ما الذي حدث قبل الانفجار العظيم؟

أن تطلب من العلم تحديد ما حدث قبل بدء الزمن، لهو مشابه للسؤال «من كنت قبل أن تولد؟».

لنواجه الأمر: من الغريب الاعتقاد أن تاريخ الكون قد بدأ بشيء يشبه عيد الميلاد قبل 13.8 مليار سنة، هذا الرأي يتفق مع العديد من الروايات الدينية التي تفترض بأن الكون خلق بواسطة تدخل الإلهي، على رغم من أن العلم ليس لديه ما يقوله بهذا الخصوص.

ما الذي حدث قبل أن يبدأ الزمن؟

إذا كان كل شيء يحدث ينسب إلى سبب، فما السبب الذي أوجد الكون؟ للتعامل مع هذا السؤال الصعب والمتعلق بالمسبب الأول، تستخدم أساطير الخلق الدينية ما يطلق عليه بعض علماء الأنثروبولوجيا أحيانًا «بالكائن الإيجابي»، كيان خارق للطبيعة، بما أن للزمن نفسه بداية في وقت ما في الماضي البعيد، كان يجب أن يكون المسبب الأول شيء مميز، سبب حدث فقط بدون أي مسبب، ولا شيء يسبقه.

«ما الذي حدث قبل ذلك؟» هو السؤال الذي يثيره عزو كل شيء للانفجار العظيم، وهو سؤال مختلف تمامًا عندما نتعامل مع الآلهة السرمدية فالخلود ليس مشكلة بالنسبة لهم، فهم يتواجدون خارج حدود الزمن، ولكنا لسنا كذلك، فبالنسبة لنا ليس هنالك «قبل» الزمن، لذلك إذا سألت عما كان يجري قبل الانفجار العظيم سيبدو هذا السؤال بلا معنى، حتى لو أردنا ان يكون منطقيًا، بيّن ستيفن هوكينغ Stephen Hawking هذا الأمر بسؤال «ما شمال القطب الشمالي؟» أو بطريقة التي أحب ان أصيغها «من كنت قبل أن تولد؟».

علميًا، حاولنا اكتشاف كيف كان شكل الكون في مرحلة مراهقته وطفولته بالرجوع في الزمن، وحاولنا إعادة بناء ما كان يحدث، بتعرف على المتحجرات (بقايا مواد من أيام طويلة خلت)، بطريقة تشبه علماء الحفريات، واستخدامها للتعلم عن الخواص الفيزيائية التي كانت سائدة بتلك الفترة.

نحن واثقون من فرضية أن الكون يتوسع الآن وكان كذلك منذ مليارات من السنين، (التوسع) هنا يعني أن المسافة بين المجرات تزداد، تبتعد المجرات بعضها عن بعض بنسبة تعتمد على ما كان موجود داخل الكون بالعصور المختلفة، أي نوع المادة التي تملأ الفضاء.

الانفجار العظيم لم يكن انفجارًا

عندما نذكر الانفجار العظيم والتوسع من الصعب عدم التفكير بالانفجار الذي بدأ كل شيء، وخصوصًا عندما نسميه (بالانفجار العظيم)، ولكن هذه الطريقة خاطئة للتفكير بها. تبتعد المجرات بعضها عن بعض لأنها محمولة حرفيًا على امتداد الفضاء نفسه، كنسيج مرن، يتمدد الفضاء وتحمل المجرات معه، كقطع الفلين تطوف على نهر، لذلك المجرات ليست قطع من شظايا متطايرة من وسط انفجار، ليس هنالك مركز للانفجار. يتوسع الكون في جميع الاتجاهات وهو حر تمامًا، وكل أجزائه مهمة بالتساوي. سيرى شخصًا ما في مجرى بعيدة المجرات وهي تبتعد عنه مثلما نراها نحن كذلك.

(ملاحظة جانبية: هنالك انحراف في هذا السريان الكوني للمجرات القريبة منا كفاية بسبب الجاذبية، وهذا ما يعرف (بالحركة المحلية)، على سبيل المثال، تتحرك مجرة أندروميدا The Andromeda galaxy باتجاهنا.

العودة بالزمن

عند إعادة شريط حياة الكون إلى الوراء، نرى أن المادة تضغط أكثر فأكثر إلى الحجم المتقلص للفضاء، وترتفع درجة الحرارة والضغط، وتنقسم الأشياء إلى أجزاء، تنقسم الجزيئات إلى ذرات، وذرات إلى نوى وإلكترونات، والنوى الذرية إلى بروتونات ونيوترونات، وبعد ذلك البروتونات والنيوترونات إلى جسيمات ما دون الذرية. يحدث هذا التفكك التدريجي للمادة إلى أجزائها الأساسية بينما تسير الساعة إلى الوراء باتجاه (الانفجار) نفسه.

على سبيل المثال، انفصلت ذرات الهيدروجين بنحو 400.000 سنة بعد الانفجار العظيم، والنواة الذرية بنحو دقيقة واحدة، والبروتون والنيوترون بنحو مائة جزء من الثانية، كيف نعرف ذلك؟ وجدنا بقايا الإشعاعات المتبقية من تشكل أول الذرات. واكتشفنا كيف تشكلت أول نوى ذرية للضوء في حين كان عمر الكون مجرد دقائق معدودة. هذه هي المتحجرات الكونية التي تبين لنا الماضي.

حاليًا، تستطيع تجاربنا محاكاة الظروف التي حدثت عندما كان عمر الكون مليار جزء من الثانية تقريبًا، هذا يبدو لنا رقم صغير جدًا، ولكن للفوتون-وهو جسيم من الضوء- فهو وقت طويل جدًا، يمكنه من التنقل من قطر البروتون مليار مرة. علينا التخلي عن معاييرنا وإدراكنا البشري للزمن عند التحدث عن الكون في بداياته.

نريد بالطبع أن نستمر بالرجوع إلى أقرب نقطة ممكنة من t=0 الزمن=0، ولكن في النهاية نصطدم بحائط من الجهل، وكل ما نستطيع فعلة هو الاستنباط من نظرياتنا الحالية، ونأمل أن تعطينا بعض الدلائل عنما كان يحدث في البدايات الأولى، وفي طاقات ودرجات حرارة لا يمكننا قياسها في المختبر. شيء واحد نعرفه على وجه اليقين، عند التقرب من t=0، تنهار النظرية النسبية العامة لأينشتاين والتي تصف خصائص الفضاء والزمن.

هنا ندخل في حقل ميكانيكا الكم، إذ تكون المسافات صغيرة جدًا لدرجة أنه علينا إعادة التفكير بالفضاء كصفيحة مستمرة ولكن كبيئة بلورية. لسوء الحظ، لا توجد لدينا نظرية جيدة لوصف هذا الفضاء البلوري ولا الجاذبية الفيزيائية على المقياس الكمي (المعروفة بالجاذبية الكمية). بالطبع، هنالك عدد من النظريات المرشحة، مثل نظرية الأوتار الفائقة Superstring theory ونظرية الجاذبية الكمية الحلقية Loop quantum gravity، ولكن لا يوجد لدينا حاليًا دليل يشير إلى أن أي من النظريات قابلة للتطبيق كوصف للفيزياء.

علم الكون الكمي لا يجيب عن السؤال

مع ذلك، يدفعنا فضولنا باتجاه t=0، ماذا يمكننا أن نقول؟ في الثمانينيات من القرن الماضي، توصل كل من جيمس هارتل James Hartle وستيفن هوكينغ Stephen Hawking وأليكس فيلينكن Alex Vilenkin وأندريه ليندAnderi Linde إلى ثلاث نماذج من علم الكونيات الكمي بشكل منفصل، في هذه النماذج يعامل الكون كله كذرة، وباستخدام معادلة مشابهة لتلك المستخدمة في ميكانيكا الكم، سيكون العالم كموجة من الاحتمالات في هذه المعادلة والتي تربط بشكل أساسي العالم الكمي بدون زمن مع آخر طبيعي بوجود زمن، هذا يعني أن الكون الذي نعيش فيه يتوسع الآن. سيكون التحول من عالم كمي إلى اخر طبيعي هو الظهور الحرفي للكون، هذا يعني أن ما ندعوه بالانفجار العظيم غير مسبب للتموج الكمي، كعشوائية التحلل الإشعاعي من وقت إلى أخر.

إذا افترضنا أن أحد هذه النماذج صحيحة، هل ستكون التفسير العلمي للمسبب الأول (العلة الأولى)؟ هل يمكننا التخلص من الحاجة لوجود المسبب الأول تمامًا باستخدام احتماليات فيزياء الكم؟.

لسوء الحظ، لا. بالطبع مثل هذه النماذج ستكون انجازًا ثقافيًا عظيمًا، وستكون تقدم هائل لفهم أصل كل شيء، ولكن هذا ليس جيدًا بما فيه الكفاية. لا يحدث العلم في الفراغ، يحتاج إلى إطار نظري للعمل، يحتاج إلى أشياء مثل الفضاء والزمن والمادة والتفاضل والتكامل وقوانين الحفظ للكميات مثل الطاقة والزخم. لا أحد يستطيع بناء ناطحة سحاب من مجرد أفكار، مثلما لا أحد يستطيع كتابة الفرضيات بدون مفاهيم وقوانين. أن تطلب من العلم (تفسير) المسبب الأول هو أن تطلب من العلم شرح تركيبته الخاصة، مثل أن تطلب من الفرضيات العلمية أن تعمل بدون مفاهيم سابقة، لا يمكن للعلم أن يفعل ذلك، مثلما لا يمكنك أن تفكر بدون عقل.

سيبقى المسبب الأول (علة الوجود) لغزًا، يمكنك أن تختار الدين كإجابة، أو يمكنك أن تؤمن أن العلم سيجيب على كل شيء، ولكن يمكنك أيضًا أن تكون مثل المشكك اليوناني بيرو Prryho، وأن تحترم بكل تواضع حدود قدرتنا على الغوص في المجهول، وتحتفي بما حققناه وبما سنواصل تحقيقه بكل تأكيد، بدون الحاجة لمعرفة وفهم كل شيء. لا بأس أن نبقى متسائلين.

الفضول بدون غموض أعمى، والغموض بدون فضول أعرج.

  • ترجمة: عمران كاظم حسين
  • تدقيق علمي ولغوي: الجيلي النور
  • المصادر: 1