الخطر الخفيّ لفلاتر التجميل على الإنترنت

كلّما حرّرت وعدّلت صورتك، زاد الضرر.

يوجد حوافز اجتماعيّة وثقافيّة قوية لتبدو جميلًا قدر الإمكان، لذلك ليسَ من الغريب سعي الكثير من الناس لتقديم أنفسهم بأفضل صورةٍ متألّقةٍ ممكنة وخاصّةً عبر الإنترنت، ولكن تكشفُ الكثير من الأبحاث أنّ فلاتر التجميل الرقميّة قد تحملُ في طيّاتها تأثيرًا سلبيًّا على الصّحةِ العقليّة.

فلاتر التجميل هي أدواتٌ معيّنة لتحريرِ الصور تستخدم الذكاء الاصطناعي لتغيير ملامح الوجه في الصور.

ومن الفلاتر الشائعة: ‘الفلتر النحيف’ على التيك توك/Tiktok الذي يجعل وجهك يبدو أنحف، و’فلتر الوجه المثالي’ على الإنستغرام/Instagram الذي يضبط ملامح الوجه وفقًا للنسبةِ المثاليّة.

وجدَ تقريرٌ لجامعةِ مدينة لندن، تزايُدَ شيوع فلاتر التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال: وجدت شركة سناب شات أنّ أكثر من 90% ممن هم في سنِّ الشباب في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة يستخدمون منتجات التصفية على تطبيقاتها، كما وذكرت شركة ميتّا أنّ أكثر من 600 مليون شخص استخدموا الفلاتر على فيسبوك أو إنستغرام.

واستكشف الباحثون في جامعة مدينة لندن الآثار الضارّة للفلاتر على الصحّة العقلية. وفي عيّنةٍ شملت 175 مشاركًا بمتوسّطِ عمر 20 عامًا أبلغت 90% من الشابات عن استخدامهنَّ للفلاتر أو تحرير صورهن.

وعند سؤالهن عن نوع الفلاتر التي استخدمنها أكثر من غيرها قالت المشاركات أنّ الفلاتر الأكثر شيوعًا هي المستخدمة لتوحيد لون البشرة أو إعطائها اللون البرونزي ومنح إضاءةٍ للوجه وتبييض الأسنان وتقليل حجم الجسم. واستخدمت المشاركات أيضًا الفلاتر على وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة تشكيل الفكّين أو الأنف، وإعطاء الشفاه مظهرًا أكثر امتلاءً، وجعلِ العيون أكبر حجمًا.

ولكن لماذا استخدمت المشاركات الفلاتر؟ أفادت 94% أنهنّ شعرن بالضغط عندما ظهرن بطريقةٍ معيّنة وأكثر من نصفهنّ وصفنَ هذا الضغط بأنّه شديد.

وجدت أبحاثٌ أخرى أنّ الأشخاصَ في سنّ الشباب ممّن يعانون من تدني احترام الذّات، وصورةٍ جسديّةٍ ضعيفة هم الأكثر عرضةً لاستخدام الفلاتر التي قد تعزز الاعتقاد السلبي بأنّ مظهرهم ليس جيّدًا بشكلٍ كافٍ.

كما أنّ هذه المشاعر والسلوكيات تبدأ في وقتٍ مبكّرٍ جدًّا فقد وجدت الأبحاثُ التي أجراها مشروع تقدير الذات من دوڤ في عام 2020 أنّ 80% من الفتيات قد حمّلن فلترًا أو استخدمن تطبيقًا لتغيير مظهرهنّ في الصّور في سنّ ال13 عامًا.

وفي تجربةٍ مصمّمة للتحقيق مباشرةً في العلاقةِ بين تحرير الصّور الشخصية وعدم الرضا عن الجسم، طلب الباحثون من 130 امرأةً -متوسّط أعمارهنّ 20 عامًا- مشاهدة صور إنستغرام لنساءٍ نحيفاتٍ أو نساءٍ متوسطات الوزن كوسيلةٍ لحثّ شعورهنّ بعدم الرّضا عن الجسم في المجموعة السابقة، ثم طلبوا من المشاركات التقاط صورة سيلفي على جهاز iPad ومنحوهُنّ عشر دقائق لتحرير الصورة الشخصيّة في مجموعةٍ جديدة، بعدها أكملن استبياناتٍ حول مزاجهنّ وعدم الرّضا عن الجسم وعن الوجه في الأساس، بعد مشاهدة الصور وبعد تحرير صورهنّ الشخصيّة.

زاد رؤية الصور النحيفة من المواقف السلبية وعدم الرضا عن الجسم أو الوجه، وزاد التقاط صورةٍ شخصية وتحريرها من الحالة المزاجيّة السلبية وعدم الرضا عن الوجه لكلا المجموعتين. وعلاوةً على ذلك، فإنّ الوقت المستغرق في تحرير صور السيلفي تنبّأ بمقدار الزيادة في عدم الرضا عن الوجه.

وبالتّالي، يبدو أنّ الاستثمار في تعديل طريقة ظهورك على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي غالبًا هو ممارسة ضارّة للشابات، وكلّما فعل المرء ذلك كان الضرر أكثر.

لا تقارن الشابّات مظهرهن بالصور المثالية للمشاهير والأقران فحسب، بل يحكمن أيضًا على أنفسهن بموجب صور السيلفي المفلترة، ومن الممكن أن تشكّل هذه المقارنة المستمرة مصدرًا لمعاناةٍ كبيرة وتآكلًا لصورة الجسم الإيجابية واحترام الذات.

وقد تتسبب المقارنة الاجتماعيّة وفلاتر الجمال سعيَ المستخدمين لتحقيق معايير جمالٍ غيرَ واقعيّة. نتيجةً لذلك، قد تعاني فئة الشّباب من انفصالٍ بين مظهرهم والصور المحررة التي يشاركونها مع العالم، وهذا نوعٌ محددٌ من التجسيد الذاتي الذي قد يؤدّي إلى حالاتٍ صحيّةٍ عقليةٍ خطيرة مثل اضطراب تشوّه الجسم.

لكن ربما لا يكون استخدام الفلاتر على وسائل التواصل الاجتماعي سيّئًا دائمًا بالنسبة لك، لأنّه في عالمٍ يتمُّ الحكم علينا فيه باستمرار، ونحكم على الآخرين بناءً على المظهر قد يكون من الصعب التوقف عن تصفية صورك، لذا هل هناك طرقٌ لتطوير عادات تصفية ونشر وتمرير أكثر صحّةً؟

أوّلًا، يمكنك البدء بأن تصبح أكثر وعيًا بكيفيّة التأثير اليومي للفلاتر وسلوك المقارنة الاجتماعية على صورة جسمك وعواطفك ورفاهيتك، وبعد ذلك جرّب الاقتراحات التالية لإدارة كيفية استخدامك للفلاتر التي قد تساعد في الحفاظ على احترامك لذاتك وقبول مظهرك برأفة.

1- استخدم صور السيلفي بعناية

لاحظ مقدار الوقت الذي تقضيه في التصفية والنشر وكيف يجعلك تشعر، وتحقق من حالتك المزاجية أثناء عملية التحرير والنشر وبعدها.

عند نشر صورتك الشخصيّة لاحظ ما إذا كنت تريد الاستمرار في التحقق من ردود الفعل ومقارنة صورتك الشخصيّة بالآخرين. هل النشر ومقارنات وسائل التواصل الاجتماعي تعزز رفاهيتك أم تنتقص منها؟ قد تساعدك الإجابات على التنقل بعنايةٍ وحذر بين وسائل التواصل الاجتماعي، وبطريقةٍ تحافظ على احترامك لذاتك وصورة جسمك الإيجابية أو حتى تحسّنها.

2- ضع في اعتبارك الرسائل التي ترسلها لنفسك

ضع في اعتبارك أنّه في كل مرة تصفّي فيها صورةً شخصية فإنك تخبر نفسك على مستوى معيّن من الوعي أنّك لا تبدو جيّدًا بما يكفي كما أنت، وقد تسأل نفسك عن مقدار الرّضا الذي تحصل عليه من الإعجابات والتعليقات إذا كانت الصورة التي تمثلها لا تعكس من أنتَ حقًا، وفي حالِ انحرفت صورنا على الإنترنت بعيدًا عن مظهرنا الفعلي فيمكن أن نصل لمرحلةٍ الحذر من مقابلة الأشخاص شخصيًا.

وبالتالي، فإنّ استخدام فلاتر التجميل قد يزيد من القلق الاجتماعي ويساهم في الشّعور بالعزلة الاجتماعية.

3- فكّر في الأنشطة الاجتماعية البديلة

إذا كنت تقضي وقتًا أقلّ في التحرير والنشر، فسيكون لديك نظريًّا المزيد من الوقت للأنشطة الخارجية أو التفاعلات وجهًا لوجه أو فعل شيءِ إبداعي. فكر فيما إذا أصبحت الفلترة والنشر وسيلةً للهروب من مشكلات الحياة الواقعية أو توقعاتها.

ويمكن من خلال إدارة صورتك عبر الإنترنت الحصول على إحساسٍ زائفٍ بالأمان والتحكم الذي لا نمتلكه خلال التواصل وجهًا لوجه. ومع ذلك، فإنّ التواصل الواقعيّ هو من بين أكثر تجارب الحياة التي لا تُنسى والمجزية عاطفيًّا، وتُظهر الأبحاث أنّ الصداقات الواقعية تزيد من السعادة والرفاهية أكثر بكثير من الاتصال عبر الإنترنت.

4- احتضن نفسك الحقيقيّة

تذكّر أن ما نراه كعيوبٍ هو جزءٌ مما يجعلنا مثيرين للاهتمام وصادقين ومرتبطين بالآخرين.

يمكنك ممارسة التعاطف مع الذات من خلال قبول وتقدير نفسك لجميع صفاتك. جرّب تأمل المرآة لبناء علاقة رعاية ودعم مع نفسك، ومن خلال النظر إلى صورتك غير المفلترة لمدّة 10 دقائق يوميًّا ستشعر براحةٍ أكثر مع نفسك كما أنت، وبسكينةٍ أكثر من خلال السماح لنفسك برؤية ذاتك الحقيقيّة.

  • ترجمة: رنا السوقي
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1