سرُ حبِّ الشِّتاء

تقول الكاتبة (Taylor Kay Phillips) عن الشّتاء: اقبله أولاً، ثم استمتع به.

عندما كنت أستعد لمغادرة مسقط رأسي في مدينة كانساس في ولاية ميسوري للالتحاق بالجّامعة على السّاحل الشّرقي منذ أكثر من عقدٍ من الزّمان، حذّرني جميع أصدقائي وجيراني من الطّقس هناك قائلين: “استعدّي لشتاءٍ بريطانيا”، “أتمنّى أن يكون لديك معطفٌ كبيرٌ”، “سمعت أنّ الجّو باردٌ هناك”.

أربكتني تلك التحذيرات لأنّني عندما كنت في الثّامنة عشر من عمري في (وسط غرب الولايات المتحدة) تعرضت لعاصفةٍ ثلجية شديدة أُغلقت على إثرها المدرسة لمدة ثلاثةِ أيامٍ وانخفضت درجات الحرارة تحت الصّفر، وبالنسبة لطبيعتي فإنّ الشّتاء يعني التّزحلق على الثّلج باستخدام صينيّة، والدّس بجذوع الأشجار في المدفأة لإشعالها، والبقاء بجانبها مرتديةً ملابس النّوم، وأيضاً إضافة المزيد من الشّوكولا السّاخنة إلى فنجاني.

إنّ متوسط ​​درجة الحرارة في فصل الشّتاء في ولاية (ميسوري) أدفأ فقط بأربع درجات من مثيلتها في ولاية (مساتشوستس) حيث أنّ درجات الحرارة تتدنّى في الولايات الغربية الوسطى مثل (مينيسوتا) و (داكوتا الشّماليّة) إلى اثنتي عشرةَ درجة فهرنهايت في الأشهر الباردة، فما الذي تغيّر عندما قطعت تلك الأميال حتى جعلتم هذا الفصل قاسٍ ومُعذِّب ويستحق كل هذه التحذيرات الخطيرة؟

مع كلّ الحبّ الذي أكنّه لموطني الجّديد الذي اخترته بملء إرادتي وبعد العيش أكثر من عقدٍ في السّاحل الشّرقي أشعر براحةٍ تامةٍ عندما أقول أنّني أعرف ما الذي يجعل الشّتاء هنا مختلفاً، إنّه التذمّر.

إنّ النّاس في الغرب الأوسط بالطبع ليسوا برأيٍ واحدٍ فهنالك الكثير منّا يكره الأشهر الباردة كرهاً شديداً؛ هذا الكره المقتصر فقط على الفرق الرّياضية المتنافسة، ومن جهة أُخرى هنالك العديد منّا يحبّ الشّتاء كثيراً ويحبّ جرف الجليد أيضاً.

والآن بعد أن تغيّر المناخ يبدو أن تغيراتٍ كثيرةٍ طرأت حول ماذا ومتى وأين يكون الشّتاء، وقد ينبغي على سكّان السّاحل أن يلقوا نظرةً من خلال نافذة طائرتهم، ويروا ما يسمى البلد البعيد كيف يتمكّن ليس من تحمل هذا الفصل فحسب بل الاستمتاع به.

فإنّ موقفنا من الأشهر الباردة مشابه جداً لموقفنا تجاه معظم الأشياء كتقبُّل الواقع وتقديره.

يعيش مواطنو الغرب الأوسط في أرضٍ مشتركة، وبطرقٍ عديدة، فإنّنا نُمضي الكثير من وقتنا في العمل على الجّمع بين مانريد وما هو ممكن، ويتضمن هذا عادةً المتاعب وطلب المساعدة والتّخلي عن بعض الأشياء، فإنّنا لا نتوقع أن نأكل طعاماً ساخناً، وتدرك ثقافتنا التوافقيّة أنه عندما نقارن السّاحات الكبيرة التي تستضيف حفلات الشّواء الصّيفية فإننا نتخلى عن رحلات السّفر بسهولةٍ، وعندما يتعلق الأمر بالطّقس فإننا نعرف ما الذي نفتقده وما الذي نحصل عليه، وهنا يدور في أذهاننا ذلك السؤال؛ هل سأكون قادراً على الشعور بأصابع قدمي؟ “كلا”.

وهل سأتزلّج أخيراً إلى أسفل التّل الذي يقع خارج المدرسة الثانويّة المحليّة بواسطة الزّلاجة التي حصلت عليها بخصم 70% من متجر (Target) في حزيران الماضي؟ “نعم”.

ومثلما يوجد فرحة عارمة في الشّتاء فهنالك بعض الإزعاجات المعاكسة لها حيث تمنح السّيارات العالقة بالثّلج الفرصة لأطفال الحيّ لجني بعض الدّولارات الإضافية، وفرصة أيضاً لذلك الرّجل الذي على الجّهة المقابلة من الشّارع لإستعراض كاسح الثّلج الجّديد الخاص به.

توفر لعبة كرة القدم في عاصفةٍ ثلجيةٍ تبلغ درجة حرارتها خمس عشرة درجة تحت الصّفر فرصةً لإثبات الالتزام الرّاسخ تجاه القاعدة الجّماهيرية، حيث أنّه إذا لم يكن هنالك بردٌ قارسٌ فلا يمكننا أن نثبت للأُناس الذين نحبّهم بأنّهم يستحقّون الوقوف في هذا البرد، وإنّ تركيزنا على الجّانب المشرق لا ينبع من السّذاجة أو الإنكار بل من فهم الواقع فكثيراً ما نجد أنفسنا ندافع عن الطّقس وفي أغلب محادثاتنا عن الشّتاء نقول: “إنّ الأمر ليس بذلك السّوء دون الرّياح” أو “إنّ الطّقس ليس شديد البرودة طالما أنّك تقف في الشّمس” هذا لا يعني أننا نعاني من الأوهام بل فقط نختار أن نركّز إهتمامنا على أفضل حالةٍ ممكنةٍ من ظروفنا.

يتطلّب التّقبُّل الواضح لفصل الشّتاء الاستعداد التام له، فإنّنا نقوم بطقوسٍ كثيرةٍ تتمثل في تبديل الملابس الصّيفية بالملابس الشّتوية، ونقوم بإزالة الصّناديق البلاستيكية من تحت الأسرّة، ونفتح المخازن في الطّابق السّفلي، وننقل المعاطف من خزانةٍ إلى خزانةٍ أخرى أقرب إلى الباب، ونقوم بتزويد صناديقَ سيّاراتنا بالبطانيات، وكاشطات الثّلج، وأجهزة تدفئة الأيدي لنضمن أنّ حتّى أسوأ السّيناريوهات لن تكون بذلك السّوء، والسّبب الرّئيسي لاستمتاعنا بفصل الشّتاء هو أننا لا نهدر الكثير من الطّاقة لتهيئة أنفسنا لأوقاتٍ صعبةٍ بل نستعدُّ للأوقاتِ الرّائعة كمواسم كرة السّلة، وكرة القدم، والعطلات، أمّا بالنّسبة للمراهقين فإنّ أقصى آمالهم هو أن تأتي أمُّهم في السّاعة 6:45 صباحًا وتقول: “تمّ إغلاق المدرسة اليوم بسبب الثّلوج”، مما يمنحهم من ثلاثِ إلى سبعِ ساعاتٍ إضافيةٍ من أفضل ساعات النّوم في حياتهم.

أعتقد أن هنالك مفهومٌ خاطئٌ في السّواحل بأنّ الحالة الافتراضية للنّاس في الغرب الأوسط هي حالة استسلام، أو أنّهم عالقون هناك مُثقلين بالأعباء؛ فهذا الابتعاد كالذي قمت أنا به هو نوعٌ من الهروب، وليس التّضحية وإنّ أولئك الذين يبقون هناك في الغرب الأوسط يتخطون أهوال الشّتاء من خلال التكيّف معه، أو ينسجون المرح في خيالهم.

الحقيقة هي أنّ الكثيرين منّا يحبّون هذا الفصل من السّنة، وحبّنا لا يأتي من التّظاهر بل من فهمه وإدراكه، وإنّ الأشياء الرّائعة تحدث بسبب برودة درجات الحرارة وهطول الأمطار والرّياح، وليس من دونهم فإنّ الأيام الباردة تتطلب ثلجاً، والقفازات اللّطيفة تحتاج إلى أيدٍ باردة.

أمّا بالنّسبة لنصيحتي فسأقول لكم: لا تفكر في هذا الفصل على أنّه يجب عليك قضاء أيامه مجبراً كي تصل لفصل الرّبيع، بل انظر لما يحمله في جعبته من أشياءٍ غنيّةٍ ورائعةٍ.

  • ترجمة: عيسى حسن
  • تدقيق لغوي: نينار راهب
  • المصادر: 1