رؤية الأشياء دون النظر إليها! مع ميكانيكا الكم… هذا ممكن!

نرى العالم من حولنا لأن خلايا متخصصة في شبكيتنا تمتص الضوء.. لكن أيعقل أن تحدث الرؤية دون امتصاص ‘ولا حتى جسيم واحد’ من الضوء؟!

على نحوٍ مفاجئٍ، فإنَّ الجواب هو نعم.

تخيل أنَّ بحوزتك علبة كاميرا قد تحتوي على لفة من فلم تصوير، اللفة حساسةٌ جدًا لدرجة أنَّها ستتلف في حال تلامسها مع فوتونٍ واحد. بحسب طرائقنا الكلاسيكية الحالية فإنَّه ليس هنالك طريقة لمعرفةِ إذا ما كان هناك فلم في العلبة، لكن هذا ممكن في العالم الكمي!!

كان أنطون تسايلينغر Anton Zeilinger، وهو أحد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2022، أول شخص ينفّذ تجريبيًا فكرة تجربة خالية من التفاعل بين المواد باستخدام علم البصريات.

والآن، في دراسة تستكشف العلاقة بين العالَمين الكمي والكلاسيكي، اكتشف شروتي دوغرا Shruti Dogra، وجون ج. مكورد John J. McCord، وجورجي سورين باراوانو Gheorge Sorin Paraoanu من جامعة آلتو طريقةً جديدة وأكثر كفاءة لإجراء التجارب الخالية من التفاعل. استخدم الفريق أجهزة إرسال -دارات كهربائية فائقة التوصيل كبيرة نسبيًا لكنها تُظهر سلوكًا كميًا- للكشف عن وجود نبضاتٍ مكروية تولدها أدوات كلاسيكية، نُشر بحثهم مؤخرًا في مجلة Nature Communications.

تجربة مع إضافة طبقة من «الكمّية quantumness»:

بالرغم من أنَّ دوغرا وباراوانو كانا مفتونين بالعمل الذي قامت به مجموعة تسايلينغر البحثية، إلا أنَّ مختبرهم يتمحور حول الأمواج المكروية والنواقل الفائقة بدلًا من الليزرات والمرايا، قال باراوانو: «كان علينا جعل الفكرة تتماشى مع الأدوات التجريبية المختلفة المتاحة للأجهزة فائقة التوصيل، ولهذا السبب كان علينا أيضًا تغيير النهج الأساسي الخالي من التفاعل بطريقة هامة: أضفنا طبقة أخرى من «الكمّية» باستخدام إرسالٍ ذي مستوى طاقة أعلى، ومن ثم استخدمنا الترابط الكمي للنظام المؤلف من ثلاث مستويات كمرجع».

يشير الترابط الكمي لإمكانية وجود شيء في حالتين مختلفتين في آنٍ واحد -وهو أمرٌ تسمح به الفيزياء الكمية- لكن الترابط الكمي معقدٌ وسهل الانهيار، لذا لم يكن من الواضح مباشرةً إذا ما كان النهج الجديد سيعمل. ولدهشة الفريق السارة، فقد أظهرت العمليات الأولى من التجربة زيادةً ملحوظةً في كفاءة الكشف. عادوا إلى لوح الكتابة مراتٍ عديدة، وأجرو النماذج النظرية المؤكدة لنتائجهم، وتحققوا من كل شيء مرة أخرى، كان التأثير حتمًا موجودًا.

يقول دوغرا: «أظهرنا كذلك أنَّه يمكن حتى باستخدام نهجنا الكشف عن نبضاتٍ مكرويةٍ ضعيفة جدًا».

أظهرت التجربة كذلك طريقةً جديدة تستطيع من خلالها الأجهزة الكمية تحقيق نتائج من المستحيل تحقيقها بالأجهزة الكلاسيكية -وهي ظاهرة تُعرف باسم الميزة الكمية-. يعتقد الباحثون عمومًا أنَّ تحقيق الميزة سيتطلب حواسيب كمية مزودة بالعديد من البتات الكمية qubits، لكن هذه التجربة أظهرت ميزة كمية حقيقية باستخدام وسيلةٍ أبسط نسبيًا.

تطبيقات محتملة في العديد من أنماط التقنية الكمية:

بالنسبة للقياسات الخالية من التفاعل المعتمِدة على الطريقة القديمة الأقل كفاءة، فقد وُجدت لها تطبيقات في عملياتٍ متخصصة كالتصوير البصري، والكشف عن الضجة، وتوزيع مفاتيح التشفير.. بإمكان الطريقة الجديدة والمُحسَّنة زيادة كفاءة هذا العمليات على نحوٍ ملفتٍ للنظر.

يقول باراوانو: «يمكن تطبيق طريقتنا في الحوسبة الكمية للتعرف على حالات الفوتون المكروي في عناصر ذاكرةٍ معينة، يمكن النظر لذلك كطريقةٍ عالية الكفاءة لاستخراج البيانات دون الإخلال بوظيفة المعالج الكمي».

تستكشف المجموعة الذي يقودها باراوانو كذلك أشكال مختلفة أخرى من معالجة البيانات باستخدام نهجها الجديد، كالاتصال المغاير (الاتصال بين طرفين دون نقل أي جسمياتٍ مادية) والحوسبة الكمية المغايرة (حيث نحصل على نتيجة الحوسبة دون تشغيل الحاسوب حتى).

  • ترجمة: شادي الصعوب
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1