
دواء يُحاكي الصيام، هل يحمل الراباميسين مفتاح إطالة العمر؟
تأثير الراباميسين في إطالة العمر مماثل لتأثير تقليل الطعام
تشير الأبحاث إلى أن الراباميسين قد يُحقّق تأثيرات مماثلة لإطالة العمر لدى أنواع متعددة من الفقاريات. إذ لطالما كان تقييد السعرات الحرارية أحد الأساليب المدعومة بالأدلة العلمية لإطالة العمر في أنواع عديدة من الكائنات الحية. غير أن الصيام المتقطع أو تقليل السعرات قد لا يروق للكثيرين، ولذلك يسعى العلم إلى تقديم بدائل واعدة.
تكشف مراجعة منهجية جديدة نُشرت في مجلة Aging Cell أن الراباميسين، وهو مركّب طُوّر في الأصل كمثبط للمناعة، قد يُحقّق تأثيرات مماثلة لتلك الناتجة عن تقييد السعرات في ثمانية أنواع مختلفة من الفقاريات، مما يُؤهله كبديل محتمل لهذا النهج التقليدي.
استكشاف بدائل تقييد السعرات الحرارية
على مدى عقود، ثَبُت أن تقليل تناول السعرات الحرارية دون الإصابة بسوء تغذية (فيما يُعرف بالتقييد الغذائي) يُسهم في إطالة العمر في كثير من الكائنات الحية. ومع ذلك، فإن تطبيق هذا النمط على البشر غالبًا ما يُواجه تحديات، منها ضعف الالتزام والتبعات الصحية المحتملة.
ولهذا، اتجه الباحثون إلى تطوير مركبات تُحاكي تأثيرات التقييد الغذائي دون الحاجة فعليًّا إلى تقليل كمية الطعام، وتُعرف هذه المركبات باسم “محاكيات التقييد الغذائي”، وقد حظيت باهتمام واسع في أبحاث الشيخوخة.
ومن أبرز هذه المحاكيات مركبا “الراباميسين” و”الميتفورمين”. فقد عُزل الراباميسين أول مرة من بكتيريا في تربة جزيرة إيستر عام 1975، وهو يعمل عبر تثبيط مسار يُعرف بـ “الهدف الميكانيكي للراباميسين” (mTOR)، وهو منظم محوري لنمو الخلايا واستقلابها. وقد أظهرت الدراسة أن الراباميسين يُسهم في إطالة العمر ويُبطئ الشيخوخة على المستوى فوق الجيني في كائنات حية مختلفة، بدءًا من الخميرة وحتى الفئران.
أما الميتفورمين، وهو دواء يُوصف على نطاق واسع لمرضى السكري من النوع الثاني، فإنه يعمل على تنشيط مسار بروتين كيناز المنشّط بـ AMP (AMPK)، مما يُحسّن من حساسية الإنسولين ويُقلّل مستوى الجلوكوز في الدم. ورغم أنه أظهر نتائج واعدة في إطالة العمر في بعض الأنواع، مثل الديدان الخيطية والقرود، إلا أن نتائجه لا تزال متباينة.
تحليل تلوي شامل
ولتقييم فعالية هذه التدخلات، أجرى باحثون من جامعتي غلاسكو وإيست أنجليا مراجعة منهجية وتحليلًا تلويًّا لمقارنة تأثيرات التقييد الغذائي والراباميسين والميتفورمين على عمر الفقاريات.
لقد شمل التحليل 167 دراسة تناولت 8 أنواع من الفقاريات، بما في ذلك الفئران والجرذان والأسماك والرئيسيات، مما يجعل هذا التحليل الأكبر من نوعه حتى الآن.
وقارن الفريق ثلاث استراتيجيات معروفة لتعزيز طول العمر: الصيام المتقطع، وتقليل السعرات، وتناول كل من الميتفورمين والراباميسين. كما قُيّمت الفروقات بين الجنسين ومدى تأثير نمط التقييد الغذائي على النتائج.
وخلُصَت الدراسة إلى أن كلا شكلي التقييد الغذائي أدّيا إلى إطالة موثوقة للعمر عبر جميع الأنواع المدروسة، دون اختلافات جوهرية بين الذكور والإناث. ومن اللافت أن الراباميسين أظهر تأثيرًا ثابتًا يكاد يُماثل تأثير التقييد الغذائي، بينما لم يُظهر الميتفورمين نتائج متسقة.
قالت الدكتورة زاهدة سلطانوفا، من كلية العلوم البيولوجية بجامعة إيست أنجليا: «من الصعب على معظمنا الحفاظ على نمط حياة قائم على الصيام أو تقليل السعرات على المدى الطويل. لذلك، أردنا أن نعرف ما إذا كانت أدوية مثل الراباميسين أو الميتفورمين يمكن أن تُحقق تأثيرات مشابهة دون الحاجة لتقليل الطعام. وتشير نتائجنا إلى أن إعادة استخدام الأدوية هو نهج واعد لتحسين صحة الناس وإطالة عمرهم».
مستقبل إطالة العمر
مع تزايد الاهتمام بإيجاد استراتيجيات فعالة لإطالة العمر وتحسين الصحة، برز الراباميسين كمرشح رئيسي لتقديم فوائد التقييد الغذائي دون الحاجة إلى تقليل السعرات الحرارية على المدى البعيد.
لكن الدكتور إدوارد إيفيمي-كوك من جامعة غلاسكو حذّر قائلًا: «لا تعني هذه النتائج بالضرورة أنه ينبغي البدء في تناول الراباميسين، لكنها تُسلّط الضوء على الحاجة إلى المزيد من الأبحاث في مجال الشيخوخة، وتُثير أسئلة مهمة بشأن تعاملنا مع علاجات إطالة العمر».
ورغم اعتماد الراباميسين في الاستخدام السريري في سياقات أخرى، فإنه لا يزال قيد التجارب السريرية لتقييم تأثيره في مواجهة آثار الشيخوخة، كما يوجد مخاوف تتعلق بالسلامة لا تزال قائمة. فبصفته مثبّطًا للمناعة، قد يُضعف وظيفة الجهاز المناعي، رغم أن دراسات حديثة تُشير إلى أن الجرعات المنخفضة منه قد تكون آمنة على صحة الأفراد.
تحديات تطبيقية
سؤال جوهري آخر تطرحه الدراسة: لماذا تستجيب سلالات مختلفة من النوع نفسه بشكل متباين لهذه الأدوية؟ فبينما يستفيد بعضها من مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، يعاني بعضها الآخر من آثار جانبية، ما يُبرز أهمية فهم التباين الجيني لترجمة هذه النتائج إلى تطبيقات بشرية.
وقد خلُصَ الباحثون إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لاستكشاف إمكانية تعميم هذه النتائج على أنواع أخرى من الفقاريات، وخاصةً البشر. وقد يُسهم التوسع في البحث حول آليات وسلامة ومدى فعالية محاكيات التقييد الغذائي، مثل الراباميسين، في فتح آفاق جديدة لتعزيز الشيخوخة الصحية دون الحاجة إلى الجوع.
- ترجمة: مريم مجدي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1