توظيف الأقارب والأصدقاء قد يكون مفيدًا للأعمال التجارية

وفقًا للأبحاث الجديدة، يبدو أن المحسوبية ليست خطوة سيئة بالمطلق.

أشار المدير التنفيذي لشركة فيسبوك أو Meta مارك زوكربرغ مؤخرًا خلال مقابلته الصوتية أنه عندما يأتي الأمر إلى تعيين طاقم عمل جديد، يُفضّل الأشخاص الذين (تتماشى قيمهم مع الأشياء التي يهتم بها)، وقال أن هذه العملية أشبه ما تكون بـ(اختيار صديق أو شريك حياة). مضيفًا أن العديد من الشباب يهتمون بـ(التركيز على الأهداف، ولا يركزون بدرجة كافية على العلاقات والأشخاص).

وهذا ما يستدعي أحد الأسئلة الأبدية الموجهة للمديرين عن كيفية اتخاذ قرار التعيين: هل تختار الشخص الذي يمتلك المؤهلات الأفضل بموضوعية أم من تتشابه قيّمه مع قيّمك؟

بينما يختار البعض بشكل واضح المرشح صاحب المؤهلات الأعلى، قد يفكر آخرون مثل زوكربيرغ مليًا ويوازن بين قدرات المرشح ومدى ما يملك من القيم المشتركة مع صاحب العمل. ويذهب البعض الآخر أبعد من ذلك ويعيّن أفراد العائلة والأصدقاء.

تروج العديد من الشركات في الواقع لهذا من خلال مخططات (تشجيع توصية الموظفين) التي تشجع على توظيف أفراد من نفس الخصائص أو على الأقل أولئك الذين ينتقلون في نفس الشبكات.

إن الهدف المعلن من هذه المخططات هو تقليل تكاليف التوظيف، وزيادة معدلات الاحتفاظ بالموظفين وتحسين مشاركتهم. حتى أن هناك إرشادات مخصصة لمساعدة المديرين الذين يوظفون أصدقائهم.

ومن جهةٍ أخرى، يبدو هذا الإقبال الصاعد على التوظيف بهذا الشكل معاكسًا لقوانين عدم المحاباة.

لقد سُنّت هذه القوانين حول العالم للتأكد من عدم معاملة مجموعة أفراد بشكل أسوأ من الآخرين.

على سبيل المثال، يعد قانون المساواة Equality Act 2010 في المملكة المتحدة أنه من غير القانوني التحامل بناءً على العمر أو الجنس، أو الدين، أو العرق، أو التوجه الجنسي.

وتهدف القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية المماثلة أو Equal Employment Opportunities laws بشكل مشابه، لتقليل الظلم في مكان العمل.

المشكلة في توظيف أصدقائك

بشكل عام، تعزز قوانين مكافحة التمييز التنوع، ويبدو أن إعطاء الأولوية لتوظيف الأصدقاء أو العائلة أو أولئك الذين لديهم قيم مشتركة يؤدي إلى العكس.

تمكن عالم النفس الأمريكي جوردون أولبورت Gordon Allport في مؤلفه الصادر عام 1954 بعنوان «طبيعة التحييز» من التمييز بين التوظيف بناءً على التحيزات السلبية (المحسوبية)، والتوظيف بناءً على التحيزات الإيجابية (عوامل أخرى غير القدرة)، وادعى أنه في حين أن التوظيف على أساس التحيزات السلبية خلق مشاكل اجتماعية، فإن التوظيف القائم على التحيزات الإيجابية لم يفعل ذلك.

كما وضح الاقتصادي جاري بيكير Gary Becker اختلافًا آخر في كتابه (اقتصاديات التمييز The Economics of Discrimination) والذي صدر في عام 1957، ولكنه توصل إلى نتائج مختلفة.

إذ دعى التعيين بناءً على التحيز السلبي تعصبًا، والتعيين بناءً على التحيز الإيجابي محاباة، وكل منها يقود إلى عدم كفاءة اقتصادية. فكلاهما يعتمدان على توظيف العمال لأسباب أخرى غير القدرات والتي عدها أهم مؤشر للإنتاج.

دور سلوك الإنسان

لكن لماذا تركز العديد من الشركات بوضوح على توظيف الأصدقاء والعائلة إذا كان ذلك سيئًا حقًا للأعمال؟ وهل يمكن أن تؤدي قرارات التوظيف التي لا تعطي الأولوية لقدرات المرشح إلى انخفاض الإنتاج، مع إن وجود موظفين لديهم قيم مشتركة لا يزال الخيار الأفضل بالنسبة للمؤسسة بشكل عام؟

هذا ما أردنا أن نكتشفه في الورقة البحثية الأخيرة لنا، أنا واثنين من زملائي الباحثين كاثرين ايكل Catherine Eckel وريك ويلسون Rick K. Wilson. أجرينا تجربة مخبرية على مجموعة من الطلاب ذوي الصلات القوية من جامعة رايس في تكساس.

عند القبول، يصنف الطلاب في جامعة رايس إلى (كليات سكنية)، عبارة عن سكن حيث يقيمون عادةً طوال فترة دراستهم. يعيش طلاب نفس الكلية معًا، ويأكلون معًا ويتنافسون ضد الكليات الأخرى في مجموعة متنوعة من الأنشطة، وهذا ما يغرس فيهم هوية جامعية قوية وقيم مشتركة.

طلبنا من الطلاب خلال التجربة اللعب بلعبة مشهورة مخصصة للاعبين اثنين، وتستخدم بشكل أساسي من قبل الاقتصاديين لقياس الثقة. هذه المحاكاة للعلاقة بين المدير والموظف من خلال منح الفرد في دور المدير مبلغًا صغيرًا من المال يكون عادةً 10 دولارات أمريكية (7.66 جنيه إسترليني).

ثم يُطلب منه تحويل قدر من المال إلى الفرد الذي سيكون الموظف، ومهما يكن المبلغ سوف يتضاعف، على الأغلب ثلاث مرات، ومن ثم يُعطى للموظف الذي عليه أن يقرر كم سيعيد للمدير. يحاول كل منهما أن يصل إلى أكبر قدر ممكن من المال.

إذًا المدير يستثمر في الموظفين ويثق بأنهم سيعيدون إليه بعض استثماره، والموظف يختار كم سيحول إلى المدير، وهذا ما يدل على التبادلية أو الجهد.

أما في نسختنا، كان على المدير الاختيار بين الاستثمار في موظف من نفس الكلية السكنية (بمعنى أن لديه قيمًا مشتركة)، وموظف آخر لم يكن كذلك.

واحيطوا علمًا بأن الموظفين المختلفين لديهم (قدرات) مختلفة، بمعنى أن التضاعف الذي يحدد مقدار الأموال التي حصلوا عليها من الاستثمار سيكون أصغر على سبيل المثال بنسبة 2.5 بدلًا من ثلاثة.

في بعض الحالات، يكون الموظفون ذوو القيم المشتركة (قدراتهم أقل)، وهذا ما يعني أن المدير سيحتاج إلى أن يثق بهم لأنهم سيعطونه نسبة أعلى من أموالهم مقارنة بالخيار الآخر.

وفي حالات القدرات المتساوية، اختار 80% من المديرين زملائهم، حتى إذا كان زميلهم ذو قدرة أقل بل وأصر 40% من المديرين على خيارهم. وبعبارة أخرى، في حين أن بعض المديرين على الأقل كانوا يختارون الشركاء على أساس القدرة، أخذت نسبة كبيرة منهم عضوية الكلية بعين الاعتبار عند قرارهم.

يبذل الموظفون من نفس الكلية المزيد من الجهد لمديريهم (يعني أنهم يُعيدون لهم قسمًا أكبر من المال) عندما يكونون أقل قدرة مقارنةً بالآخرين. وهذا يقترح أن أعضاء مجموعة القدرة الأقل يعوضون عن العائق الذي لديهم بالمزيد من الجهد.

وفي المتوسط، عندما يذهب المديرون الذين يختارون المرشحين من (القدرة المتساوية) مع زميلهم في الكلية، فإنهم يكسبون أموالًا أكثر بنسبة 10%.

ومن بين أولئك الذين عُرض عليهم زميلًا جامعيًا (ذو قدرة أقل) وغريبًا متفوقًا، حققوا زيادة بنسبة 7٪ بالذهاب مع زميلهم في الكلية.

تشير هذه النتائج إلى أن التركيز على القدرة وحدها يتجاهل المساهمة في النتاج التي تحققها العوامل السلوكية مثل المشاركة والثقة والتحفيز والجهد. إذًا طالما أن الاختلافات في القدرات ليست كبيرة جدًا، فإن التوظيف من داخل شبكات الموظفين يبدو استراتيجية مربحة، وبإمكاننا القول أن بيكر قد أخطأ.

بينما كان الاعتقاد السابق أن تعيين الأقارب ومن تربطك بهم علاقات هو فعل إيثاري، فإن بحثنا يشير إلى خلاف ذلك.

لأنه لا يزال أمامه العديد من التحديات الإدارية، مثل الاضطرار إلى إخبار هؤلاء الموظفين بما يجب عليهم فعله، أو استدعاءهم عندما لا يلبون التوقعات.

ولكن يثق أصحاب العمل في الموظفين أكثر عندما يملكون ذات القيم، وقد يعوض الموظفون عن انخفاض قدراتهم من خلال العمل بجدية أكبر، مما يعود بالفائدة على المنظمة نتيجةً لذلك.

  • ترجمة: نور مخلوف
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1