يخضع الدماغ لعملية «إعادة توجيه» كبيرة بعد سن الأربعين

يكون الدماغ أثناء الشيخوخة متصلًا بشكل مختلف.

تخضع أدمغتنا في العقد الخامس من حياتنا لعملية «إعادة توجيه» جذرية ينتج عنها اتصال شبكات متعددة فيما بينها بشكل أكبر على مدى العقود اللاحقة. ويحدث هذا التغير في عملية التوصيل بسبب إعادة الدماغ ترتيب نفسه ليعمل بكفاءة بالموارد الضئيلة المتاحة و«الأدوات» القديمة. ويسهم النظام الغذائي الصحي، وممارسة الرياضة بانتظام، واتباع أسلوب حياة صحي في إبقاء العقل يعمل بصورة جيدة، ويبطئ التغيرات في شبكات التوصيل، لحين الوصول إلى عمر متقدم.

في استعراض منهجي نُشر عام 2022 في مجلة علم النفس الفيزلوجي، راجع باحثون من جامعة موناش في استراليا الأدب العلمي، سعيًا لتلخيص كيف يتغير توصيل الدماغ البشري على مدار حياتنا. ويقترح الدليل الذي حُصل عليه إنه في العقد الخامس من العمر (أي بعد أن يبلغ الإنسان سن ال 40), يخضع الدماغ لعملية إعادة توجيه جذرية ينتج عنها اتصال شبكات مختلفة بشكل أكبر على مدار العقود اللاحقة، ويصحب هذه العملية تأثيرات على الإدراك.

فمنذ بداية القرن، تصوّر علماء الأعصاب الدماغ كشبكة معقدة، تتكون من وحدات مُقسمة إلى مناطق رئيسية، مناطق فرعية وأعصاب مستقلة. وهذه الوحدات مترابطة هيكليًا ووظيفيًا أو كليهما. ومع التطور المتزايد لتقنيات المسح، أصبح بإمكان علماء الأعصاب ملاحظة المناطق التي «تُضيء» في الدماغ كاستجابة عند تحفيزها أو عند الراحة، مما يعطي نظرة سطحية عن كيفية تزامن عقولنا.

لقد فحص فريق جامعة موناش 144 دراسة استخدمت هذه التقنيات التصويرية لاستكشاف أدمغة عشرات الآلاف من الأشخاص. واستخلصوا من هذا البحث اتجاهًا عامًا في كيفية تغير اتصالات الدماغ على مدار حياتنا.

في بداية سنوات المراهقة والشباب، يبدو أن الدماغ يمتلك شبكات عديدة مقسمة وعلى مستويات عالية من الترابط الداخلي، مما يعكس القابلية على المعالجة المتخصصة. ويبدو هذا منطقيًا، إذ إن هذا هو الوقت الذي نتعلم خلاله ممارسة الرياضة، والتحدث باللغات وتطوير المواهب. وعند الوصول لمنتصف الأربعينيات من العمر، يبدأ هذا الأمر بالتغير. إذ يصبح الدماغ أقل توصيلًا داخل هذه الشبكات المنفصلة وأكثر توصيلًا عبرها. ومع بلوغنا الثمانين من العمر، يصبح الدماغ متخصصًا بشكل أقل، وبدلًا من ذلك يكون متصلًا ومترابطًا بشكل أكبر.

إن «إعادة التوجيه» هذه لها تأثير كبير على الإدراك.

فقد لاحظ المراجعون بأن «كبار السن يظهرون تفكيرًا أقل مرونة من ناحية تشكيل مفاهيم جديدة والتفكير المجرد، وضعف في تثبيط الاستجابة، بالإضافة إلى تراجع في التفكير اللفظي والعددي.

ويمكن رؤية هذه التغيرات في الوظائف التنفيذية أولًا عند البالغين في العقد الخامس من حياتهم، وذلك يتوافق مع نتائج الدراسة المنهجية التي تشير إلى إن التغيرات في اتصال الشبكات تصل إلى نقطة الانعطاف في العقدين الرابع والخامس».

ولكن ليست كل الأخبار سيئة بخصوص شيخوخة الدماغ. فقد كتب المؤلفون: «إن المهام التي تعتمد على عمليات تلقائية أو ممارسات جيدة تكون قليلة التأثر بالعمر، أو قد تتحسن قليلًا مع التقدم بالعمر، مثل المعرفة اللفظية واكتساب المفردات».

إذًا، لماذا تحدث هذه التغيرات في توصيلات الدماغ من الأساس؟ يقدّم الباحثون تخمينًا بهذا الخصوص. إذ لاحظوا إن الدماغ هو عضو «متعطش» للكثير من الموارد، والسكر البسيط (الجلوكوز). وكتبوا: «يُشكّل الدماغ حوالي 2% من وزن الجسم ولكنه يستهلك حوالي 20% من مخزون الجلوكوز».

ولكن كلما تقدمنا في العمر، تميل أجسادنا للعمل ببطء بشكل أكبر وتصبح عقولنا أقل فعالية. فالدماغ لا يحصل على جلوكوز أقل فقط، وإنما لا يستعمل هذا الوقود بشكل جيد أيضًا. لذلك فإن التغيرات في التوصيل تنتج عن قيام الدماغ بإعادة تنظيم نفسه ليعمل بشكل أفضل مع الموارد المنخفضة و«الأدوات» القديمة.

في بعض الأحيان، يمكن للنظام الغذائي الصحي، وممارسة التمارين بشكل منتظم، واتباع أسلوب حياة صحي أن يُبقي العقل بحالة عمل جيدة ويُبطئ التغيرات في شبكات التوصيل لغاية عمر متقدم.

إن العمليات الداخلية للعقل غامضة بالفعل، ولكن بوجود هذا الاستعراض النظامي الضخم ومئات البحوث وعشرات الآلاف من مسوحات الدماغ، بدأنا على الأقل بالحصول على نظرة سطحية عن كيفية حدوث هذه التغييرات على مدار حياتنا.

وختم الباحثون: «خلال سنوات الحياة المبكرة، هنالك تنظيمات سريعة في شبكات العقل الوظيفية. ثم تحدث تحسينات للشبكات الوظيفية إلى حوالي العقدين الثالث والرابع من العمر. أما في مرحلة الشيخوخة، فقد تحدث تفاعلات متعددة تتنوع بين تغييرات ضارة وأخرى تعويضية».

  • ترجمة: سجى مبارك
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1