ما هو أبرد مكان في النظام الشمسي؟

وبالمقابل، ما هو أبرد مكان على الأرض؟

إنَّ الفضاء شديد البرودة. أدنى حرارة للفضاء الخارجي هي 2.7 كلفن -سالب 454.81 درجة فهرنهايت، أو سالب 270.45 درجة سيليزية- ما يعني أنها بالكاد تتعدى الصفر المطلق، وهو النقطة التي تتوقف عندها الجزيئات عن الحركة.

لكن هذه الحرارة ليست ثابتة عبر النظام الشمسي. لذا ما يدعى بالفضاء «الفارغ» -رغم أنه ليس فارغًا بالحقيقة- يكون أكثر برودة بكثير من الكواكب مثلًا، أو الأقمار، أو المذنبات، لأنَّه (عمليًا) ليس هنالك أي شيء ليمتص الطاقة القادمة من الشمس.

لذا، ودون أخذ الفضاء «الفارغ» بعين الاعتبار، ما هو أبرد مكان في النظام الشمسي؟ وكيف نستطيع مقارنته مع درجات الحرارة على الأرض؟

قياس درجة حرارة الفضاء

«يمكن قياس درجات الحرارة عن طريق مراقبة شدة الإشعاع تحت الأحمر والمايكروي الصادر من السطوح»، إيان كرافورد-Ian Crawford، وهو أستاذ في علم الكواكب وعلم الأحياء الفلكي في بيركبيك-Birkbeck، جامعة لندن في المملكة المتحدة، أخبر Live Science في بريد الكتروني: «يمكن تقدير درجات الحرارة في حال عدم توفر مثل هذه القياسات اعتمادًا على كمية ضوء الشمس التي تتلقاها».

لكن القيام بالقياسات الكونية ليس دومًا بالأمر السهل. وفقًا لدون بولاكو-Don Pollacco، وهو أستاذ علم فلك في جامعة وورويك-Warwick في المملكة المتحدة، «ليس هناك أي شيء بسيط في علم الفلك، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أنك دائمًا تراقِب، بدلًا من أن تتفاعل».

لذا وعلى الرغم من وجود طرق دقيقة لقياس درجات الحرارة في الفضاء فإنَّه سيكون هناك دائمًا متسع لتدقيق القياس. «درجات الحرارة هي تقديرات»، قال بولاكو، «تتوقف الأرقام التي تحسبها على جودة تقديراتك ودقة النموذج الفيزيائي الذي تستخدمه».

إذًا، ومع أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار، ما هو أبرد مكان في النظام الشمسي، اعتمادًا على البيانات الحالية على الأقل؟ بلوتو، ربما، بالنظر إلى بعده عن الشمس؟

في الواقع، المكان الأبرد يمكن أن يكون أقرب بكثير إلى موطننا.

هيا ننطلق نحو القمر!

قدّم دوار-orbiter الاستطلاع القمري في عام 2009، وهو مركبة فضائية روبوتية تابعة لناسا مصممة لمساعدة العلماء على فهم الأحوال القمرية، بيانات تقترح أن «الحُفر المظللة» في القطب القمري الجنوبي يمكن أن تكون أبرد مكان في النظام الشمسي.

طوّر هذه النظرية لاحقًا طالب الدراسات العليا باتريك أوبرين-Patrick O’Brien ومستشاره شين بيرن-Shane Byrne، وهما باحثان في الكواكب في جامعة أريزونا. اقترح أوبرين وبيرن في حديث جرى في مؤتمر علم الكواكب والقمر لعام 2022 أن حفر القمر «مضاعفة التظليل» يمكن بالتأكيد أن تكون «أبرد الأماكن في النظام الشمسي».

يمكن اعتبار حفرة ما مضاعفة التظليل إذا كانت «محمية ليس فقط من الإضاءة الشمسية المباشرة بل أيضًا من مصادر الدفء الثانوية»، مثل «الإشعاع الشمسي المنعكس عن المناطق المضيئة القريبة إضافةً للإشعاع الحراري الصادر عن تلك السطوح الدافئة»، وفقًا لأوبرين وبيرن.

أضاف بولاكو أن الحفر «مضاعفة التظليل تمتلك حواف عالية لدرجة أن ضوء الشمس لا يصل أبدًا لأرضية الحفرة»، وهو سبب كونها شديدة البرودة.

يقترح بحث أوبرين وبيرن أنه بالنظر إلى أن هذه «المناطق المظللة دائمًا» كانت «محمية» من الإضاءة الشمسية لمليارات السنين، فيمكن أن تحوي هذه الحفر على «مناطق شديدة البرودة» تتضمن «ليس فقط مياه جليدية، بل أيضًا مركبات وعناصر متطايرة أخرى»، كثاني أكسيد الكربون، وأحادي أكسيد الكربون، وثنائي النتروجين، والأرغون.

وفقًا لأوبرين وبيرن فإنَّه يُقدر أن تكون حرارة هذه الحفر حوالي 25 كلفن (سالب 414.67 فهرنهايت، أو سالب 248.15 سيليزية)، لكنها يمكن أن تكون أكثر برودة.

إنَّ كروفورد واثقٌ من صحة البحث، إذ بيّن: «أنا متأكد أنها درجات الحرارة الأبرد في النظام الشمسي الداخلي (من الزهرة للمريخ) وأيضًا أبرد من متوسط درجة الحرارة المقدرة لسطح بلوتو».

إنَّ متوسط درجة حرارة سطح بلوتو، في هذا السياق، هو 40.4 كيلفن، والتي تساوي سالب 386.95 فهرنهايت، أو سالب 232.75 سيليزية وفقًا لناسا.

قال كورفورد: لكن الحفر القمرية مضاعفة التظليل هذه يمكن ألّا تكون ببرودة سحابة أورت-Oort، وهي قوقعة من ركام الفضاء الجليدي تقع خلف مدار نبتون بكثير. أضاف أن وجهتنا تعتمد على ما إذا كنا نشمل سحابة أورت في أثناء مناقشة النظام الشمسي.

عدت ناسا ذات مرة سحابة أورت «أبعد منطقة في نظامنا الشمسي»، لكن أيضًا «خلف» نظامنا الشمسي. تشير قلة الوضوح هذه أنَّها تُعد أحيانًا جزءًا من النظام الشمسي، وفي بعض الحالات تعد الحد الفاصل بين نظامنا الشمسي والفضاء الخارجي. تعد سحابة أورت وفقًا لموقع ThePlanets.org «معلَّقة على نحو غير محكم بالنظام الشمسي» فحسب.

وفقًا لجامعة نورثويسترن في إلينوي، فإنَّ درجات الحرارة في سحابة أورت يمكن أن تصل إلى 5 كيلفن (سالب 450.67 فهرنهايت، أو سالب 268.15 سيليزية)، والتي هي أبرد بكثير من أية حرارة أخرى قد نجدها على قمرنا.

لكن إذا لم نشمل سحابة أورت فإنًّه من المحتمل جدًا أن أبرد مكان في النظام الشمسي يوجد على جارنا السماوي الأقرب.

على الأرض، حتى أكثر درجات الحرارة قساوة في القطب الجنوبي تكون أكثر دفئًا بكثير سواء من حفر القمر أو سحابة أورت. إنَّ أبرد حرارة أرضية سُجلت -في 21 تموز/يوليو، 1983، في مركز فوستوك-Vostok للأبحاث التابع لروسيا في القطب الجنوبي- كانت سالب 128.6 فهرنهايت (سالب 89.2 سيليزية)، وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وأرشيف المناخات القاسية.

لكن العلماء توصلوا اصطناعيًا إلى درجات حرارة أبرد من تلك التي تحصل طبيعيًا على الأرض، أو في حفر القمر، أو حتى في سحابة أورت. حطَّم فريقٌ من الباحثين الألمان في العام الماضي الرقم القياسي لأبرد درجة حرارة في مخبر: الحرارة المرعبة 459.67 فهرنهايت (سالب 273.15 سيليزية)، والتي حققوها عن طريق «إسقاط غاز ممغنط من برجٍ ارتفاعه 393 قدمًا (120 مترًا)».

ولكن عندما يتعلق الأمر بدرجات الحرارة التي تحدث طبيعيًا، فمن المرجح جدًا أن حفر قمرنا الأكثر ظلمةً وتظليلًا تتفاخر بامتلاكها لأخفض درجة حرارة في نظامنا الشمسي – بالتأكيد اعتمادًا على كيفية تصنيفك لسحابة أورت.

  • ترجمة: شادي الصعوب
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1