من أين أتت كل مياه الأرض؟

من المعلوم أن الماء مورد ضروري يبقينا على قيد الحياة، ويساعد محاصيلنا في النمو، بالإضافة إلى قدرته على تعويض استهلاك الطاقة نظرًا لقوة المحيطات التي تشكل غالبية مياه سطح الأرض. فمثلًا تستطيع قوة المحيطات سد 64% من احتياج الولايات المتحدة الأمريكية إلى الطاقة، هذا إذا اخترنا الاعتماد عليها. وتشير بعض الأبحاث الجيولوجية إلى المياه بوصفها مكونًا أساسيًا للصفائح التكتونية (غلاف الأرض الصخري)، لأنها ترفع ليونة انزلاق الصخور (اندساسها) إلى وشاح الأرض، مساهمةً بتغير شكلها وذوبانها.

وعلى الرغم أن مياه الأرض مكوّن أساسي في علم وظائف الأعضاء، وعلم الأحياء، والجيولوجيا، ما زال مصدرها محور جدل شديد.

الفرضية السائدة

تنص إحدى أشد النظريات قبولًا على الإطلاق فيما يخص مصدر مياه الأرض أن المياه «بُذِرت» في الكوكب في مراحل تكوينه الأولى. بمعنى أن الأرض استقبلت بعض الكواكب الجليدية عندما كانت تلتحم (عملية تراكم الجسيمات لتكوين جسم ضخم تحت تأثير قوة الجاذبية). وتعاظمت كمية المياه على الأرض لاحقًا بفضل وابل نيازك جليدية كان يضربها. ولكن من المرجح أن هذه النظرية لا تقص القصة الكاملة، كما ذكر في دراسة حديثة نشرت فيPhysical Review Letters.

قال المؤلف المشارك أرتيوم أوجانوف، العضو في هيئة التدريس في مركز سكولتش Skoltech للتكنولوجيا وعلوم الطاقة، في بيان صحفي «إن هذه المصادر تبدو محدودة جدًا»؛ وعلى الرغم من إمكانية أن تأتي بعض مياه الأرض من ارتطام النيازك، ليس من المرجح أن تكون وحدها السبب وراء محيطات الكوكب غير المنتهية.

وأضاف أن «تركيبة النظائر في مياه المذنبات تختلف تمامًا عن تلك الموجودة على الأرض». إذ تحتوي المياه في المذنبات على مركب يسمى الديوتريوم، وهو نظير الهيدروجين الثقيل. وكمية الديوتريوم في مياه المذنبات تعادل ثلاثة أضعاف كميتها في محيطات الأرض.

وذكر أوجانوف في رسالة بالبريد الالكتروني لصحيفة أخبار العلوم المتقدمة ASN: هذا يلزم أن تكون مياه الأرض أولية، لا آتية من مذنبات.

مادة كيميائية منقرضة: سيليكات المغنيسيوم

يجادل أوجانوف وزملاؤه، بقيادة الأستاذ شياو دونغ من جامعة نانكاي، أن الماء جاء من باطن الأرض، التي حمته في طفولتها النارية حين قصفتها النيازك وكوكب ثيا، وهو كوكب افتراضي بحجم المريخ.

طور أوجانوف ومجموعة من العلماء الصينيين منهجية تسمى USPEX (المتنبئ الهيكلي العالمي: فن الخط السيني التطوري) للتحقق من مصدر المياه. ولقنوا خوارزميتهم التطورية تلك العناصر الكيميائية المختلفة التي كانت موجودة على الأرض في أثناء تكوينها، فضلًا عن الضغط الداخلي لها. وتمكنوا من خلال هذه العملية من تحديد مركب كيميائي قد يكون وراء وجود مياه الأرض، ألا وهو سيليكات المغنيسيوم.

يُشكل الماء ما نسبته 11% من وزن مركب سيليكات المغنيسيوم، وهو مركب مستقر عند درجات الحرارة والضغط في باطن الأرض. وفي أثناء تكوين الأرض، لم يكن اللب الصلب الحديدي الذي نعرفه اليوم موجودًا بعد، بل وجدت سيليكات المغنيسيوم بدلًا منه. هذا المركب ينتج من الكوندريت، وهي صخور نيزكية يعتقد أنها توجد في معظم الكواكب الصخرية. قال أوجانوف في هذا الصدد: «سوف تتشكل سيليكات المغنيسيوم حتمًا إذا قمت بتعريض الكوندريت لضغوط تزيد عن 200 جيجا باسكال».

بانخفاض درجة حرارة الأرض وسكونها، تشكل اللب الحديدي في مركز الكوكب، مما أدى إلى إزاحة سيليكات المغنيسيوم إلى مناطق أبرد قرب سطح الأرض. وحينها تفككت جزيئات المركب وتحرر الماء. وانتقلت تلك المياه بمرور الزمن إلى سطح الكوكب، حيث تجمعت وشكلت المحيطات المترامية الأطراف التي نعرفها اليوم.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
  • المصادر: 1