تقنية مبتكرة لزرع الكلى دون كبت المناعة
يمكن أن تنقذ عمليات زراعة الأعضاء حياتنا حرفيًا، ولكنها تصاحب بقيود إضافية، عادة ما تكون تناول بعض العقاقير المثبطة للمناعة على الدوام لكبح الجهاز المناعي؛ خشية أن يرفض العضو الجديد ويعده دخيلًا.
ولكن العلماء باتوا يبلغون عن ثلاث عمليات زراعة كلى ناجحة، أجريت على أطفال في كاليفورنيا، دون اللجوء إلى تثبيط المناعة. إذ أجريت تلك العمليات بتقنية جديدة تقلل خطر تعرض الكلى الجديدة للرفض. وهذا يعني التحرر من المثبطات المناعية وآثارها الجانبية، لأنها ليست حميدة دائمًا وتشمل ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان والسكري. وكذلك يعني تقليل احتمالية إجراء عملية زرع أخرى بسبب رفض العضو الأول.
وأشارت أليس بيرتينا، الأستاذ المساعد في قسم الأطفال بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، إلى أنه «يمكن التخلص الآمن من الكابتات المناعية بعد إجراء عمليات زرع الكلى للمرضى». فهذه التقنية المبتكرة تعمل بحقن جسم المريض بالجهاز المناعي للمتبرع بأمان، عبر حقن الخلايا الجذعية من نقي عظم المتبرع قبل زرع الكلى، وتسمى العملية زرع الأعضاء المناعي الصلب المزدوج (DISOT)، ورغم أنها جربت سابقًا فقد كانت محدودة النجاح.
أما في هذه الحالة، فقد ألحق بالعملية إجراء إضافي. إذ استنزف الباحثون الخلايا البائية المقترنة بسي دي 19 وخلايا ألفا بيتا التائية، وهذا يعني إزالة أنواع الخلايا المناعية التي تسبب مرض الطعم ضد المضيف (GVHD)، الذي من المحتمل أن تنتج عنه مضاعفات قاتلة عند تطور المرض من جراء استخدام تقنيات متماثلة في الماضي.
ومع حد الأخطار المصاحبة لهذا المرض، أصبح إجراء مثل هذه العمليات آمن. ومن السهل نسبيًا إزالة خلايا ألفا بيتا التائية لتتلاءم مع الحالات المرضية للأطفال الذين سيسهل لهم إجراء زراعة الأعضاء (المتبرع بها من أحد الآباء) التي لا تتطابق تمامًا مع أنسجتهم. وتتجدد الخلايا الجديدة في المعدل الطبيعي 60-90 يومًا، مشكلة بذلك الجهاز المناعي من جديد.
أجريت تعديلات أخرى، تشمل إزالة السمية الناتجة عن العلاج الكيمياوي والعلاج بالإشعاع اللازمين قبل إجراء عمليات زرع الأعضاء. مع ذلك هناك حاجة إلى بعض التحضيرات المعقدة لإعداد الجسم لاستقبال عضو جديد.
لكن الأطفال الثلاثة الذين أجريت لهم عمليات زرع الكلى كانوا يعانون مرضًا جينيًا نادرًا للغاية يعرف بمتلازمة سجيمك (SIOD)، وهو يعيق قدرة الجسم على محاربة العدوى، وقد يضاعف خطر الإصابة بالفشل الكلوي.
وأشاد توماس سبيتزر ودافيد ساكس من مستشفى ماستشوستس العام في مقال افتتاحي بـ «هذه التجربة التي تؤكد إمكانية الجمع (أو التتابع) بين زراعة الخلايا الجذعية والكلى، من أجل علاج الاضطرابات الدموية ونقص المناعة، وإحداث تحمل طعم خيفي للكلية. لأن متلازمة سجيمك (SIOD) اضطراب مناعي نادر يساهم بلا شك في إنجاح تجدد النخاع العظمي بعد حقنه في جسم المريض».
وفي حين أن الأطفال ما زالوا يعانون تلك المتلازمة وآثارها الجانبية، فإن الكلى التي استلموها تعمل كما ينبغي. وعمليات زراعة الأعضاء ناجحة منذ 22 و34 شهرًا في الأقل، وفقًا لتقارير الباحثين.
وصرحت بيرتينا أن «أولئك الأطفال كانوا مرضى فريدين، وكان علينا جمع عمليتي زراعة الخلايا الجذعية والكلى. والآن، هؤلاء الأطفال قادرون على الذهاب إلى المدرسة، وقضاء العطلة، وممارسة التمارين الرياضية، ويمارسون حياتهم بنحو طبيعي».
ومن المتوقع أن يمتد أثر هذه الخطوات لتشمل عددا من المرضى والحالات المرضية التي يمكن علاجها. لأنها لم تطبق إلا على مرضى متلازمة سجيمك الذين تتناسب معهم هذه العملية.
ومن المثير للاهتمام لفريق البحث الأطفال الذين أجريت لهم عمليات زراعة الكلى، ولكن أجسامهم رفضتها. لأن هذه الحالة تحدث مع نصف الأطفال تقريبًا، ويترتب عليها فرط الحساسية لأجهزتهم المناعية التي على الأرجح لا يمكنها أن تتقبل كلية أخرى من خلال زرعها بطريقة تقليدية.
سيكون الأطفال أوائل المستفيدين من ذلك، ثم سينظر الباحثون بأمر الأعمار الأكبر. وربما يمكن تبني تلك التقنية لاحقًا لزراعة الأعضاء الأخرى لا فقط الكلى، لكن الأمر سيستغرق وقتًا. واختتمت بريتينا كلامها بالقول «إن هذا تحدٍ، ولكنه ليس مستحيلًا».
نشر هذا البحث في دورية “نيو إنجلاند” الطبية.
- ترجمة: زينب محمد حسين
- تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
- المصادر: 1