أثبتت الرياضيات أنَّ الأغنياء ليسوا بأشخاصٍ أذكياء، بل محظوظين!

العمل الجادّ الذي يؤتي ثماره، هو جزءٌ من الروح الأمريكية.

نعتقد أننا نعيش في نظام الجدارة، حيث يمكن لأيِّ شخص لديه الجرأة، العزيمة، والتصميم أن ينجح، بغضّ النظر عن العقبات التي تكمن في طريقه.

لكن مع بلوغ التفاوت في الدخل أعلى مستوياته على الإطلاق في الولايات المتحدة وأغلب البلدان المتقدمة الأخرى، بدأ الناس يتساءلون عمّا إذا كانت الجدارة موجودةً بشكلٍ مطلق أم لا.

وجد استطلاعٌ أجراه معهد هارفارد للسياسة عام 2015 أنّ 48% من جيل الألفيّة يعتقدون أنّ الحلم الأمريكي قد مات، كما أنّ عددًا متزايدًا منهم يشعرون بأنّهم أكثر إشراقًا بشأن الاشتراكيّة التي تعدّ شبحًا يعيش بين أكثر العقول الحزبيّة محافظةً، ولكن هذا لا يعني أن الإيمان برأسمالية السوق الحرّة غير المقيدة قد مات تماماً، على الأقلّ حتّى الآن.

يستمر بعض الكهنة الإنجيليين اليوم في التبشير بإنجيل الرخاء، وهو مفهومٌ أمريكي فريد ينص على أن أولئك الأثرياء قد تم تعيينهم مسبقًا “للخلاص” من قبل الخالق، وتنبع هذه الفكرة دائمًا من المتشددين.

ووفقاً لهم، إنّ الطريقة التي يمكنك من خلالها معرفة من تم إنقاذه من الحفرة النارية كانت ‘علاماتٍ خارجيّة للنعمة الداخلية’، أي أنّه كونك حسن المظهر أو فعّالاً أو مزدهراً يعني أنك ذاهبٌ إلى الجنة، لكنّ الركود العظيم وتداعياته أتلف مفهوم الجدارة وإنجيل الرخاء بين الغالبية العظمى من الشباب.

إذًا ماذا عن الأثرياء اليوم؟ هل حقًّا اكتسبوا مكانهم من عرق جبينهم، وتصميمهم الذي لا يتزعزع؟ الجواب هو ‘لا’ بشكلٍ قطعي.

وبدلًا من أن تكون الثروة عن طريق الموهبة أو التميّز، فإنّ المحدد الأكبر لاكتسابها هو امتلاكك للحظّ وفقاً لتحليلٍ جديد.

أراد ثلاثة علماء إيطاليين (عالِميّ الفيزياء: ‘أليساندرو بولتشينو-Alessandro Pluchino’ و’أندريا رابيساردا-Andrea Rapisarda’، والخبير الاقتصاديّ: ‘أ. إ.بيوندو-A. E. Biondo’) من جامعة كاتانيا معرفة ما إذا كان الأغنياء قد حصلوا على هذه الثروة من خلال الموهبة أو الحظ، وذلك باستخدام نموذج كومبيوتر.

كانت مهمتهم الأولى هي أخذ نموذج كمبيوتر وملء الجوانب المحيطة بالمواهب البشرية.

وبعد إدخال تلك الجوانب في الآلة، أظهروا لها الطرق التي يستخدم بها الناس تلك المواهب لتطوير أنفسهم، وبالتالي تم تعريف الموهبة على أنها امتلاك الذكاء، والمهارات، وعقلية المخاطرة وما إلى ذلك.

بعد ذلك، قام الباحثون بتشكيل عددٍ من المرشحين الوهميين، وتزويدهم بمثل هذه المواهب، على طول المستوى القياسي للانحراف، منحنى الجرس، ومعظم الناس لديهم مستوى متوسط من الموهبة، كما قد تتوقع.

تمّ رسم تقدمِ كل فرد في مهنته في المحاكاة لمدّة 40 عاماً، لمعرفة ما الذي يحدد أين انتهى بهم الأمر من حيث الدخل.

ولكن لم يكن المسار واضحاً، بالإضافة إلى السماح بحدوث طفرة بسبب الحظ، أضاف الباحثون جوانب غير محظوظة، والتي قد تغرق مهنة المرء.

وبعد 40 عاماً، شرع الباحثون في تحديد المرشحين الأكثر نجاحاً، والسبب الذي جعلهم يصبحون ناجحين هكذا.

أجروا التجربة من خلال الكمبيوتر عدّة مرات للتحقق من النتائج، ومع ذلك كان من الممكن التنبؤ بالنتائج بسهولة.

يبثُّ الكمبيوتر ما يُعرف باسم ‘قانون القوة’، أو ‘قاعدة 80:20’. وهو مفهومٌ مشهور في الاقتصاد، والذي ينصّ على: “بغض النظر عن الاقتصاد الذي تنظر إليه في كلّ مكان تقريباً يمتلك 20% من الناس 80% من الثروة”، وقد كان الحظ هو المحدد الرئيسي لاكتساب الثروة.

وفقًا لمؤلفي الدراسة: “إنّ نموذج الجدارة المهيمن إلى حدّ كبير على الثقافات الغربية شديدة التنافسية، متجذّر في الاعتقاد بأنّ النجاح يرجع بشكلٍ أساسي -إن لم يكن حصريّاً حتّى- إلى الصّفات الشخصية مثل الموهبة والذكاء والمهارات والجهود والإصرار والعمل الجاد أو المخاطرة. ولكنّنا نبشر أنّ بعضًا من نجاحات الأشخاص يمكن أن تكون بالحظ، وغالبًا ما نقلل من الدور الذي تلعبه القوى الخارجية، على الرغم من أنها قد تكون الأكثر أهميّة”.

وفي الوقت نفسه، نحن نُظهر مساهمة الموهبة، حيثُ أنّ الغالبية العظمى من أفضل 20% ليسوا الأكثر موهبة، بل نسبتهم متوسطة للغاية.

كتب الباحثون: “النجاح الأقصى لا يتزامن أبدًا مع أقصى قدر من المواهب، والعكس صحيح”. الشيء المضحك هو أنّ الكثيرين ممّن يعرفون ذلك ليسوا أقلّ دهشة. وقد أعلنت أعمالٌ مهمة في مجال التجارة عن نفس القدر، مثل: الحياة والموت في ساحة معركة الشركات (أي كيف تفوز الشركات وتخسر وتبقى على قيد الحياة)، والنجاح والحظ في العام الماضي (الحظّ السعيد وأسطورة الجدارة).

ومع ذلك، هناك فرق بين الأدلة القصصية من مراقبة ساحة الأعمال، ونموذج الكمبيوتر الذي يبثُّ الحقائق الباردة والصعبة.

يعدُّ عدم المساواة في الدخل مشكلةً متنامية في الولايات المتحدة ومعظم البلدان المتقدمة في العالم.

واليوم، يمتلك أكبر 8 مليارديرات ثروةً أكثر من أدنى 3 مليارات شخص في العالم مجتمعين، ومن المرجّح أن يتمّ التعتيم على هذه الدراسة من قبل أولئك الذين يرغبون في الحفاظ على ثروتهم ومكانتهم وسلطتهم.

ومع ذلك، يتساءل المرء عن موعد قدوم نقطة الانهيار، وعن أفضل طريقةٍ لإجراء تقسيمٍ أكثر إنصافاً للموارد بين أبناء الجنس البشري.

  • ترجمة: رند طه
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1