يُظهر الفن الذي تحبه صفات شخصيتك

قد يعطي العمل الفنّي الذي ننجذب له انطباعًا عن شخصيتنا، هل نحنا أشخاص متهورون أم عقلانيون، أم مزاجيون.

تعود الدراسات حول ما يُفضله الناس من الفن إلى ثلاثينات القرن العشرين 1930 s، وتختبر أغلب هذه الدراسات مدى حب أو كره الناس للوحات مختلفة.

تظهر الأبحاث أنّ اهتمام الشخص بالفن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بصفات شخصية محددة أكثر من ارتباطه بالمكانة الاجتماعيّة أو العمر أو الجنس.

يهتم الأشخاص الذين يمتلكون صفات الشخصية الانفتاحية بالفن على عكس الأشخاص الذين يتميزون بصفات الشخصية الحذرة والذين هم غالبًا أقل اهتمامًا بالفن. هذه الصفات هي جزء كبير من نظرية “الخمسة الكبار Big Five” وهي نظرية الشخصيات المستخدمة بشكل واسع، ووضعت بعد قرابة قرن من الأبحاث.

يؤكد النموذج على أن كل شخصية تتألف من مزيج من خمسة صفات جوهريّة؛ الانفتاح والعقلانية والانبساط والتقبُّل والعُصابيّة (تُعرَف هذه الصفات بالاختصار OCEAN).

وبدلًا من تصنيف الشخص إلى فئات ثنائيّة، كالانطوائي أوالمنفتح، يؤكد نموذج الخمسة الكبار أن كل صفة هي طيف، وكلّ شخص له موضع ما بين هذين الحديّن.

تمثّل كل صفة من الصفات الخمسة مجموعة من الوجوه التي تصف شخصية فردٍ ما عن بُعد، على سبيل المثال يميل الذين يُظهرون مستوى عالٍ من الوضوح إلى أن يكونوا فضوليين ومستقلين وذو خيال واسع، بينما يميل الأشخاص العقلانيين إلى أن يكونوا مُنظَمين وذو تفكيرٍ منطقيّ ولديهم هدف محدد.

إضافةً إلى تحديد الفن المُفضل، يُستَخدم نموذج الخمسة الكبار للتنبؤ بسلوك الأشخاص، كالوعي الصحي والرضا الزوجيّ والأداء الوظيفيّ.

لا تتنبأ السمات الشخصية إن كنت تحب الفن بشكلٍ عام، بل تستطيع التنبؤ بنمط العمل الفنيّ الذي تنجذب إليه. توصلت دراسة أُجريت عام 1973 إلى أنّ التعقيد في الفن كان الاختلاف الأول بين الشخصيات واختيارهم للأعمال الفنية المفضلة، حيث تفضل الشخصيات الواضحة والصريحة الرسومات الأكثر تعقيداً، بينما تفضل الشخصيات الحذرة الفن الذي يَسهُل فَهمه والقطع التقليديّة.

أحصت دراسة بريطانيّة أكثر من 90000 شخص في عام 2005، تِبعاً لتفضيلاتهم الفنيّة، أكمل المشتركون استبيانًا على شبكة الإنترنت، وقُيمّوا 24 لوحة مختلفة قبل ملء اختبار الشخصية المقتبس عن نظرية الخمسة الكبار.

كان المشتركون الذين فضلوا الفن التمثيليّ، كالانطباعيّة أكثر قبولًا ووعيًا وأقل انفتاحًا على التجارب الجديدة، أما هؤلاء الذين قيّموا الأعمال الفنيّة التجريدية بنسبةٍ أعلى كانوا أكثر انفتاحًا. وقد وجدت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين لديهم ميولًا عُصابية -التوتر والخجل والمزاجيّة- تجذبهم الأعمال الفنيّة التجريدية وفن البوب.

تعود هذه التفضيلات جزئيًا إلى الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى العمل الفنيّ. تابعت دراسة في عام 2018 حركات عيون المشاركين أثناء مشاهدتهم الأعمال الفنيّة التجريدية، ووجدت ان الغالبية العُظمى من المشتركين ركزوا على الربع العلويّ الأيمن، وهو امرً منطقي لأنّ نصف الكرة الأيمن من الدماغ مخصص للفضاء البصريّ وله دور كبير في معالجة المشاعر التي يثيرها الفن. أما الأشخاص الذين لديهم ميولًا عُصابية فقد ركزوا على الجانب الأيسر من اللوحة، والذين يعانون من الفُصام (الشيزوفرينيا) أظهروا اهتمامًا أكبر بالجزء السفلي من اللوحة.

رغم العدد الكبير من الأبحاث التي تحاول معرفة سبب تفضيل الأشخاص لنوع معين من الفن، لا تزال هناك العديد من النقاط الغامضة في النظريات الموضوعة.

على سبيل المثال يدّعي بعض العلماء أن نموذج الكبار الخمسة لا ينطبق على جميع الثقافات، وإنما ينطبق على شريحة معينة من الذين يعيشون في مناطق متطورة. كذلك ركزت معظم الدراسات على الأعمال الفنية ثنائية الأبعاد كاللوحات، ولم تحدد التفضيلات المختلفة للتنوع الساحر في الأعمال الفنية والتقنيات الحديثة الفنية حول العالم. كما أن هناك حقيقة مهمة هي أنّ تفضيلنا للأعمال الفنية يتغيّر مع مرور الوقت، ويتأثر بالعوامل الديموغرافية والعلاقات وتجارب الحياة.

إن تفضيلات الأشخاص للأعمال الفنية غامضة وغير واضحة وهذا يمثل فنًا بحد ذاته! لكن إذا كنت تتطلّع لاختبار الصفات الشخصية العامة لفردٍ ما، لن يضرك إلقاء نظرة سريعة على الأعمال الفنية المعلقة على جدران بيته.

  • ترجمة: مروة حريب
  • تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
  • المصادر: 1