توأم متماثل نشأ في بلدين مختلفين، فما مدى الاختلاف بينهما؟

وهل ستتفوق الطبيعة على التنشئة؟

سنة 1976، اصطحبت جدة حفيدتيها، وهما توأمان متماثلان تبلغان سنتين، إلى سوق مكتظ في كوريا الجنوبية وأعادت واحدة فقط، إذ فقدت الأخت الأخرى وسط الحشد وعثر عليها لاحقًا وهي تتجول بمفردها ونقلت إلى مستشفى بعيد، إذ شخصت إصابتها بالحصبة. نشرت عائلتها ملصقات وظهرت في برنامج تلفزيوني لنشر خبر اختفائها، لكن جهودهم الحثيثة لإيجادها باءت بالفشل.

سلمت الفتاة الصغيرة لأسرة حاضنة ومحبة، إذ سرعان ما تبناها زوجان أمريكيان وأخذاها معهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل يومين من عيد الميلاد لسنة 1976.

بعد 45 سنة، جمع شمل التوأمان المتماثلان بعدما قدمت الأخت الأمريكية عينة من الحمض النووي ضمن برنامج كوريا الجنوبية للم شمل الأسر وتعد قصتهما الآن محط اهتمام دراسة حالة علمية. وتشترك الأختان، باعتبارهما توأمان متماثلان، في نفس الجينات، فما هي أوجه التشابه بينهما نظرًا لاختلاف نشأتهما؟

جينات متطابقة وبيئات مختلفة

أجرى محققان، أحدهما في الولايات المتحدة الأمريكية والآخر في كوريا الجنوبية، مقابلة شاملة مع التوأم الذي يعيش في بلدهم المعني، وسئلت كل أخت عن حياتها السابقة وبيئتها العائلية وخضعت لاختبارات من أجل قياس جوانب مختلفة من الذكاء، كما شملها الاستطلاع لقياس شخصيتها وصحتها العقلية والبدنية ورضاها عن الوظيفة.

على الرغم من ترعرع التوأمين في أسر وثقافات مختلفة تمامًا، فإنهما يتشاركان شخصيات متشابهة إلى حد كبير، فكلتاهما تعملان بجد وتحبان العمل وتستمتعان بممارسة الرياضة ومتعطشتان لتحقيق الإنجازات. واكتشف الباحثون أن الأخت الكورية «نشأت في جو عائلي مفعم بالدعم والتماسك وتشجيع النمو الذاتي. وفي المقابل، ترعرعت الأخت الأمريكية في بيئة أسرية أكثر صرامة وتدينًا تسودها النزاعات العائلية».

وتماشيًا مع الاختلافات بين الثقافتين الأمريكية والكورية، أعربت الأخت الأمريكية عن «استقلالية الذات وإيمانها بالمساواة»، بينما تعتبر الأخت الكورية «الذات جزءًا من الجماعة وتقبل بالتسلسل الهرمي وانعدام المساواة».

وفقًا للجينات المشتركة بينهما، كان التوأمان المتماثلان بنفس الطول والوزن وكلتاهما مصابتان بداء السكري، كما خضعت كلتاهما لعمليات جراحية من أجل إزالة الورم من المبيض في سن المراهقة. وكان الاختلاف أكبر بين التوأمين في الذكاء، إذ تفوقت الأخت الكورية على نظيرتها الأمريكية بفارق 16 نقطة في اختبار معدل الذكاء. فما الذي يفسر هذا الاختلاف؟ في حين أن البيئة هي أحد التفسيرات المحتملة، فإن الدراسة لم تكشف ذلك.

وأخيرًا، يفسر هذا التباين جزئيًا كون الأخت الأمريكية عانت من ثلاث حالات ارتجاج في سن الرشد، كان آخرها سنة 2018، مما أدى إلى تغييرات عاطفية وانخفاض طفيف في الإدراك.

غمرت السعادة التوأمين المتماثلين عندما جمع شملهما وأعربت كلتاهما للباحثين عن رغبتهما في أن يصبحا أقرب من أعز الأصدقاء.

دراسات التوائم

وكان التوائم المتماثلون الذين ترعرعوا منفصلين عن بعضهم موضوع دراسات سابقة، رغم أنه من النادر العثور على توأم ترعرع في بلدين مختلفين. وصدرت دراسة مينيسوتا للتوائم الذين ترعرعوا بعيدًا عن بعضهم البعض سنة 1990، وفحصت هذه الدراسة أكثر من 100 توأم من جميع أنحاء العالم، الذين انفصلوا في سن مبكرة وتربوا بعيدًا عن بعضهم البعض خلال سنوات التكوين وجمع شملهم في سن الرشد. وبعد جهود كبيرة، اكتشف الباحثون أن توأمًا متماثلًا نشأ بعيدًا عن أخيه «كان لديه احتمال كبير أن يشبه توأمه من ناحية الشخصية والاهتمامات والمواقف كشخص ترعرع مع توأمه».

وخلص الباحثون إلى أن «هذه النتائج تدفعنا للاعتقاد أن الجينات هي سبب أوجه التشابه وليس البيئة».

ويعد «التوأمان جيم» خير مثال لتشابه التوائم من الدراسة، إذ انفصلا بعمر 4 أسابيع وأطلقت أسرهما اسم جيمس على كليهما. بعد أن اجتمعا في سن 39، علم التوأمان المتماثلان أن كلاهما أحب النجارة والرسم الميكانيكي والكتابة بأحرف كبيرة، وكان أداؤهما ضعيفًا في الإملاء، بيد أن أدائهما في مادة الرياضيات كان جيدًا، كما خضع كلاهما لتدريب على إنفاذ القانون إضافة إلى العديد من أوجه التشابه الغريبة الأخرى.

  • ترجمة: إبراهيم كرموم
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1