هل ستواجهُ الهند أزماتٍ اقتصادية مثل أزمة سريلانكا؟

يمكن للإجراءات الشَعبوية المتهوّرة، على المدى البعيد، أن تدفعَ بعض الولايات الهندية إلى طريق سريلانكا، البلد الذي يعاني الآن من أسوأ أزماته الاقتصادية.

في عام 1991 كانت الهند على حافّة الهاوية بسبب الحماقة المالية، والعجز في ميزان المدفوعات، والاعتماد المفرط على الواردات، كلّ هذه الأحداث تصاعدت وسط حرب الخليج الأولى. إنّه الآن دور الدولة الجزيرة.

أسوأ أزمة اقتصادية في سريلانكا

على الرّغم من انتقالها إلى دولة ذات دخل أعلى من المتوسّط، فشلت سريلانكا على مرّ السنين، في جذب الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر، أو تنويع صادراتها. حافظت سريلانكا على النموّ، من خلال السندات السياديّة الدولية، المكلفة وقصيرة الأجل (الاقتراض الخارجي). وجهت هذه الأموال إلى التعليم والبُنى التحتيّة والرعاية الصحيّة، إلى جانب الحفاظ على السيولة الماليّة، وتعزيز سياسة الاقتصاد الكلّي الأفضل.

بحلول أبريل 2021، وصل الدَّين الخارجي لسريلانكا إلى 35 مليار دولار. كانت هناك مشاكل أخرى، إذ أدّت التخفيضات الضريبية إلى تجفيف الإيرادات. كما أدّى التحوّل إلى الزراعة العضويّة إلى اشتعال أسعار الغذاء. بحلول الوقت الذي ضرب فيه كوفيد-19، تلاه مشاكل مصاحبة مثل، اضطرابات سلسلة التوريد. كان الوضع الاقتصادي في سريلانكا،على أقل تقدير، محفوفًا بالمخاطر.

في مارس، ارتفع التضخّم إلى 17.5% وهو المعدّل الأعلى منذ 2015، وتضاءلت احتياطات النقد الأجنبي إلي 1.9 مليار دولار، وهو ما يكفي لواردات شهر واحد فقط.

نسبة الدين إلى الناتج المحلّي الإجمالي لديها الآن 120% وهو أمر مقلق _ النسبة التي تزيد عن 59.42% هي نسبة غير صحيّة للبلاد_ ليس من المستغرب أبدًا تخلّف الحكومة عن سداد جميع المستحقات الأجنبية المتوجبة عليها في 12 أبريل. يتعيّن على البلاد سداد ديون بقيمة 4 مليارات دولار هذا العام. ستستحقّ سنداتها السيادية الآن استحقاقها كل عام حتى عام 2030. في هذه السنة حتّى يوليو، عليها تأدية ما قيمته مليار دولار من هذه الاستحقاقات، ممّا يؤدّي إلى نفاد نصف احتياطياتها الحالية. وأعقب ذلك اضطراباتٍ اقتصاديٍّة وسياسيٍّة عميقة، إذ لا توجد أموالٌ لدفع ثمن واردات الغذاء والوقود. اندلعت الاحتجاجات في أنحاء البلاد، وقد فرّ بعض المدنيّين المحمومين إلى الهند (الدولة التي لا تزال مستقرّة). إلّا أنّ بعض الولايات الهندية كان لديها مقوّمات الأزمة.

الشعبوية المهيمنة في الولايات الهنديّة

في 3 أبريل، خلال اجتماع استمرّ أربع ساعات مع رئيس الوزراء ناريندا مودي، أعرب بعض البيروقراطيّين عن مخاوفهم من أنّ المخططات الشعبوية في ولايات مثل البنجاب وأندرا براديش والبنغال الغربية قد تؤدّي في النهاية إلى تدمير اقتصادهم كما حصل في سريلانكا، هذا ما ذكرته صحيفة تايمز اوف انديا.

لقد وضعت المنح المجانية التي لا نهاية لها الموارد المالية لهذه الدول تحت ضغطٍ شديد. عام 2017 اقترحت لجنة إدارة الميزانية والمسؤولية المالية للحكومة المركزية رفع الدّين الحكومي التراكمي إلى 60% من الناتج المحلّي الإجمالي بحلول 2022_2023. حددت سقف 40% للمركز، و20% الولايات. مع ذلك، وبِغضّ النظر عن ولاية غوجارات 21.4% ومهاراشترا 20.4%، فإنّ معظم الأرقام الأخرى تتجاوز 20%، وأغلبها أقرب إلى أزمات كاملة. بعض المعايير المالية في ولاية البنجاب، الدولة المُثقلة بالديون، على سبيل المثال، مماثلة لسريلانكا، نسبة الدين إلى الناتج المحلّي الإجمالي هي الآن الأعلى في البلاد عند 53.3% على عكس السقف البالغ 20%.

ومع ذلك وعد رئيس وزراء بنجاب الجديد بهاجوانت مانت بباقة جديدة من الإصلاحات في الفترة التي تسبق انتخاب حزبه للسلطة في وقت سابق من هذا العام. وشمل ذلك1000 روبية في الشهر لكل امرأة يزيد عمرها عن ١٨ عاما و 300 وحدة من الكهرباء المجانيّة للمنازل، مما يمثّل ذلك مصروفًا للإيرادات يبلغ 17000 Rs روبية في السنة.

ومن المفارقات، بعد اكتسابه للسلطة، إنّ مان سعى للحصول على حزمة إغاثة بقيمة ١ لاخ Rs من الحكومة المركزية.

وبالمثل، في ولايةِ البنغال الغربيّة، استُنزفت المخططات المتعلّقة بالزراعة وغيرها من المنح المجانية الحكومة المالية. تشكل ديونها أكثر من ثلثِ الناتج المحلي الإجمالي للدولة، في حين أنّ إيراداتها الضريبية غالبًا ما تمثّل أقل من ثلث إجمالي إيراداتها السنوية في السنوات الأخيرة.

وبالمثل أعادت راجستان وتشهاتيسجاره أنظمة المعاشات التقاعدية المهملة، مع وجود القليل من مصادر الدخل الجديدة لتغطيتها.

أمّا دول أخرى مثل جامو وكشمير، تشاتيسجارة وملديا براديش، وهيماشال براديش، فلها عجز مالي أعلى نسبيًّا من 2021 22، ممّا يشير إلى متطلّبات الاقتراض السنوية الإجماليّة.

مشكلة انخفاض عائدات الدول

بينما يحقّ للولايات الحصول على جزءٍ من الإيرادات المركزيّة وضريبة السلع و الخدمات، فإنّ مصادر دخلها المستقلّة تقتصرُ على الضّرائب على الكحول، وضريبة القيمة المضافة على البنزين، والإيصالات من بيع الممتلكات وتسجيل السيارات.

ومع ذلك يجب الإنفاق على الصحّة والرفاهيّة الاجتماعية والمجالات الحرجة الأخرى، زاد الإنفاق في هذه القطاعات في السنوات الأخيرة لا سيّما أثناء الجائحة وبالتالي، اضطرت العديد من الدول إلى منح الحذر المالي، مما أدّى إلى تضخيم عبء ديونها الإجمالي الى 15 عاما.

ساءت الامور في 2020 بعد أن فشلت الحكومة المركزية نفسها في مشاركة عائدات ضريبيّةٍ للسّلع والخدمات مع الولايات. كانت هذه أول مرّة منذُ بدء فرض الضريبة عام 2017 وسرّعها الوباء.

لقد حانَ الوقت الآن أن تقوم مستويات مختلفة من الحكومة بالعصف الذّهني لإيجاد طريقةٍ للخروج من المأزق الماليّ الذي تعاني منه الولايات الهنديّة، التي هي بعد كلّ شيء اتحاد دول.

  • ترجمة: روان عسّاف
  • تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
  • المصادر: 1