قصة الممرضات السود البطلات اللاتي ساهمن في علاج السل

قصة الممرضات السود البطلات اللاتي ساهمن في علاج السل.

السل أحد أقدم الأمراض وأكثرها فتكًا بالإنسان، لكن اليوم أصبح بإمكاننا الوقاية منه وعلاجه بفعالية. إذ طوّر العديد من الباحثين علاجات فعالة له، لكن الفضل في ذلك لا يعود لهم وحدهم فقط.

ففي كتابها ‘الملائكة السود’ (القصة غير المروية للممرضات اللاتي ساعدن في علاج السل)، تؤرخ الكاتبة ماريا سيمليوس حياة الممرضات السود وجهودهن التي أنقذت حياة العديد من المرضى بمستشفى سيو فيو في جزيرة ستاتين في نيويورك.

وعملت هؤلاء الممرضات جنبًا إلى جنب مع الأطباء، لكن لم يذكر التاريخ دورهن حتى هذه اللحظة.

السل (ذلك المرض المرعب الناتج عن الإصابة ببكتيريا المتفطرة السلية) هو حاليًا ثاني أكثر أنواع العدوى فتكًا على مستوى العالم بعد الكوفيد.

وهو عبارة عن جرثومة محمولة بالهواء تصيب المضيف بسهولة، وتبقى في حالة سبات حتى تنشط وتبدأ عملها بشكل سريع فتتسبب في تمييع الرئتين، ذبول وشحوب الجلد وقد يصل الأمر إلى تضخم اللسان وخروجه من الفم. على مدى أجيال، كان السل بمثابة حكمٍ بالإعدام، ولا يزال كذلك في بعض الدول النامية.

ومع ذلك، في الآونة الأخيرة أصبح دواء السل متاحًا على نطاق واسع بعدما خفضت شركة جونسون آند جونسون سعره، وذلك بعد أن طالبهم الروائي الشاب ونجم اليوتيوب جون جرين بذلك في حملة عامة موسعة أطلقها على شبكة الإنترنت.

تحدثت مجلة ساينتفيك أميريكان مع سيمليوس حول كتابها الجديد وعن الممرضات السود اللاتي أنقذن الكثير من الأرواح، سواء من الموجودين في العنابر أو في جميع أنحاء العالم، مخاطرات بحياتهن طوال هذه المسيرة.

لقد تطرقتِ وتابعتِ الكثير من الشخصيات المثيرة للاهتمام في هذا الكتاب. في البداية نرى العالم بعيون إدنا سوتون، عمة فيرجينيا ألين (وهما من ممرضات سي فيو)، ولكن هناك العديد من الشخصيات الأخرى التي تناولتِ قصصها في كتابك من بينهم أطباء ومرضى وحتى بعض الأقارب الأحياء لممرضات مستشفى سي فيو. كيف وقع اختيارك على هذه الشخصيات للكشف عن كل هذه الحقائق المستورة والقصص المعقدة؟

كان الأمر صعبًا، وكنت أعلم أنه علي أن أجعل من إدوارد روبيزتيك (الذي ساعد في تطوير الإيزونيازيد، المضاد الحيوي لعلاج السل) شخصية رئيسية باعتباره الشخص الذي بدأ هذه التجارب الدوائية.

لم يكن أيًا من هذه التجارب ليحدث لولاه، وقد أشار هو إلى أن كل ذلك الإنجاز لم يكن ليحدث لولا الممرضات، وكنت أعلم أيضًا أنه علي أن أتحدث مع المرضى، وتمكنت من تحديد اثنين منهما لا يزالا على قيد الحياة، كما أنني كنت بحاجة إلى التركيز على بعض أبرز مرضى التجارب العلمية ممن ظهروا في الصحف مثل هيلدا [علي]. ثم انجذبت حقًا إلى قصة الممرضة السوداء ميسوريا [ميدوز ووكر]؛ وكان يجب أن تكون من شخصيات الكتاب البارزة لأنها ثبتت على موقفها ورفضت التنصل من واجبها. بفضلها تغيرت الكثير من الأمور.

والشيء نفسه حدث مع إدنا؛ لقد كانت واحدة من أوائل السود ممن امتلكوا منزلًا في ذلك الجزء من جزيرة ستاتن، فكانت إدنا بمثابة حجر زاوية لمجتمع جديد كامل من السود في الجزيرة، والذي ما يزال موجودًا ومزدهرًا حتى الآن.

لقد ذكرتِ فيرجينيا ألين وبيرنيس ألييين [إحدى أقارب ميسوريا ميدوز ووكر] في صفحة الشكر والتقدير في الكتاب. هل يمكن أن تخبريننا عن علاقتكِ بهما وكيف تأثر بحثك بهذه العلاقة؟

عندما كنت محررة للعلوم في مجلة ‘سبرينجر نيتشر’، كنت اقرأ كتابًا عن أمراض الرئة النادرة، وضم هذا الكتاب ما يقرب من 10 حالات دُرست. تضمنت إحدى دراسات الحالة أحد أمراض الرئة النادرة للغاية، وعلق الطبيب الذي كتب الكتاب عنه بتعليق سريع مفاده: “حسنًا، أتمنى أن يصبح هذا الدواء مثل علاج مرض السل في مستشفى سي فيو”، فتساءلت: “ما الذي يتحدث عنه؟”.

أنا من نيويورك وأعد نفسي من هواة تاريخ المستشفيات المهجورة وأي شيء له علاقة بالأمراض، لذلك بدأت بالبحث في جوجل، ووصلت إلى مقال يتحدث عن سي فيو وهذا العلاج، ثمّ تلاه مقال عن فيرجينيا ألين، التي استطعت العثور عليها عن طريق متحف جزيرة ستاتن، حيث كانت متحدثة بإحدى الفعاليات.

ذهبت والتقيت بها، ثم على مدى ستة أسابيع التقينا في مقهى صغير بالقرب من مركز مستشفى هارلم في نيويورك، بعدها دعتني إلى منزلها الموجود مكان سكن الممرضات المعاد ترميمه في منطقة سي فيو. مشينا وتحدثنا وأشارت إلى المباني، ثم قالت لي: “هل ترغبين في أن تحكي القصة؟”، وبدوري سألتها: “هل هناك أي أرشيف؟”، أجابت: “لا، هناك تاريخ شفهي ويمكنني أن أطلعك عليه”.

كيف كانت الحياة السياسية للممرضات في أثناء هذه الفترة الزمنية؟ إذ كانت حياتهن المهنية وحياتهن المنزلية متشابكتين ومرتبطتين بشكل وثيق؛ وكنّ يعشن في المستشفى التي يعملن بها وكانت نتيجة اختباراتهن إيجابية لمرض السل، وفي الوقت نفسه يقمن بدورهن في علاج المرضى.

لذلك لا أستطيع أن أتحدث بالضبط عن انتمائاتهن السياسية، لكنهن كن سياسيات بالدرجة التي يمكن معها اعتبارهن ناشطات، فجميعهن كن منتميات إلى الرابطة الوطنية لتقدم الأشخاص الملونين (NAACP) والرابطة الوطنية للممرضات الخريجات الملونات.

وغالبًا ما كانت تستقبل ميسوريا المرضى؛ إذ أنّه لم يكن لدى الممرضة عائلة لذلك كانت من تستقبل المرضى. عندما بحثت في هذا الكتاب، أدركت أن الممرضات السود كن ناشطات منذ البداية.

تم منعهن من الانضمام إلى جمعية الممرضات الأمريكية [في ذلك الوقت]، لذلك كان عليهن أن يشقوا طريقهن الخاص وقد اتسمن بشدة الذكاء، أخبرتني فيرجينيا أن إدنا كانت ناشطة أكثر هدوءًا. استخدمت منزلها في السنوات الأخيرة لعقد الاجتماعات وجمع المال، لتوفير منح دراسية للشابات السود للذهاب إلى الكلية.

يضع كتابك القراء على الجبهة الأمامية لوباء السل، واستعرض الصورة المؤلمة للمرض، كمرضٍ عنيف. تضمن الكتاب أوصافًا صريحة لبعض الإجراءات الطبية الصعبة أو العمليات الجراحية التجريبية التي كانت تستخدم في ذلك الوقت.

كيف تعاملت مع هذا الجزء من البحث، ولماذا أردت أن يفهم القراء ويجربوا هذا الواقع المؤلم الذي سببه المرض؟

أردت تصحيح الخرافة الشائعة بأن مرض السل هو مجرد مرض يصيب الرئتين وأن أعراضه تتمثل في السعال.

وكما قلت، هو مرض عنيف؛ إنه يدمر الجسم بطرق لا يمكن تصورها. إن الميكروب مجهز بشكل مثالي للتعذيب والقتل بمعدل بطيء جدًا، إذ لا يعرف المرضى حتى أنهم قد وقعوا فريسة له على مدى أسابيع أو حتى أشهر. أردت أن يعرف القراء أنه يؤثر على اللسان والدماغ والكليتين؛ فهو يؤدي إلى تقلص الكليتين حتى تصبحا مجرد عقدتين صغيرتين عديمتي الفائدة داخل جسمك. لقد عانيت من عدم الرغبة في إزعاج القراء وإرهابهم، لكنني اعتقدت أنه من المهم حقًا وصف الأعراض والإجراءات. وكان هذا بمثابة عبء عقلي وذهني ثقيل على هؤلاء النساء.

قالت فيرجينيا إن إدنا لم تتحدث عن ذلك أبدًا، لكن إدنا كانت ممرضة جراحية عندما كان يتم استئصال كل 6 إلى 10 أضلعٍ سويًا في المرة الواحدة. كما أردت أيضًا أن يضع الكتاب حدًا للمعلومات الزائفة ويقف في وجه الخرافات؛ لأن هناك الكثير من اللغط والخرافات التي قد تتضخم في أذهان الكثير من الناس اللذين كانوا خائفين جدًا من المرض، وكان بمثابة وصمة عار.

أظهر هذا الكتاب بعض أوجه التشابه الغريبة بين تجربتنا مع الذروة الأولية لجائحة كوفيد-19 وتجربة المواطن العادي في أثناء انتشار وباء السل، لذا هل يمكن أن تخبرينا كيف أثر بحثك وكتابتك لهذا الكتاب على وجهة نظرك بشأن فيروس كوفيد-19؟

أحد الأشياء التي يأملها أي كاتب هو أن يتمكن من تجربة أكبر قدر ممكن مما يكتبه. لذلك ذهبت إلى سافانا بولاية جورجيا وإلى كلينتون بولاية كارولينا الجنوبية، وتجولت أيضًا في منطقة Sea View. لم أرغب أبدًا في تجربة ما كان يعنيه العيش في ظل وجود فيروس ينتقل عبر الهواء وليس له علاج. لكنني وجدت نفسي في هذا الموقف في 13 مارس 2020 مع بقية العالم. اتصلت بي فيرجينيا في وقت مبكر، وقالت لي: “اجعلِ نوافذك مفتوحة دائمًا، وحركي المراوح والهواء هكذا فعلنا عند انتشار مرض السل”.

وفيما يتعلق بالكتاب، كان علي إعادة كتابته بعد جائحة فيروس كوفيد-19. أريد أن يتمكن الناس من قراءة هذا الكتاب ويعلموا أننا بحاجة حقًا إلى النظر إلى التاريخ لأننا في خضم تفشي آخر لفيروس كوفيد، واعتقدت أنه من المهم حقًا أن يرى الناس مدى سخافة كوننا في نفس الموقف الآن. لقد كان الأمر مرعبًا بالنسبة لي لأنني علمت أن الأمر استغرق ما يقرب من تسع سنوات أخرى حتى تمكن الباحثون من تعديل الدواء ليصبح فعالًا في علاج مرض السل، فقلت لنفسي: “يا إلهي، هل يتعين علينا أن نعيش مع هذا الوباء تسع سنواتٍ أخرى؟”.

هل يمكنك أن تخبرينا من وجهة نظرك كيف يمكن أن تساعدنا معرفتنا بتاريخ مرض السل في معركتنا ضد كوفيد؟

لسوء الحظ، قرأت الأسبوع الماضي أن هناك حوالي 500 حالة نشطة من مرض السل في مدينة نيويورك، وهو ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 20% تقريبًا، مقارنة بالعام الماضي، وهذه الأرقام تجعل هذا العام أسوأ عام بالنسبة للإصابة بالسل منذ أكثر من عقد من الزمن.

وأعتقد أن الشيء الوحيد الذي يمكننا استخلاصه هنا هو أن مكافحة السل كانت بمثابة جهد عالمي ديمقراطي مستدام، إذ لم يكن هناك إصلاح بين عشية وضحاها.

ولكن الأهم من ذلك، أنه عندما أصبح العلاج الفعال متاحًا، تم نشره في جميع أنحاء العالم، ويعود الفضل في جزء من ذلك لأن الإيزونيازيد لم يحصل على براءة اختراع، لذلك ظلت تكاليف إنتاجه ومعلاجة الناس به منخفضة.

وأخيرًا، بينما كانت الخرافات موجودة في ذلك الوقت، لم يقم غالبية الناس بجهد جماعي ليقولوا إنه ‘مرض وهمي’، فقد أرادوا أن يختفي الوباء. عندما نصل إلى هذه الدرجة من الوعي -إذا وصلنا إليها- حينها أعتقد أنه يمكننا حقًا البدء في القضاء على فيروس كوفيد.

  • ترجمة: رنا عبد الرحمن
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1