هل تتطور المعلومات الوراثية مثلما يحدث مع التكنولوجيا؟
هل تتطور المعلومات الوراثية مثلما يحدث مع التكنولوجيا؟
يقول الفيزيائي الذي يسعى لفهم ما هي السمات الفريدة للحياة: “إنّ جيناتنا هي البرمجيات وسماتنا هي الأجهزة، حيث يدفع كلٌّ منهما تطوّر الآخر”.
الذرّات تصنع الجزيئات والجزيئات تصنع البروتينات، مثل الكيراتين في شعرك أو الهيموغلوبين في دمك. تتفاعل هذه البروتينات بطرقٍ معقدة لخلق الحركة والأيض والوعي وكل ما نسمّيه “الحياة”. ولكن هناك فارقٌ شاسع في التعقيد بين الأميبا البسيطة والإنسان. كيف تتجمع هذه المواد الكيميائية لتتنفس وتتواصل؟ التحكم بالمعلومات هي واحدة من الصفات الرئيسية للحياة، ولكننا لا نعرف الكثير عن كيفية تنظيم المعلومات في علم الأحياء، أو كيف يتم حفظ المعلومات في الكيمياء. هناك فجوة تعقيد مثيرة للاهتمام تناشد الفهم، وهذا هو السبب في أن “سارة إيماري ووكر” تقوم بعمل العلوم. حصلت على فرصة للتحدث معها حول طرق التفكير في فجوة التعقيد هذه لتعزيز فهمنا لهذا السؤال.
عند محاولة فهم كيف تكوّنت تفاعلات الحياة، تبدأ الدكتورة ووكر وفريقها بالنظر إلى شبكات الحياة. هناك شبكات جينية تتحكم بكيفية صنع جسمنا للبروتينات، وشبكات بروتينية تخلق أنسجة وأعضاء، وشبكات أعضاء تخلق أفرادًا. يتفاعل الأفراد لخلق المجتمعات، وتشكّل شبكاتهم الاجتماعية تلك المجتمعات وتشكل تلك المجتمعات النظم البيئيّة. هناك أيضًا شبكات غير حية، مثل شبكات الحاسوب. والسؤال الكبير الذي يجب طرحه هنا: (ما هي الوجوه المشتركة بين الشبكات الحية والشبكات غير الحية؟ هل هناك ملامح مشتركة بين هذه الشبكات ستمنحنا نموذجًا عالميًّا للحياة؟).
تقوم سارة ووكر وفريقها بالتحقيق في مدى صدق القواعد التي تنطبق على مستوى حياة واحد، وأيضًا على جميع المستويات الأخرى. من الكيمياء إلى علم الأحياء إلى الشبكات الاجتماعية، يجب أن توجّه مبادئ مشتركة محددة كيفيّة تنظيم المعلومات وكيفية دورانها من خلال هذه الطبقات. إذا تمكّنا من إثبات هذه النظرية للمبادئ المشتركة، فسنحصل على فهمٍ أعمق لتدفق المعلومات من خلال الحياة. وسيتيح ذلك لنا وضع “خوارزمية” أو مجموعة من التعليمات تساعدنا على فهم الإمكانيّات المتاحة للحياة في أماكن أخرى في الكون. يعتمد عملهم بشكلٍ رئيسي على النماذج الحاسوبية والبيانات الرياضية.
حتى دون معرفة كيف يمكن أن تكون الحياة خارج الأرض، فإن استنتاجات هذا الفكر مثيرةٌ للإعجاب. إذا كانت الكيمياء المستندة إلى الكربون في الDNA/RNA هي الطريقة الوحيدة لإنشاء الحياة، فإننا نعلم أنه يجب علينا البحث عن الكربون للعثور على الحياة. ومع ذلك، مع تقليل القيود، نفتح إمكانيّة وجود أنواعٍ مختلفة من الحياة. وقد بدأ مجموعة من العلماء في قسم الكيمياء في جامعة بريتش كولومبيا، التي أشارت إليها ووكر، في التحقق مما إذا كان الحمض النووي لدينا هو النوع الوحيد من الجزيئات التي يمكن أن تنقل المعلومات. إذ قاموا بإنشاء جزيئات اصطناعية مشابهة للحمض النووي تسمى “XNA”، ووجدوا أنه مع المكونات المناسبة في أنابيب الاختبار يمكن ل “XNA” نسخ المعلومات وتخزينها بنفس الطريقة التي يفعلها الحمض النووي. لم يقم العلماء بخلق حياةٍ جديدة، لكنهم أظهروا أن حياتنا يمكن أن تتكيف مع الكيمياء الجديدة إذا تطورت في مكانٍ آخر في الكون تحت ظروفٍ مختلفة. على الرغم من أنّ الفجوة تطفو بالفعل في منطقة رمادية، فإن هذا الاكتشاف الجديد يمحو الحدود بين “جزيئات الحياة” و”جزيئات اللا حياة”. كلما فككنا هذا التصنيف، كلما فهمنا أكثر ما يعنيه أن يكون النظام حيًّا.
ويمكن مقارنة تطوّر الحياة بتطوّر الحواسيب. كانت الستّون سنةً الماضية لعبة من اللحاق بالتخزين المعلوماتي (الكيمياء الوراثية، والأجهزة) ووظيفة المعلومات (الصفات الظاهرة، والبرمجيات). عرفت أجهزة الحواسيب سلسلة ترقيات، محوّلةً المعيار من الأنابيب الفراغية والبطاقات المثقوبة في الأربعينيات إلى الأقراص الصلبة المتوفّرة الآن، والتي تكون أكثر فعالية بمليارات المرات. على طول الطريق، ترقى البرمجيات أيضًا للحفاظ على الخطوة مع سعة التخزين المتقدمة. ومع ذلك، لم تعنِ القفزة في الأجهزة بالضرورة قفزةً في البرمجيات. على سبيل المثال، قد لا تكون الحواسيب الحالية سريعةً بما فيه الكفاية بالنسبة للبرمجيات الحالية. تقدُّمْ كل تقانة تقودُ التقنيّة الأخرى إلى الأمام. تستمر الأجهزة والبرمجيات في التطور المتبادل لتصبح أكثر كفاءةً وصلابة مع الوقت، ولكنها لا تتحسن بنفس المعدّل.
يمكننا مقارنة تطور الأجهزة والبرمجيات مع تطور تخزين معلوماتنا الوراثية الخاصة (الDNA) في وظائف أكثر تعقيدًا في الحياة، مثل تطور الأنظمة الدورانية للدم أو الذكاء الدماغي. معالجة المعلومات والتحكم في الأنظمة الحية يعني أن كيمياءَنا الحيوية هي البرمجيات، وكيفية عمل أجسامنا وشكلنا وتفكيرنا هو الأجهزة. يؤثر التغيير في الاحتياجات والقدرات في البرمجيات والأجهزة على تطوير بعضها البعض. هذه الطريقة الفريدة في التفكير يمكن أن تغيّر طريقة تفكير العلماء حول أصول الكيمياء التي تجعل الحياة تجري.
- ترجمة: محمد فواز السيد
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1