توقّفوا عن إنفاق المال لتجنّب المشاعر المزعجة!
في الوقت الذي لا يستطيع فيه المال شراء السّعادة الدائمة، بإمكانه أن يشتري لك الكثير من المتعة لكنّ المشكلة تكمن في أن هذه المشاعر المرغوبة تزول بمجرّد أن يصبح الجديد قديماً، عندما تُعرض الحلقة الأخيرة من برنامجٍ ما أو عندما تنتهي قارورة النبيذ، فإن السعادة التي لربّما شعرتَ بها لفترة وجيزة تختفي أيضًا.
المادّيات وتجارب الشّراء المختلفة يمكنها أن تعطينا شعورًا جيدًا، ولكن بالتركيز فقط على ما يجعلنا نشعر بالسعادة، نتجنّب السّعادة الحقيقيّة الدائمة ونرضى بالمتعة العابرة التي تحتاج إلى تجديدٍ مستمرّ وذلك يضعنا في حلقةٍ مفرغة من المحاولة الدّائمة لإشباع هذه الحاجة الجشعة وهذا أبعد ما يكون عن السعادة.
غالباً ما يُساء فهم معنى السعادة من خلال ما نشاهده على مواقع التواصل وفي الإعلام فإنّنا نميل إلى الاعتقاد بأن السعادة توجد فقط عند غياب الأمور السيئة، لذا ننفق المال لتجنّب ما هو غير مرغوب وغير مريح. ولكن في الحقيقة السعادة تكمن في مواجهة (وفي بعض الحالات تشمل) المشقّة وعندها نختبر عمق مشاعرنا من أسوأها لأفضلها إلى جانب إدراكنا الذاتي لما يعنيه أن نكون على قيد الحياة.
هذا هو أسمى شكل من العمل في حياتنا: عندما نطوّر أنفسنا وهذا لا علاقة له بالسّعي وراء المتعة.
حصولك على المزيد من المال يمكن أن يجلب السعادة الفعليّة التي ترتبط بالرّوح فالتنمية الذاتية والعلاقات الهادفة والصحة العقليّة والجسديّة جميعها تساهم في السعادة الحقيقيّة التي تحيط بنا بغضّ النظر عن المجهول الذي يحوم حولنا.
بالطبع، من الصعب أن تشعر بالسعادة من دون أن تؤمن احتياجاتك الأساسية، ولكن تُظهِر الدراسات أن المزيد من المال لا يعني بالضرورة المزيد من السعادة.
ففي استطلاع قامت به جامعة هارفارد للأعمال شمل 818 شخصًا من أصحاب الملايين وجدت أن “جوهر التّحدي في تقليل الحزن لا يتعلق بالأموال بل بالنفسيّة، والاعتقاد الخاطئ بأن الثّروة ستجعل حياتنا أفضل. فحتى الأفراد الذين تبلغ ثروتهم 10 مليون دولار يظنّون أنهم بحاجة إلى زيادة ثروتهم بشكلٍ هائل ليصبحوا أشخاصًا أسعد”.
ما يعتبر “صحيحًا” بالنسبة لمفهوم السعادة الخاصة بك يعتمد على ما هو ذو معنى لك وعلى ما يقوم بتنميتك بمستوى أعمق، فإذا كنت تقوم بإنفاق المال على أشياء تعتقد أنها ستجعلك سعيدًا ولا تزال تشعر بالفراغ والبؤس، إذًا أنت لا تصرفها على الأمور المناسبة.
عندما أبالغ في مشاهدة برنامج تلفزيوني أعلم أن هذه التسلية ما هي إلّا متعة زائفة وبعد أن ينتهي البرنامج فمن البديهي أن أبحث عن برنامجٍ آخر، ولكن عندما أقصد القيام بشيءٍ ما (كيف سأنفق وقتي وأموالي) أجد نتيجة مختلفة.
بالتخطيط للخروج مع أصدقائي مثلًا وتجربة مطعم جديد فإني أغذي سعادتي بالإحساس بالتقدّم من خلال (تجربة شيء مختلف) بالإضافة إلى الشعور بالترابط.
عندما أقوم بأمرٍ خارج المألوف أعلم أنه يشحن طاقتي ويضيف تجربة جديدة، أي انه أشياء جوهرية تجعلني سعيدًا.
إن فهم ما تعنيه السعادة بالنسبة لنا يتطلّب الغوص في أفضل أوقاتنا وأسوأها لندرك ما هي القيم التي نريد أن نعيش لأجلها ومن ثم نختار العيش بطريقة تعزز تلك القيم.
في أواخر عام 2001 وتحديداً 9/11، صُدمت بأسوأ ثلاثة أمورٍ واجهتني في حياتي عندما تمّ طردي من العمل وتشخيص إصابة والدي بسرطان القولون من الدّرجة الثالثة، أدركتُ أنّ الحياة ستصبح أصعب إلّا إذا حاوطت نفسي بما هو هادف وذو أهميّة.
وعندما كنت أعيش هذه الأيام الصّعبة حدّدت القيم التي تعنيني: الحريّة والصّدق والعلاقات الهادفة.
مؤخرًا، توفّي فجأةً صديقي المفضّل (وشريكي في تأسيس منصّة Delivering Happiness) وكان عليّ أن أتعمّق كثيرًا لأفهم كل ما حدث.
لقد أعدتُ النظر في هذه القيم التي أعطتني الأساس الذي أحتاجه للمضيّ قدمًا وتجاوز الأمر. لم يكن ذلك سهلًا أبدًا ولكن بدعم الناس من حولي تمكّنت من تجاوز الأمر. وهذا ما أسمّيه “Greenhouse Mindset” التي تعني عيش ظروفك الخاصّة لتصبح سعيدًا وتعزيز ما ينجح في تحقيق ذلك، بدلًا من إسراف طاقتك على المتعة قصيرة الأمد، فإن تلك العقليّة تسير بك إلى اكتشاف السعادة الدائمة استنادًا على ما يشجعك حقًا وما يعني كلّ شيء بالنسبة إليك.
- ترجمة: إيلين فرح
- تدقيق لغوي: نوري الأديب
- المصادر: 1