من المفاجئ أن استقلاب السكر في السرطان يحدث على النحو المعتاد

هذه الدراسة لها تبعات على استهداف الاستقلاب في معالجة السرطان.

كان يُنظر لاستقلاب الخلايا السرطانية على أنه ضرب من التناقض لأكثر من قرن من الزمن. يُظهر عمل جديد لباحثين من جامعة واشنطن في سانت لويس (Washington University in St. Louis) أنه قد لا يوجد مثل هذا الشذوذ على الإطلاق وقد نُشرت الدراسة في 15 أغسطس في مجلة Molecular Cell.

يُعدّ الجلوكوز سكرًا شائعًا في الطعام وواحدًا من أهم العناصر الغذائية في الجسم، تميل الخلايا السرطانية إلى استهلاكه بسرعة مُذهلة. للوهلة الأولى، يبدو أن هذا منطقي لأن الخلايا السرطانية لديها الكثير من التصنيع لتنفيذه، في نهاية المطاف مع نمو الأورام بسرعة يتعيّن على كل خلية مُضاعفة محتوياتها.

لكن هنا تكمن المشكلة، إذ لا تستخدم الخلايا السرطانية الجلوكوز بكفاءة عالية، بدلًا من امتصاص كل الطاقة التي يمكنها استخلاصها من الجلوكوز فإنها تُطلق معظمها كنفايات.

قال غاري باتي (Gary Patti) أستاذ الكيمياء في كلية الآداب والعلوم وعلم الوراثة والطب في كلية الطب: «يجب على الخلايا نقل منتجاتها التحويلية إلى الميتوكوندريا لاستخلاص أقصى قدر من الطاقة من الجلوكوز». يُعدّ باتي العضو في مركز سايتمان للسرطان (Siteman Cancer Center) في مستشفى بارنز اليهودي (Barnes-Jewish) وكلية الطب مؤلفًا رئيسيًا للدراسة الجديدة.

قال باتي: «توجد بعض القواعد البيوكيميائية التي من المفترض أن يتبعها الاستقلاب، وإنه لمن المثير أن نفكر ‘لماذا قد يُسمح للأورام بكسرها؟’، ومع ذلك، تُوضح النتائج التي أشرنا إليها هنا أن الخلايا السرطانية تتبع فعلًا المبادئ المألوفة».

الطُّفوح:

الميتوكوندريا هي حجرات صغيرة داخل الخلايا، يُشار إليها عادةً باسم مصانع الطاقة الخلوية أو مراكز الطاقة، ما يدخل إليها وما يخرج منها مُسيطر عليه بإحكام.

وبالعودة قليلًا إلى التاريخ، اكتشف عالم الكيمياء الحيوية الشهير أوتو واربورغ (Otto Warburg) لأول مرة الطبيعة المُسرفة للأورام في العشرينيات من القرن الماضي، وافترض أن الميتوكوندريا تتلف في الخلايا السرطانية لتفسير سبب عدم حصد المزيد من الطاقة من الجلوكوز.

وصرّح باتي: «نعلم الآن أن هذا ليس صحيحًا، الميتوكوندريا فعالة وفي الحقيقة هي نشطة في معظم أنواع السرطان».

لكن هذا يترك سؤالًا دائمًا ومُزعجًا دون إجابة: لماذا تستقلب الخلايا السرطانية جزءًا قليلًا من الجلوكوز الذي تستهلكه في الميتوكوندريا؟

قال باتي: «أعتقد أن ما كان مُحيرًا هو وجود تصوّر أن الخلايا السرطانية تُفضّل عدم أكسدة الجلوكوز في الميتوكوندريا لديها، ربما من آثار الافتراض الأصلي لواربورغ أو قد يكون بسبب أنه يحدث على نطاق واسع، كان الافتراض عادةً أن الخلايا السرطانية تريد استخدام الجلوكوز بإهدار».

قُدّمت جميع أنواع التفسيرات لشرح رغبة الخلايا السرطانية في الإهدار باستخدام الجلوكوز. ومع ذلك يُؤكد باتي وفريقه أن هذه التبريرات قد تكون غير ضرورية. وفي النهاية، قد لا يكون الاستقلاب في السرطان غير عادي كما كان يعتقد العلماء.

تريد الخلايا السرطانية في الحقيقة أن تستقلب الجلوكوز في الميتوكوندريا لديها، وهي تفعل ذلك إلى أن لا تستطيع.

قال باتي: «عندما نُقيّد كمية الجلوكوز التي تمتصها الخلايا السرطانية فإن كل الكمية تقريبًا تشق طريقها إلى الميتوكوندريا، لكن كلما زاد استهلاك الجلوكوز، فإن سرعة نقل الجزيئات المشتقة من الجلوكوز إلى الميتوكوندريا لا يمكنها مواكبة ذلك». بعبارة أخرى، فإن الخلايا السرطانية تُهدر الجلوكوز فقط لأن النقل إلى الميتوكوندريا بطيء جدًا.

تخيّل أن صنبور حوض الاستحمام يُخرج ماءً أسرع مما يُمكن إزالته بالمصرف، في النهاية يفيض الماء على الأرض.

قال باتي: «هذا بالأساس ليس نموذجًا استقلابيًا جديدًا، تُفضل معظم الخلايا أكسدة الجلوكوز في الميتوكوندريا بدلًا من إخراجه على شكل فضلات. تُظهر بياناتنا أن الخلايا السرطانية ليست استثناءً، يبدو أنها تتبع الأنماط البيوكيميائية نفسها مثل الخلايا الأخرى».

الإشباع:

وقد أصبح اكتشاف فريق باتي ممكنًا بفضل تقنية ضخمة تسمى الميتابولوميات.

> >الميتابولوميات: هي دراسة البصمة الكيميائية الفريدة التي تخلفها بعض العمليات الخلوية المحددة وتتركها وراءها، وبالتالي تدل على حدوثها.

أوضح باتي: «كان التقدّم في مجال الميتابولوميات وقياس الطيف الكتلي استثنائيًا خلال العقد الماضي، لقد وصلنا الآن إلى نقطة أصبحت فيها القياسات الجزيئية داخل الخلية الواحدة ممكنة».

دمج الباحثون في هذه الدراسة الميتابولوميات مع متتبعات النظائر المستقرة، سمح لهم هذا بوسم أجزاء مختلفة من الجلوكوز ليتمكنوا من تتبعها داخل الخلايا، ومراقبة سرعة دخول الأشياء إلى الميتوكوندريا أو خروجها من الخلايا. بهذه الطريقة اكتشف العلماء أن المسارات الطبيعية لنقل الوقود تُصبح مُتجاوزة أو مُتشبعة في الخلايا السرطانية.

استغل الأطباء في العيادات لعقود معدّل استهلاك الأورام للجلوكوز وسيلةً لتشخيص السرطان وتحديد مرحلته. كما أدى هذا إلى اعتقاد البعض أن الحد من امتصاص الجلوكوز بالأدوية أو باتباع نظام غذائي خال من السكر قد “يُجوّع” الخلايا السرطانية حتى الموت.

تثير نتائج هذه الدراسة أسئلة عن هذه الاستراتيجية.

قال باتي: «قد نحتاج إلى إعادة التفكير في أفضل طريقة لاستهداف استقلاب الجلوكوز في السرطان، إذا كانت الخلايا السرطانية تأخذ جلوكوز أكثر من حاجتها، واستخدامها له بإهدار ليس دافعًا للمرض، فإن استقلاب الجلوكوز قد لا يكون هدفًا علاجيًا جذابًا كما كنّا نأمل».

  • ترجمة: محمد اللحام
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1