ماذا يحدث في دماغك قبل لحظات من الموت؟

تخيّل أن تشاهد شريط حياتك يمر أمام عينيك قبل لحظاتٍ من موتك. لقد رأينا ذلك بالفعل بالأفلام والعروض، إذ غالبًا ما تُعرض لنا أفضل وأسوأ لحظات الشخصية قبل أن تموت. لكن هل تعلم أنّ الحياة قد تومض بالفعل أمام أعيننا عندما نموت؟

اكتشف الباحثون مؤخرًا الأمر بعد أن أُصيب مريض يبلغ من العمر 87 عامًا بنوبة قلبية قاتلة أثناء خضوعه لفحص للدماغ. جعل المسار غير المتوقع للأحداث الباحثين يقومون بتفسير أنماط موجات الدماغ لشخص يحتضر.

في الماضي، استخدم الباحثون روايات لأفراد مروا بتجارب شارفوا فيها على الموت لإلقاء نظرة ثاقبة على ما ينتظرنا عندما نموت. كانت لهذه التجارب الذاتية بعض الموضوعات المتكررة، كضوء ساطع أو غامض، وتجربة الخروج من الجسد، ولقاء الأحباء المتوفين، وتذكر الحياة، والتي توصف بأنها مراجعة لتجارب الحياة المهمة. في حين أننا لا نستطيع تقديم الإجابة الكاملة عما يحدث بعد الموت، ربما يمكن للتسجيل الأخير لدماغ الشخص المُحتضر أن يلقي الضوء عما يحدث في دماغنا قبل لحظات من الموت.

اكتشاف بمحض الصدفة

عندما أُصيب رجل يبلغ من العمر 87 عامًا بورم دموي تحت الجافية، وهو نزيف بين الجمجمة والدماغ، قرر الأطباء إجراء عملية جراحية وإزالة الجلطة الدموية. وفقًا للطبيب أجمل زيمار، المؤلف الرئيسي وجرّاح الأعصاب في جامعة لويزفيل، بدا أن المريض يتعافى جيدًا في الأيام الثلاثة الأولى بعد الجراحة، وقد لوحظ أنه يتحدث إلى الأطباء.

ومع ذلك، فقد أُصيب بنوبات في اليوم الثالث، وهو شيء لم يحدث له سابقًا قبل نزيف الدماغ. استدعت هذه النوبات الأطباء لإجراء تخطيط الدماغ (EEG). ويقوم الإجراء الروتيني ببساطة على توصيل رقعة من الأقطاب الكهربائية بفروة الرأس لاكتشاف التشوهات في موجات الدماغ التي قد تسبب مشاكل، مثل النوبات. لم يكن لدى الأطباء أي فكرة أن هذا الإجراء الروتيني سيؤدي إلى دراسة هي الأولى من نوعها على دماغ يحتضر.

صرّح زيمار: «لم نخطط لهذا؛ ردًا على الأحداث المؤسفة التي أعقبت ذلك، «كان كل هذا مصادفةً».

وفقًا لزيمار: «كانت النوبات تأتي وتختفي، لكن المريض كان لا يزال مستجيبًا أثناء بدء تخطيط الدماغ الكهربائي. ومع ذلك، عند الاقتراب من نهاية التسجيل، حدث ما لا يمكن تصوره».

يقول زيمار: “«لسوء الحظ، أُصيب بنوبة قلبية وتوفي، تاركًا لنا مجموعة بيانات نادرة تسجل الانتقال من الحياة إلى الموت». ويشير إلى أنه على الرغم من وجود دراسات أخرى تسجل نشاط الدماغ للمرضى الذين يعانون من قصور في القلب، أو تجارب أخرى لأشخاص شارفوا على الموت، إلا أن هذا الاكتشاف لا يزال نادرًا، ومن أوائل اكتشافات موجات الدماغ عند الانتقال من الحياة إلى الموت.

شريط الذكريات النهائي

ما هي أفضل ذكريات حياتك؟ ربما هي الحصول على وظيفتك الأولى، أو حفل زفافك، أو ولادة طفل. ربما هو مزيج من المغامرات الصغيرة والكبيرة. أيًا كانت أشياؤك المفضلة ستتذكرها في لحظاتك الأخيرة، وفقًا لهذه الدراسة.

قاس الباحثون 900 ثانية من نشاط الدماغ وقت وفاة المريض البالغ من العمر 87 عامًا. وكشفت النتائج التي توصلوا إليها أن موجات دماغ الرجل في 30 ثانية قبل توقف قلبه عن النبض وبعده كانت مشابهة لما يحدث عندما نتذكر الذكريات أو الأحلام أو التأمل.

تمحور جوهر هذه النتائج حول دراسة تذبذبات الدماغ أو موجات الدماغ في وقت قريب من وفاة المريض. قبل أن يتوقف قلب المريض عن إمداد الدماغ بالدم، تذكر الطبيب زيمار حجم التغيرات في تذبذبات جاما المسؤولة عن الوظائف الإدراكية العالية مثل التركيز والحلم. كما لاحظوا تغيرات في تذبذبات ثيتا، وهي موجة دماغية أبطأ قليلاً وتعكس الحالة بين اليقظة والنوم.

استمر نمط التذبذبات الدماغية حتى 30 ثانية بعد توقف قلب المريض عن النبض، مما دفع الباحثون إلى الاعتقاد بأننا قد نشعر باسترجاع الذاكرة في لحظاتنا الأخيرة.

من الواضح أنه من المستحيل سؤال مريض متوفى عما إذا كان قد مر بتجربة استرجاع ذكريات الماضي بعد وفاته. في حين أن هذا سيكون تأكيدًا مثاليًا، فإن أقرب شيء لدى الباحثين هو إلقاء نظرة على الدراسات العلمية السابقة حول استعادة الذاكرة ومقارنتها بأنماط موجات الدماغ التي لوحظت في هذه النتائج الأخيرة، كما يوضح زيمار. وأشار إلى أن المرضى الأصحاء الذين يخضعون لفحص تخطيط الدماغ أثناء أداء مهام استدعاء الذاكرة أظهروا تذبذبات غاما عالية أو موجات دماغية تحاكي النمط الذي يحدث في المريض المتوفى.

يقول: «هذا يعطينا شكلًا واحدًا من الأدلة لنقول أنه عندما نتذكر، فهناك نمط معين لموجة الدماغ يحدث في دماغنا».

كما تدعم دراسة أُجريت عام 2013 على الفئران نظرية الفلاش باك للذاكرة. قامت مجموعة من الباحثين الأمريكيين بتحليل أدمغة تسعة فئران تجارب أثناء القتل الرحيم. هدفت الدراسة إلى مقارنة نشاط دماغ هذه الحيوانات بالبشر الذين لديهم استرجاع للذاكرة عند الموت. زرع الباحثون ستة أقطاب كهربائية في أدمغة تسعة فئران لقياس نشاط أدمغتهم. بعد فترة وجيزة، حُقنت الحيوانات بحقن مميتة. كشفت النتائج التي توصلوا إليها عن أوجه تشابه متسقة مع تلك الموجودة في البشر. على وجه التحديد، زادت تذبذبات جاما للفأر 30 ثانية قبل توقف قلبه وبعده، مصحوبة بنشاط الدماغ وفرط الوعي.

وبحسب زيمار، كان هذا هو الدليل الوحيد من الأدبيات العلمية التي تتبعت نشاط الدماغ قبل الموت وبعده. إذ كان للزيادة في تذبذبات جاما في اكتشاف الفئران، وكذلك بيانات استرجاع الذاكرة لدى البشر الأصحاء، أوجه تشابه كبيرة مع موجات الدماغ التي لوحظت في دماغ الإنسان المحتضر. دفع هذا زيمار وفريقه إلى التكهن بأن الحياة قد تومض حقًا أمام أعيننا في لحظاتنا الأخيرة.

حاليًا، لدى الفريق أدلة مترابطة فقط لدعم النتائج التي توصلوا إليها. يضيف زيمار: «لأننا لا نستطيع أن نسأل ماذا يحدث للمريض أو الفأر عندما يموت، ما زلنا نبحث عن طرق ونصمم تجارب قد تعطينا إجابة محددة». على سبيل المثال، إن قياس نشاط دماغ مريض قاموا بإنعاشه قد يعطي الفريق المزيد من الأدلة المباشرة. ومع ذلك، لا يزال هذا يمثل تحديًا لأنه من المستحيل التخطيط، كما يوضح.

يبقى الموت أحد أكثر الألغاز العلمية تعقيدًا. ومع ذلك هناك بعض الراحة في معرفة أنه حتى وسط المجهول، قد يتذكر أحباؤنا ذكرياتهم العزيزة.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
  • المصادر: 1