حقيقة “الاستقالة الكبرى”: من قام بتغيير الوظائف؟ أين ذهبت وكيف؟

حقيقة “الاستقالة الكبرى”:

إن عبارة الاستقالة الكبرى عبارة طنانة ظهرت بدايةً في شهر أيار من سنة 2021، وبعثت الخوف في قلوب الموظفين منذ ذلك الحين. تمت صياغة هذا المصطلح في الولايات المتحدة وهو يشير للارتفاع غير المسبوق في عدد الموظفين الذين يقومون بتقديم استقالاتهم من وظائفهم بعد انتشار الجائحة.

منذ ذلك الحين، تحاول الكثير من البحوث معرفة سبب ما حدث. هل يقوم العماّل بالاستقالة كليًا من وظائفهم لأن الوباء يجعلنا نعيد تقييم أولوياتنا؟ أم أنهم يقدمون استقالاتهم سعيًا لتحقيق أحلامهم في الحصول على وظائف أخرى؟

َما زلنا نحاول التوصل لمدى صحة هذه الرواية في المملكة المتحدة وذلك باستخدام بيانات مستمدة من المسح الاستقصائي للقوى العاملة يقوم بنشرها مكتب الإحصاءات الوطنية. تمتلك كلمة “كبرى” معنيين وقد نظرنا في كلا المعنيين، جسامة التغيرات في عدد الاستقالات وفيما إذا كانت هذه التغيرات تمثل قوة إيجابية بالنسبة للتقدم المهني للموظفين. ونظرنا أيضًا فيما إذا كان الازدياد في عدد الاستقالات قد ساهم في ندرة اليد العاملة التي تواجهها الشركات.

ازدياد عدد الاستقالات:

في الواقع، كان هناك تبعًا للبيانات موجة استقالة كبرى في المملكة المتحدة. يوضّح الرسم البياني الوارد أدناه أنّ عدد الاستقالات نما بشكل كبير في أواخر عام 2020 وتجاوز بشكل كبير مستويات ما قبل الجائحة في الربع الأخير من عام 2021.

على أية حال، هذا لم يحدث لأن الموظفين قرروا التخلي عن العمل بالكامل ومغادرة صفوف القوى العاملة، ونلحظ بدلًا من ذلك تزايدًا في عدد الموظفين الذين يقومون بتقديم استقالاتهم لكن بغية تسلم مناصب في وظائف جديدة لدى شركات أخرى ورؤساء عمل آخرين.

إن الفئة العمرية الوحيدة التي شهدت تزايدًا في عدد الأشخاص الذين يغادرون صفوف القوى العاملة كانت في أوساط الأشخاص الذين تجاوزا سن ال 50 والذين يتقاعدون بأعداد هائلة تفوق المعتاد.

إذاً، لماذا يقوم بعض الموظفين بتقديم استقالاتهم للعمل لدى شركات أخرى؟ أشار بعض المعلقين إلى أن الارتفاع ناتج عن سعي بعض الأفراد لإجراء تغييرات جذرية فيما يتعلق بالمهن، حيث يعيد الموظفون تقييم مسار حياتهم بعد انتشار الجائحة، وهذا في الواقع لا يستند إلى البيانات.

يقسّم الرسم البياني الوارد أدناه حالات الاستقالة في عام 2021 إلى موظفين ينتقلون لمهن ذات مهارات أعلى (ترقية)، ومهن ذات مهارات أدنى (أدنى منزلة) أو البقاء في نفس المهنة. كما ترى، يعود سبب ارتفاع معدل الاستقالات بشكل كبير إلى استقالة الموظفين للانتقال للعمل في وظائف جديدة بنفس المهنة.

تغيرات المهن، 2019-2021:

حتى إن لم يغيّر الموظفون بهذه الخطوات مسار حياتهم المهنية بشكل كبير، سيكون ذلك مفيدًا بالنسبة للأجور التي ينالونها. إنّ انتقال الموظفين من الوظائف التي يشغلونها إلى وظائف أخرى ضمن المهنة ذاتها حقق على مدى التاريخ أرباحًا وأجوراً أعلى من تلك التي ينالها الموظفون الذين اختاروا البقاء والعمل لدى الشركة ذاتها، ومما لا ريب فيه في عام 2021، أنّ انتقال الموظفين للعمل لدى شركات جديدة شهد أجورًا أعلى من أجور العمال الذين لم يتنقّلو بين الوظائف.

سيوفر هذا للموظفين الذين قاموا بتغيير وظائفهم بعض الراحة لقاء ارتفاع تكاليف المعيشة. مع ذلك إن الأغلبية الساحقة من الموظفين استمروا في العمل في وظائفهم وبالتالي عانوا أكثر من تكاليف أزمات المعيشة كلما انخفضت الأجور من حيث القيمة الحقيقية.

وجهة نظر أرباب العمل:

هل من الممكن لارتفاع عدد الاستقالات أن يؤدي إلى ندرة اليد العاملة؟ شهد النصف الأخير من عام 2021 العديد من تقارير الشركات التي تواجه الصعوبات في ملئ الشواغر وذلك مما يزيد من احتمالية أن يكون تزايد عدد الاستقالات سببًا لتلك الصعوبات التي تعترض عملية التوظيف. كان هناك معدل أعلى للاستقالة بين الموظفين القادمين من قطاعات “النقص” الخمسة التي تجد صعوبة في توظيف الأشخاص، وهذه القطاعات هي: قطّاع البناء، القطاع الصناعي، قطاع السكن وقطاع الصحة والغذاء، وقطاع الإدارة والدعم.

على أية حال، معظم الموظفين كانوا يقدمون استقالاتهم للذهاب لعمل آخر ضمن القطاع نفسه ولذلك من المستبعد أن يكونوا السبب الأساسي لنقص العمالة ضمن هذه القطاعات. ولكن، أسباب صعوبات التوظيف تتباين بتباين القطاعات. على سبيل المثال: القطاع الصناعي تضرر جرّاء التقاعد المبكر بينما كلًا من قطاعي السكن والطعام يعاني من هبوط في التدفقات النقدية للعمال الأصغر سنًا.

بدلًا من أن يكون هذا سببًا، من المرجح أن يكون التزايد في عدد الاستقالات داخل هذه القطاعات الخمس دليلًا على نقص اليد العاملة.

“سرقة الشركات لموظفي الشركات المنافسة بتوفير ظروف عمل أفضل لهم مع انتعاش الاقتصاد وتعافيه من ذروة الجائحة”. سبّب فقدان الموظفين بالتأكيد ألمًا إضافيًا لرؤساء العمل الذين كانوا يعانون في سبيل توظيف العاملين.

خلاصة القول، وعلى عكس ما قد يأمل البعض، إن ما يُطلق عليه الاستقالة الكبرى لعام 2021 لم يحسّن المسارات المهنية للموظفين بشكل ملحوظ. تمت مكافأة العمال الذين كانوا مستعدين وقادرين على العمل لدى شركات أخرى برواتب أعلى، بينما كان نمو الأجور بالنسبة للأشخاص الذين لزِموا وظائفهم وأماكن عملهم أبطأ وغير كافية لتعويض الزيادات الضخمة في تكاليف المعيشة.

أخيرًا، من الجدير بالذكر أن معدلات الشواغر، والاستقالات ونمو الأجور كلها تباطأت في الربع الأخير من عام 2021، وهذا يشير إلى أن التزايد في طلب اليد العاملة تلاشى. إذاً، إن لم تكن جزءًا من موجة الاستقالة الكبرى، فربما فات الأوان بالنسبة لك.

  • ترجمة: نور بكداش
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1