرض نفسه مثالًا يُحتذى، لأنه كان مدركًا تمامًا لنقائصه الشخصية، من خياناته الزوجية وتقصيره كأب، إلى تناقضاته الداخلية التي تظهر في رسائله. ولهذا لم يرد أن يكون محور ديانة جديدة أو قائدًا أخلاقيًّا يُروّج لنفسه.
لكنه حين رأى أشخاصًا مثل غاندي، قال: ها هم أناس يحاولون أن يعيشوا وفق هذه الرؤية، ليس كقديسين، بل كبشر يتلمّسون طريقهم نحو الحقيقة، ومع ذلك يتركون أثرًا هائلًا من الخير. فالقوة الأخلاقية، في نظره، لا تنبع من العصمة، بل من الإخلاص لفكرة كبرى، والسعي الحثيث لتجسيدها رغم السقوط والتناقض.

ما هو رأي أينشتاين في مفارقة الإرادة الحرة المزعومة؟
كان أينشتاين في بداياته يرى الإنسان ككائن آلي يولد مندمجًا في الطبيعة، محكومًا بالغريزة كغيره من الحيوانات. لكن مع تقدمه في العمر، وتحت تأثير فلسفة سبينوزا، بدأ يرى أن العقل والإدراك الواعي يتيحان للإنسان التحرر من ذلك التسيير الغريزي. فالحرية ليست حالة يولد بها المرء، بل هي عملية تدرجية يُكتسب فيها الوعي ويُنمّى الاختيار. وكلما بذل الإنسان جهدًا في تهذيب نفسه، واكتسب انضباطًا ذاتيًّا، صار أكثر قدرة على التحرر من ردود الفعل العمياء، وأكثر قدرة على أن يعيش وفق مبادئه، لا وفق ما يُملى عليه من الخارج.
هي فكرة أن الحرية لا تُمنح، بل تُنحت من خلال مجاهدة النفس؛ حيث يصبح الانضباط شرطًا سابقًا للحرية، لا نقيضًا لها.

لماذا تقول إنه إن كان أينشتاين ملحدًا في الظاهر، فإنه لم يكن كذلك في الروح؟
كان أينشتاين يرى أن الإلحاد مجرد نفي، وهو بهذا المعنى كان بالفعل ينكر آلهة الأديان المعاصرة. لكن الإلحاد لا يحمل في ذاته عقيدة إيجابية أو رؤية بديلة، بينما كان لدى أينشتاين إيمان على الطريقة الفيثاغورية بأن ثمة انسجامًا عميقًا في الكون، وأننا قادرون على فهمه لأننا متصلون به. لذا فإن مجرد القول بعدم وجود إله لا يكفي عنده؛ بل يجب الذهاب إلى ما هو أبعد: يجب أن ندرك أن الكون مفعم بالغموض، وأن عقولنا ينبغي أن تندهش أمامه. لا يكفي أن نقول: إنه مجرد مادة، مجرد ذرات، ولا يهم لماذا تتبع قوانين معينة. بل هذا هو المهم! لماذا يعمل الكون بهذه الطريقة؟ ولماذا هو منظم على نحو يتيح كل هذا التعقيد والحياة والوعي؟

كيف ردّ أينشتاين على عدمية ابنه إدوارد؟
اعتقد إدوارد أننا نوع صغير جدًا على نقطة صغيرة من الغبار في وسط العدم، وبالتالي كل شيء بلا معنى. واجه أينشتاين هذا الفكر بقوة في رسائله إليه وقال إنه وجهة نظر متسقة، والحقائق صحيحة، لكن إذا شاركت في الكون بالكامل، إذا شاركت في خلقه، إذا حاولت فهم قوانينه، وتواصلك مع أشخاص يفعلون الشيء نفسه، محاولين المشاركة في المسرحية الكبرى—فهذا ما يستحق العيش من أجله. ومن وجهة نظر أينشتاين، هذا أيضًا واجب أخلاقي؛ هو التزام أخلاقي بالمشاركة في هذه المسرحية العملاقة، رغم أننا مجرد قطعة صغيرة وهناك قوى كثيرة خارجة عن سيطرتنا.
كان لأينشتاين قول عظيم في هذا الصدد: “إذا أراد الإنسان أن يقدّر المجتمع، وما هو أسمى من ذلك، ما هو حي، ويفرح بحقيقة وجود الوعي، فمن المستحيل ألا يعترف بأن أعلى مراحل الوعي هي المثل العليا”.

كيف شكّل تديّن أينشتاين العلمي منهجك في العلم وعملك كطبيب؟
هو فجوة كبيرة يجب تجاوزها. كل شيء يبدو جميلاً جداً عندما تقرأ سبينوزا وأينشتاين. ثم تدخل مستشفى، وترى لا شيء تقريباً سوى الموت والمعاناة. أعتقد أنها ممارسة يومية، أو جهد يومي، لتذكير نفسي بما أفعله هنا. هل يمكننا جعل الأمور أفضل؟ هل يمكننا تقليل المعاناة؟ هل يمكننا زيادة الفهم؟

إلى أين تأخذك رحلتك العلمية الآن؟

أنا أعمل حالياً مع مجموعة تجري أبحاثاً على العقاقير المخدرة النفسية. ما يثير اهتمامي أكثر هو أن هذه العقاقير، بحسب كل ما يُروى، توفر وصولاً مباشراً إلى نفس مشاعر الوحدة والتسامي، أو اللقاءات الشخصية مع الإلهي. لا أعتقد أن مجرد القراءة عنها تكفي، ولا أظن أن الحصول على قائمة من القواعد—كما قال أينشتاين أو غاندي—يكون فعالاً أو ما يريده الناس. الوصول إلى تلك التجربة بنفسك أقوى بكثير. يمنحك إحساساً شخصياً بكل ما تحدثنا عنه من منظور فكري وعقلي في الغالب.

ماذا تعتقد كان سيكون رأي أينشتاين في العقاقير المخدرة النفسية؟
قال لي صديق قديم يعمل في نفس مجموعة البحث ذات مرة: “أعتقد أن أينشتاين جرّب الحشيش!” فقلتُ: “هذا مُستحيل. لا أصدق، لو حدث ذلك بالفعل لكنتُ سمعتُ عنه.” إذن، لم يُجرّب أينشتاين الحشيش، ولكن عام وفاته، عام ١٩٥٥، كان تقريبًا في الوقت الذي كان فيه ألدوس هكسلي وهمفري أوزموند -الذي صاغ مصطلح العقاقير النفسية- يتبادلان الرسائل. كانت لديهما خطة جنونية لتعريف جميع المفكرين العظماء في العالم بالحشيش. قالا: يجب أن نُعطيه لكارل يونغ، يجب أن نُعطيه لأينشتاين. أرادا إثارة حماسه، على حد تعبير تيموثي ليري. لكن أينشتاين كان قد مات للتو عندما كُتبت تلك الرسالة.

لو كان أينشتاين لا يزال على قيد الحياة، هل تعتقد أنه كان سيقبل عرض تعاطيه المخدرات؟
عرض فرويد ذات مرة أن يحلله نفسياً، فأخبره أينشتاين أنه غير مهتم. وكان أينشتاين يعرف التأمل. والتقى بالرهبان البوذيين. وقضى وقتاً طويلاً في آسيا. تعرض لهذه الأمور قبل أن تصبح رائجة، إن صح التعبير، قبل أن يكتشفها معظم الغربيين، ومع ذلك لم ينخرط فيها شخصياً. لذلك لست متأكداً أنه كان سيقبل بها، حتى لو قرع ألدووس هكسلي بابه.

  • ترجمة: رجاء الغيثي
  • المصادر: 1